Credit: CERN PhotoLab / Experiments and Tracks
بدءاً من عصور ما قبل التاريخ وحتى يومنا هذا ما زلنا نتساءل مما يتكونُ كلُ شيء؟ وربما نعلم جميعاً أننا نتكون من ذرات تُعد اللبنة الأساسية لجميع الأشياء من حولك.
وجميعنا نعلمُ أيضاً أنّ تلك الذرات تتكونُ من بروتونات ونيوترونات في النواة، وإلكترونات في باقي أرجاء الذرة. ولكن لم تعد البروتونات والإلكترونات والنيترونات أصغر لَبنة في الذرّة كما اعتدنا، حيث وُجد أنّ هذه الجسيمات الثلاث تتكون من جسيمات أخرى أصغر منها، وسُميت بالجسيمات الأولية، وهي الجسيمات التي تُشكّل المادة في الكون، ولا تتكون من أي شـيء أصغر منها، تنتشر هذه الجسيمات في كل الكون سواء في حالة مترابطة مثل ترابطها داخل البروتونات والنيوترونات في نواة الذرة، أو بصورة حٌرّة مفردة مثل الإلكترون.
وقد ظهرت عائلات كثيرة ومتعددة من هذه الجسيمات حيث قسم العلماء هذه الأجسام إلى قسمين رئيسيين:
- فيرميونات Fermions: وهي مُكونات كلٍّ من (البروتونات، والنيترونات، والإلكترونات). وتنقسمُ إلى كواركات Quarks ولبتونات lepton.
- بوزونات Bosons: وهي الحاملةُ للقِوى الأربعة (الجاذبية، والكهرومغناطيسية، والقوة النووية القوية، والقوة النووية الضعيفة) الرابطة والمؤثرة على الفيرميونات. وتنتشر هذه القِوى في الفراغ على هيئة حقول، ولذلك تُسمى البوزونات أيضاً بـ "حاملات القوى".
ولكن قبل الخوض في تفاصيل كل منهما علينا أن نتعرف مفهوم الدوران المغزلي أو كما يُدعى الغزل Spin، وهو صفة متجذّرة في جميع أصناف الجسيمات الأولية، حيث يمكن وصفها بدوران الأرض حول نفسها لكنه ليس بالوصف الدقيق لأنّه ليس للكواركات والليبتونات في الحقيقة مواقع ثابتة، لذلك لا يمكن مقارنتها بدوران الجسيم حول نفسه لكنها تشبه ذلك إلى حد ما. وعلى هذا الأساس يمكن تعريف الفرميونات بأنها الجسيمات التي يكون دورانها المغزلي مساوياً لنصف العدد الصحيح Half-Integral Spin مثل (1/2، 3/2، 5/2 وهكذا). أما البوزونات هي الجسيمات التي يساوي دورانها المغزلي عدداً صحيحاً Integral Spin مثل (0، 1، 2 وهكذا).
وفي الواقع، تُظهر الفرميونات والبوزونات خواصَّ مختلفة تماماً، حيث تخضع الفرميونات لإحصاء فيرمي ديراك Fermi–Dirac statistics وتخضع أيضاً لمبدأ استبعاد باولي Pauli exclusion principle الذي ينص على أنه لا يمكن لاثنين من الفرميونات أن يتواجدا في الموقع نفسه بالضبط أي يحتلا الحالة الكمومية quantum state نفسها، فعلى سبيل المثال، لا يمكن لإلكترونين في ذرة واحدة أن يكون لهما نفس أعداد الكم الأربعة، فإذا كان n، وℓ، وmℓ متشابهين بين إلكترونين أو أكثر، فإنّ ms يجب أن يكون مختلفاً بمعنى أنّ كل واحدٍ منها يدور باتجاه معاكس للآخر. ولهذا السبب لا يمكننا اختراق الأجسام الأخرى، لأنّ الإلكترونات والبروتونات المكونة لأجسامنا تخضع لمبدأ استبعاد باولي.
وفي حين أنّ البوزونات تخضع لإحصاء بوز-أينشتاين Bose-Einstein Statistics حيث يمكن لجميع الجسيمات أن تتواجد في الموقع نفسه، أي إنّ هذه الجسيمات قادرة على شغل نفس موقع الحالة الكمومية لنظام ما، لهذا السبب الفوتونات التي تُكوّن الضوء مثلاً لا تشغل الفراغ بحيث لا يمكن لأحد أن يصطدم بفوتونات الضوء وإنما يمر من خلالها على عكس الفرميونات التي تشغل الفراغ.
ومن المثير للاهتمام أيضاً أنّ الليزر يعمل وفقاً لهذه الخاصية، فالليزر في الواقع هو جهاز يجمع أعداداً كبيرة من الفوتونات التي تَشغل نفس الحالة الكمومية ثم يسلطها بشكل ضوء ساطع جداً مع توجيهٍ دقيق. وبالتالي لا يمكن صنع ليزر من الفرميونات لأنّ لكل جسيم حالة كمومية خاصة به كما ذكرنا سابقاً. والإلكترون هو أبسط مثال على الفرميونات، حيث تحتل الإلكترونات مدارات مختلفة في أي ذرة وتدور في أغلفة مختلفة حول النواة. ولو كانت الإلكترونات خاضعة لفيزيائية البوزونات فسيكون من الصعب جداً دراسة خواص الإلكترونات التي نألفها، ونتيجةً لذلك، سيكون هناك اختلافات كثيرة وصعوبات في إدراك عناصر الجدول الدوري.
ومما يُميز البوزونات أيضاً أنها تُكوّن تكاثف بوز- أينشتاين Bose-Einstein condensate عند درجات الحرارة المنخفضة، وهي ظاهرة تنبأ بها كل من ساتيندرا ناث بوز سنة 1924 وألبرت أينشتاين بين عامي 1924 و1925، وأثبتت عملياً سنة 1995 أي بعد 70 عاماً من التكهن نظرياً بوجود هذه الظاهرة. إذ عند درجات الحرارة المنخفضة وتدني الحركة الحرارية إلى مستويات دنيا، تميل مجموعات كبرى من البوزونات إلى شغل نفس الحالة الكمومية.
ومن الجدير بالذكر أنّ من وضع تسمية "بوزون" هو الفيزيائي بول ديراك نسبةً للفيزيائي الهندي ساتيندرا ناث بوز الذي وضع مع ألبرت أينشتاين إحصاء بوز-أينشتاين الذي يصف الخواص المميزة لهذه الجسيمات.