ما هي النجوم الثنائية وما هي أنواعها ؟

الشمس هي النجم الوحيد في النظام الشمسي، بالطبع هناك كواكب وأقمار ونيازك ومذنبات كثيرة ترافقها وهي تتحرك في الفضاء، ولكن لا يوجد بصحبتها أي نجم آخر، وقد تعتقد بناء على هذا أن جميع النجوم وحيدة أيضاً كالشمس، فالأمر يبدو هكذا بالتأكيد بالعين المجردة، لكن عندما تنظر للسماء بالتلسكوب، تجد أن الأمر ليس كذلك، فالعديد من النجوم في الكون تكون برفقة نجم آخر وأحياناً أكثر من نجم واحد.

هناك نجوم كثيرة في السماء، بعضها تبدو أقرب لبعض بالصدفة على الرغم أنها تكون متباعدة جداً في الفضاء، ندعو هذه النجوم بـ "النجوم المزدوجة Optical double stars"، ولكن في القرن الثامن عشر، بدأ علماء الفلك يدركون أن نجوماً كثيرة تبدو قريبة من بعضها، كانت حقاً تدور حول بعضها البعض، ندعوا هذه النجوم بـ "النجوم الثنائية Binary stars" لتمييزها عن النجوم المزدوجة القريبة من بعضها بالصدفة، ورغم أن الأرقام ليست دقيقة إلا أن ما بين ثلث إلى نصف النجوم في الكون هي جزء من نظام نجمي ثنائي أو "نظام متعدد النجوم Multiple star system".

أحد الأنظمة الثنائية ظاهر بالعين المجردة ومعروف منذ آلاف الأعوام ولعلكم رأيتموه، فهو النجم الذي يشكل الانحناءة في مقبض الدب الأكبر، لكنه في الواقع نجمان، أحدها يُدعَى الإزار (Mizar)، والأخف لمعاناً يُدعَى السها (Alcor)، إنهما قريبان من بعضهما بما يكفي، بحيث تحتاج لبصر حاد جداً لتفريقهما (في الواقع قد تم استخدامهما لفحص سلامة النظر في الماضي).

الدب الأكبر
الدب الأكبر

 

تتشكل النجوم الثنائية معاً قرب بعضها في سحابة الغاز (Gas cloud) التي هي مهد تكونها، فبدل انهيار السحابة ككتلة واحدة لتشكيل نجم مثل شمسنا، يكون هناك كتلتان كثيفتان وكلاهما تجمعان المواد حتى تصبحا نجمين حقيقيين.

أنواع النجوم الثنائية


هناك أنواع مختلفة من النجوم الثنائية، على سبيل المثال، إن أمكن رؤية النجمين منفصلين بالتلسكوب فهما يدعيان "نجمان ثنائيان مرئيان Visual binaries"،هذا تصنيف مرن جداً، لأنه بينما تتحسن تقنية التلسكوبات، فسنتمكن من رؤية النجوم القريبة من بعضها بشكل أفضل، هذه الأنواع من النجوم شائعة وأحدها يُدْعى الشعرى اليمانية (Sirius)، وهو أكثر النجوم سطوعاً لنا، إنه نجم أزرق لامع بضعف كتلة الشمس يدور حوله قزم أبيض (White dwarf) صغير أقل لمعاناً.

وكما ذكرت في حلقة سابقة فإن الأقزام البيضاء ساخنة ونشطة للغاية، وتبعث ضوءاً بكميات كبيرة من الطاقة أكثر من النجوم العادية، فعندما تراقب الشعرى اليمانية بتلسكوب يعمل بالأشعة السينية، فإن القزم الأبيض يكون ألمع النجمين!

إن النجوم الثنائية المرئية مهمة، لأنه مع مراقبتها لفترة طويلة نتمكن من رؤية حركة مدارها، كذلك في حال قياس بعدها عن كوكب الأرض، فإن حجم وشكل مدارها يمكن تحديده، وباستخدام الرياضيات وفيزياء الجاذبية يمكن استخدام هذا لمعرفة كتلة النجوم.

في الواقع، إن الطريقة الوحيدة التي نعرفها للحصول على قياسات دقيقة للكتل النجمية هو كونها بنظام نجمي ثنائي وعندها نعرف كتل النجوم، سنتمكن من معرفة كل شيء عنها تقريباً، كم حجمها، وما مقدار لمعانها، وحتى إلى متى ستعيش!

ليس من المبالغة القول أن مراقبة النجوم الثنائية كانت سبباً في فتح مجال علمي جديد وهو الفيزياء الفلكية (Astrophysics)، أي تطبيق الفيزياء على علم الفلك وهذا ما قادنا لفهم كل شيء نعرفه عن الكون حالياً.


بالعودة لأنواع النجوم الثنائية، فليس جميعها مرئية ،بعض النجوم تدور بقرب شديد من بعضها وبسرعة كبيرة بحيث لا يمكننا الفصل بينهما رغم استخدام أكبر التلسكوبات، فكيف نعرف أنها ثنائية؟

الإجابة هي: باستخدام التحليل الطيفي، فبينما يدور النجمان حول بعضهما سيبدو مع الوقت أن أحدهما يتجه نحونا والآخر بعيداً عنا، والعكس عند تبادلهما الجوانب، قد لا نرى هذه الحركة مباشرة، لكن إن أخذنا طيفاً لضوئهما، وحلّلناه إلى ألوان ضيقة النطاق، فسنرى انحراف دوبلر في طيفهما حيث أنه في مسارهما الدائري يمر أحدهما بانحراف أحمر وهو يبتعد بينما يمر الآخر بانحراف أزرق وهو يقترب منا.

 

التحليل الطيفي
التحليل الطيفي

 

هذه النجوم تدعى "النجوم الثنائية الطيفية Spectroscopic binaries" هل تذكرون الإزار والسها، النظامين النجميين بكوكبة الدب الأكبر؟ قلنا إنهما نجمان ثنائيان، لكننا لم نذكر كل التفاصيل، فقد اتضح أن الإزار نفسه عبارة عن نجم ثنائي مرئي، والنجمان اللذان يشكلان الإزار هما أيضاً نجمان ثنائيان ونوعهما طيفي! 

بكلمات أخرى الإزار هو نجم ثنائي-ثنائي، وكذلك السها هو نجم ثنائي طيفي أيضا، وحيث إن الإزار والسها يدوران حول بعضهما، اتضح أنهما يشكلان معاً نظاماً نجمياً سداسياً، ستة نجوم مرتبطة جذبياً ببعضها! بالطبع، يمكن للنجوم أن تكون بمجموعات أكبر من ثنائية، هناك أنظمة ثلاثية ورباعية وأكثر، فالنجم القطبي أو نجم الشمال هو نظام خماسي مؤلف من 5 نجوم.

من الممكن أن نجوماً كثيرة تتشكل في أنظمة نجمية متعددة، لكن من الصعب الحصول على نظام مستقر كهذا، لأنه إن لم تكن المدارات صحيحة فستميل بعض النجوم للخروج من النظام، فالنجوم التي نراها في يومنا الحالي هي التي كانت المسافات لديها صحيحة، ورغم هذا قد لا تبقى هي أيضاً مستقرة على المدى الطويل.

هناك نوع آخر من النجوم الثنائية وهي "النجوم الثنائية الكسوفيةEclipsing binaries، وهي النجوم التي تعبر أمام بعضها كما نراها بزاوية من الأرض وتقوم بحجب ضوء نجمها المرافق عن رؤيتنا، النجوم الثنائية الكسوفية مثيرة للاهتمام لأنه عندما يحجب نجم نجماً آخر فإن الضوء الكلي الظاهر من النظام النجمي ينخفض كما في كسوف شمسي عندما يحجب القمر الشمس خلال مدار واحد نرى انخفاضين للضوء بينما النجم الأول يحجب النجم الثاني ثم بعد نصف مدار عندما يمر النجم الثاني أمام الأول، إن كان النجمان متشابهان كالشمس فانخفاض الضوء سيكون متشابهاً، لكن إن كان أحد النجوم أكثر سطوعاً من الآخر، فانخفاض الضوء سيبدو مختلفًا جداً!

النجم الأكثر سطوعاً هو من يحدد كمية الضوء الذي نراه لذا عندما يذهب النجم الأقل سطوعاً وراء النجم الأكثر سطوعاً لا ينخفض الضوء إطلاقاً لكن عندما يحجب النجم الأقل سطوعاً النجم الأكثر سطوعاً نرى انخفاضاً أكبر بالضوء، وبفحص أحجام وأشكال انخفاض الضوء بدقة، فإن معلومات كثيرة مثيرة يمكن جمعها عن النظام من ضمنها الأحجام، والكتل، ومعدلات الدوران، ودرجة حرارة النجوم وحجمها وشكل مدارها، بلإضافة لبعدها عن هذا النظام النجمي.

النوع الأخير من النجوم الثنائية الذي نستعرضه في مقالنا هذا، هي "النجوم الثنائية المتصلة Contact binaries" وهي مثل البشر تستمتع بالعناق، إذ تتقارب هذه النجوم جداً بحيث تصبح نظاماً ثنائياً متصلاً، أي نجمان يلمسان بعضهما حرفياً!

هذه نجوم غريبة جداً، فقد تتمدد إلى أشكال كالدموع بسبب تأثير المد المشترك، وإن اقتربت بشكل كبير جداً فستندمج بشكل فلقتين كحبة الفستق السوداني، بتشبيه آخر كنجمين في شرنقة من المواد المشتركة، وفي بعض هذه الأنظمة الثنائية القريبة يمكن للمادة أن تتدفق من نجم إلى آخر وتغير طريقة نموه، وإن كان أحدهما قزماً أبيضاً فقد يُسبِّب انفجارات متكررة وربما يقود لتفجير النجم بأكمله في حدث عملاق يسمى بـ "المستعر الأعظم من النوع الأول Supernova type a1".

أخيرا هناك سؤال من الممكن أنه تبادر لذهنكم ونحن نتدرج في المقال وهو: هل نشأت الشمس في نظام نجمي ثنائي؟ بكلمات أخرى هل كان للشمس توأم؟ 

في الحقيقة، لا نعرف يقيناً، ولكن طبقاً لعلماء الفلك فهذا الأمر محتمل جداً، ففي الواقع أدلة جديد نُشِرت مؤخراً من قبل علماء من جامعة بيركلي وهارفارد، باستخدام تلسكوب راديوي، تشير بأن جل النجوم نشأت كأزواج، وشمسنا ليست استثناءً!

وبما أن هذا أصبح شيئاً شبه مؤكد، فما علينا القيام به هو البحث عن نجوم لها تركيبة عنصرية مشابهة للشمس، ولكن حيث أن الشمس نشأت قبل مليارات الأعوام فهذا وقت كافي ليبتعد أي نجم نشأ معها بعيداً ،حتى لو انتقل بسرعات بطيئة نسبيًا فان 4.5 مليار عام هي فترة طويلة حسب علمنا، قد يكون على مسافة ألف سنة ضوئية، وغير مرئي لنا، ولذلك لابد من البحث أكثر.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • النجم المضاعف (Double star): أو النجم المزدوج، وهو زوج من النجوم القريبة جدا من بعضها، وعادة ما تظهر في السماء كنجمٍ واحد عند النظر إليها باستخدام تلسكوب أرضي.
  • القزم الأبيض (White dwarf): هو ما ستؤول إليه الشمس بعد أن ينفذ وقودها النووي. عندما يقترب من نفاذ وقوده النووي، يقوم هذا النوع من النجوم بسكب معظم مواده الموجودة في الطبقات الخارجية منه، مما يؤدي إلى تشكل سديم كوكبي؛ والقلب الساخن للنجم هو الناجي الوحيد في هذه العملية.
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernova): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا
  • الغاز (Gas): أحد الحالات الأساسية الثلاث للمادة. في هذه الحالة تتحرك الذرات، أو الجزيئات، أو الأيونات بحُريّة، فلا ترتبط مع بعضها البعض. وفي علم الفلك، تُشير هذه الكلمة عادةً إلى الهيدروجين أو الهيليوم. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات