كيف تولد الهدرونات من الطاقات الضخمة المتوفرة في مصادم الهدرونات الكبير LHC؟

الجسيمات التي تُنتَج خلال أحد التصادمات لاثنين من البروتونات، لكل منها طاقة 7TeV، مسجلة بواسطة أجهزة الكشف لتجربة LHCb في عام 2011، والمنظر من جانبين مختلفين.  حقوق الصورة: CERN, LHCb

يتكون عالمنا بشكل أساسي من جسيمات مبنية من ثلاثة كواركات مرتبطة بواسطة الغلوونات، ولا تزال عملية اتحاد الكواركات معًا المسماة الهدرنة Hadronisation غير مفهومة بشكل جيد، إذ حصل الفيزيائيون من معهد الفيزياء النووية بالأكاديمية البولندية للعلوم Institute of Nuclear Physics Polish Academy of Sciences في كراكوف Cracow الذين يعملون ضمن تعاون مختبر LHCb على معلومات جديدة حول هذا الموضوع، وذلك بفضل تحليل البيانات الفريدة التي جُمِعَت في تصادمات البروتونات عالية الطاقة في مصادم الهدرونات الكبير LHC.

وعندما تتسارع البروتونات إلى أعلى طاقة تتصادم مع بعضها البعض في مصادم الهدرونات الكبير LHC، إذ تخلُق جسيماتها المكونة -الكواركات والغلوونات- حالة وسيطة محيرة، وكانت الملاحظة التي تعد مفاجأة كبيرة هي أنّ تصادمات هذه الجسيمات البسيطة نسبيًا من مثل البروتونات تُظهِر حالة وسيطة لها خصائص السائل، وهي نموذجية لتصادمات بُنىً أكثر تعقيدًا (أيونات ثقيلة)، وتشير خصائص هذا النوع إلى وجود حالة جديدة من المادة: بلازما كوارك-غلوون Quark-Gluon Plasma التي تتصرف فيها الكواركات والغلوونات كجسيمات حرة، وهذا السائل الغريب يبرد على الفور، ونتيجةً لذلك يعيد الكوارك والغلوون الاتصال ببعضهم البعض في عملية تُسمَّى الهدرنة، ونتيجة لذلك تتولد الهدرونات وهي جسيمات تتكون من اثنين أو ثلاثة كواركات، وبفضل آخر تحليل للبيانات التي جُمِعَت عند طاقة سبعة تيرا إلكترون فولت 7 TeV، اكتسب باحثون من معهد الفيزياء النووية بالأكاديمية البولندية للعلوم IFJ PAN الذين يعملون ضمن تعاون مختبر LHCb، معلومات جديدة حول آلية الهدرنة في تصادمات بروتون-بروتون.

ويقول البروفسور مارتشين كوشارزيك Marcin Kucharczyk: "يلعب التفاعل القوي الدور الرئيسي في تصادمات البروتونات الموصوفة بالكروموديناميكا الكمومية Chromodynamics Quantum، ومع ذلك فإنّ الظواهر التي تحدث أثناء تبريد بلازما الكوارك-غلوون معقدة للغاية من حيث الحوسبة، وحتى الآن لم يكن من الممكن أن نفهم تمامًا تفاصيل الهدرنة، ومع ذلك فهي عملية ذات أهمية أساسية! وبفضل هذا تكونت في اللحظات الأولى بعد الانفجار العظيم الغالبية العظمى من الجسيمات التي تُشكّل بيئتنا اليومية من الكواركات والغلونات".

وفي مصادم الهدرونات الكبير LHC، تكون الهدرنة سريعة للغاية، وتحدث في منطقة صغيرة للغاية حول نقطة اصطدام البروتون، حيث تصل أبعادها إلى فيمتومترات فقط، أو إلى جزء من المليون من المليار من المتر. فلا عجب إذاً أنّ الرصد المباشر لهذه العملية غير ممكن في الوقت الحالي، وللحصول على أي معلومات حول مساره، يجب أن يتوصّل الفيزيائيون إلى طرق مختلفة غير مباشرة، وهناك دور رئيسي تلعبه الأداة الأساسية لميكانيك الكم: دالة موجية تُحدَّد خصائصها بخصائص جسيمات من نوع معين (تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من مرور 100 عام تقريبًا على ولادة ميكانيك الكم، لا تزال هناك تفسيرات مختلفة للدالة الموجية!).

ويوضح هذا طالب الدكتوراه بارتوز مالسكي Bartosz Malecki: "تنطبق الدالات الموجية للجسيمات المتماثلة بفعالية أي: تتداخل، فإذا عُزّزت نتيجة للتداخل فإننا نتحدث عن روابط بوز-أينشتاين Correlations Bose-Einstein، وإذا أُلغِيت فإننا نتحدث عن روابط فيرمي-ديراك Correlations Fermi-Dirac، وكُنا في تحليلاتنا مهتمين بعمليات التعزيز، أي روابط بوز- اينشتاين، وكنا نبحث عنهم بين الباي ميزونز Pi Mesons التي تطير خارج منطقة الهدرنة في اتجاهات قريبة من الاتجاه الأصلي للحزم المتصادمة من البروتونات".

طُوِّرت الطريقة المستخدمة أصلًا لمجال علم الفلك الإشعاعي Radioastronomy وتسمى تداخل HBT (من أسماء اثنين من منشئيها: روبرت هانبيري براون Robert Hanbury Brown وريتشارد تويس Richard Twiss)، وعند استخدامه فيما يتعلق بالجسيمات، فإنّ قياس تداخل HBT يجعل من الممكن تحديد حجم منطقة الهدرنة وتطورها بمرور الوقت، ويساعد على توفير معلومات حول ما إذا كانت هذه المنطقة مختلفة بالنسبة لأعداد مختلفة من الجسيمات المنبعثة أو بالنسبة لأنواعها المختلفة على سبيل المثال.

جعلت البيانات من كاشف LHCb دراسة عملية الهدرنة ممكنة في منطقة ما يسمى الزوايا الصغيرة، أي الهدرونات المُنتَجة باتجاهات قريبة من اتجاه الحزمة الأولية من البروتونات، وقدّم التحليل الذي أجرته المجموعة من IFJ PAN دلائل تشير إلى أنّ الحدود التي تصف مصدر الهدرنة في هذه المنطقة الفريدة التي تُغطيها تجربة LHCb في مصادم الهدرونات الكبير LHC تختلف عن النتائج التي حصلوا عليها للزوايا الأكبر.

ويلخص بهذا البروفيسور ماريوس فيتيك Mariusz Witek: "سيستمر التحليل الذي قَدَّم هذه النتائج المثيرة للاهتمام في تجربة LHCb لطاقات اصطدام مختلفة ولأنواع مختلفة من البُنى المتصادمة، وبفضل هذا سيكون من الممكن التحقق من بعض النماذج التي تصف عملية الهدرنة، وبالتالي إلى فهم أفضل لمسار العملية نفسها".

مُوِّل عمل فريق IFJ PAN جُزئيًا من منحة OPUS من المركز الوطني البولندي للعلوم Polish National Science Centre.

يُعدّ معهد هنريك نويودنيكزانسكي للفيزياء النووية The Henryk Niewodniczanski Institute of Nuclear Physics حاليًا أكبر معهد للأبحاث في الأكاديمية البولندية للعلوم، وتشمل المجموعة الواسعة من دراسات وأنشطة الأبحاث الأساسية والتطبيقية، بدءًا من فيزياء الجسيمات والفيزياء الفلكية من خلال فيزياء الهدرون، والفيزياء النووية العالية والمتوسطة ومنخفضة الطاقة، وفيزياء المادة المكثفة (بما في ذلك هندسة المواد) لتطبيقات مختلفة من أساليب الفيزياء النووية في الأبحاث متعددة التخصصات التي تغطي الفيزياء الطبية، وقياس الجرعات Dosimetry، والإشعاع، والبيولوجيا البيئية، وحماية البيئة، وغيرها من التخصصات ذات الصلة.

ويشمل متوسط العائد السنوي لـIFJ PAN أكثر من 600 ورقة علمية في Journal Citation Reports الصادرة عن Thomson Reuters، وجزء من المعهد هو "Cyclotron Centre Bronowice) "CCB) الذي يعتبر بنية تحتية فريدة من نوعها في وسط أوروبا، ليكون بمثابة مركز أبحاث سريرية في مجال الفيزياء الطبية والنووية، ومعهد IFJ PAN عضو في Marian Smoluchowski Krakow Research Consortium: "مستقبل – طاقة-مادة Matter-Energy-Future" الذي يمتلك مركز أبحاث وطني "National Research Centre"KNOW ريادي في الفيزياء للأعوام 2012-2017. والمعهد من فئة A + (مستوى ريادي في بولندا) في مجال العلوم والهندسة.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات