بلوتو وأقماره الثلاثة (شارون ونيكس وهيدرا) مقارنةً بحجم قارة أستراليا. مصدر الصورة: ناسا-آندي كيسلي.
Credit: NASA/Andy Casely, CC BY-SA
لقد مرّ ما يزيد عن الشهر منذ أن حلّقت مركبة نيوهورايزنز New Horizons بالقرب من آخر الأماكن المجهولة في نظامنا الشمسي، وعلى الرغم من أننا لم نحظَ إلا بقليلٍ من البيانات المجمّعة، فقد شكّلت جميعها أمراً مثيراً. و سترسل نيوهورايزنز على مدى الأربعة عشر شهراً القادمة بياناتها، مع فترة تحديقها بالأرض بشكلٍ مستمر عبر أبطأ اتصال بالإنترنت في النظام الشمسي.
إضافة إلى جبال بلوتو وتضاريسه الغريبة وسطحه اليافع التي فسّرناها مسبقاً، رصد القائمون على مُراجعة صور بلوتو ما يُعتقد بأنه غاز نيتروجينٍ أو ميثانٍ متدفقٌ على سطح الكوكب. وهو ما يتناقض مع الاكتشاف الرئيسي الآخر الذي تم فيه العثور على جبالٍ مائيةٍ/جليديةٍ يصل ارتفاعها إلى 3000 متر على بلوتو. هل يجعلُك هذا تتساءل: لمَ بمقدور الجليد تكوين جبالٍ على سطح بلوتو بينما يظلّ الميثان مُتدفقاً؟
قد يكون كل هذا واضحاً نوعاً ما، فنحن معتادون تماماً على اعتبار كل من النيتروجين والميثان غازات، وأن الجليد المائي الصلب أمر اعتيادي.لذا، فإنه ليس من المستبعد أن نمدّ خيالنا لنفكر بأن الجليد عندما يكون صلبا، فإنه سيكون أقوى من جليد النيتروجين والميثان الصلبين. ولكننا إذا قارنا هذا بمكان ما على الأرض حيث نمتلك مشهدا أرضياً من الجليد المائي، بين القطبين، فإن هذه المناطق تشكلت أساسا من تدفق الجليد المائي. لذا، فسوف ألعب هنا دور طفل في الخامسة من العمر، وأطرح السؤال الأبدي: لماذا؟
تبلغ درجة حرارة اليوم المشمس على كوكب بلوتو حوالي 44 كلفن (أي حوالي -229 درجة مئوية)، ويتواجد كلٌّ من الماء والميثان والنتروجين في الحالة الصلبة بثبات عند هذه الدرجة. وعلى أيّ حال، تكشف لنا الطريقة التي ترتب بها ذراتها بهيئةٍ صلبة عما إذا كانت تتدفق أو لا.
هل تعتبر البنية البلورية للجليد مألوفة لنا جميعاً؟ نعم، فهي بلورات سداسية، وهذا ما يولّد الكسف الثلجية الجميلة ذات الجوانب الستة التي اعتدنا رؤيتها. إن سبب اتخاذ الجليد لهذه البنية تحت الظروف المتوفرة على الأرض (وفي الواقع على سطح بلوتو أيضاً) يعود جزئياً إلى الطريقة التي "تلتصق" بها ذرتا الهيدروجين في كل جزيء ماء (H2O) مع ذرة الأكسجين في الجزيء المجاور.
لا يزال التجاذب بين ذرات الهيدروجين والأكسجين في الماء، وهو الذي يعرف بالرابطة الهيدروجينية، يُحير العلماء حتى يومنا هذا، وهو السبب الرئيسي لبعض الخصائص المميزة للجليد، وهذه الرابطة هي إحدى تلك الخصائص التي تجعل الثلج قوياً خصوصاً عند درجة حرارة 44 كلفن، حيث أن الجليد عند درجة الحرارة هذه يتماسك مع بعضه بواسطة رابطة هيدروجينية، تبدو مثل إطار من الحديد يدعم ناطحة سحاب، الأمر الذي يعني أنك تستطيع أن تبني جبالاً.
وهذه الجبال لا تتدفق مثلما تفعل على الأرض بسبب شدة برودة الجو هناك، حيث تتحرك الكتل الجليدية على الأرض بفعل عدة عوامل، منها تسلل العيوب إلى بنية الجليد، وهو ما يمكن أن يحصل فقط في حال امتلاك جزيئات الماء لطاقة كافية لتتبخر قليلاً، الأمر الذي لا يحدث في البيئة المتجمدة على بلوتو.
إذاً فالجليد قوي، لكنّ الميثان يحتوي على الهيدروجين في تكوينه (CH4)، فلمَ لا يستطيع تكوين روابط هيدروجين لجعله أقوى؟ الفكرة هنا تكمنُ في أنّ الميثان يحتوي على عددٍ كبير من ذرّات الهيدروجين، وهي بذلك تستولي على مُجمل قوة الالتصاق لذرة الكربون في المنتصف، وهو ما يعني أن بُنية الميثان بسيطة جداً.
نتذكّر جميعا المتعة التي كنا نشعر بها، ونحن صغار، عندما كنا نلعب في حوض مليء بالكرات. عندما يكون حوض الكرات ذا شكل مربع وفارغاً من الأطفال، ستُلاحظ أن الكرات تُرتّب نفسها ضمن شكلٍ نُطلق عليه اسم التعبئة المتراصّة (close packing) وتلك هي البنية نفسها التي يُشكّلها الميثان الصلب.
لا تستطيع جزيئات الميثان أن تلتصق بأي من جيرانها؛ لذا تجد نفسها تدور في أرجاء المكان. وإذا جعلتَ جُزيء ميثانٍ رباعيًا يضطرب دورانياً، فسينتهي به الحال إلى ما يشبه الشكل الكروي إلى حدّ كبير، تماماً مثل الكرات في ذلك الحوض. وتكون القوة الوحيدة التي تربط هذه الجزيئات معاً هي قوى فان دير فال الضعيفة (van der Waals) التي تمثّل نوعا من التجاذُب ُيشبه قوة الجاذبية بالنسبة للذرات.
وهذا يعني أن الميثان الصلب يبدو تماماً مثل الهلام! بل إننا ندعوه بالمادة اللدنة الصلبة؛ لأنك إن ضغطت عليه فلن يعود إلى شكله الأصلي. ولأنه ما من هيكل يجمع جزيئات الميثان مع بعضها البعض، فسيكون بمقدوره التدفق حتى ولو وُجد في درجات الحرارة المتدنية للغاية كما هو الحال على بلوتو. والنيتروجين يشبه الميثان تقريباً؛ حيث أنه يشكل في حالاته الصلبة جزيئات مكونة من أزواج من ذرات النيتروجين، وهذه الأزواج من النيتروجين N2 تدور لتصبح متراصة مثل الكرات لتشكل لدائن صلبة مرة أخرى.
بالرغم من أننا كنا نعرف تركيبة الجليد الصلب، وكذلك تركيبة كل من الميثان والنيتروجين لبرهة من الزمن، إلا أنه لا تزال هنالك بعض التعقيدات التي يجب البحث فيها، وأحدها هو كيفية اختلاط هذه المواد ببعضها البعض، حيث أن المياه المختلطة مع جزيئات غازات مثل النيتروجين والميثان يمكن أن تشكّل مواد حبيسة تسمى بالبلورات القفصية ( clathrates)،كما أنه بدأ مؤخراً اختبار إمكانية وجود مواد صلبة تكون مزيجاً من النيتروجين والميثان.
إذًا، وكما ترى الآن، فحتى في المواد المتجمدة هنالك مجموعة من الخصائص الفيزيائية، ومن المرجح أن الاختلافات بينها تحدد شكل تضاريس كواكب مثل بلوتو، وسيتطلب الأمر مئات السنين ليستطيع علماء الجيولوجيا على الأرض فهم كيفية تشكّل اليابسة على السطح، وهذا هو الوقت المناسب لعلماء الجيولوجيا ليقوموا بعملهم على كوكب آخر.