يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
لماذا تظهر النجوم بألوان مختلفة؟

النجوم هي أشياء رائعة و جميلة، ومثلها مثل الكواكب والكويكبات والأجسام النجمية الأخرى، فإنها تأتي بعدة أشكال وأحجام وحتى بعدة ألوان. وعلى مر القرون، استطاع علماء الفضاء تمييز عدة أنماط من النجوم بناءً على هذه الخاصيات الجوهرية.

على سبيل المثال، يعود لون نجمٍ ما -الذي يتنوع بين الأبيض المُزرق والأصفر والبرتقالي والأحمر- إلى تركيب هذا النجم وحرارته الفعالة. وفي كل الأوقات، تشع النجوم الضوء الذي يكون عبارةً عن اجتماعٍ لعدة أطوال موجية مختلفة. علاوةً على ذلك، فإن لون النجم يمكن أن يتغير مع الوقت.


التركيب


تشع العناصر المختلفة أطوالاً موجية مختلفة من الأشعة الكهرومغناطيسية عندما ترتفع حرارتها. في حالة النجوم، فإن ذلك يشمل -إضافةً لمكونات النجم الرئيسية (الهيدروجين والهيليوم)- العديد من العناصر الأخرى التي تشكل النجم. اللون الذي نراه هو اجتماعٌ للأطوال الموجية الكهرومغناطيسية المختلفة هذه التي يشار إليها بـ "منحني بلانك" Planck’s curve.

يوضح الرسم البياني قانون فين Wein’s Law الذي يصف انبعاث الإشعاع من جسم أسود بناءً على طول موجته العظمة. المصدر: ويكيبيديا.
يوضح الرسم البياني قانون فين Wein’s Law الذي يصف انبعاث الإشعاع من جسم أسود بناءً على طول موجته العظمة. المصدر: ويكيبيديا.


يعرف طول الموجة الذي يشع عنده النجم كمية الضوء العظمى بـ "طول الموجة الأعظمي" peak wavelength ويُعرف بـ "قانون فين" Wien’s Law، وهي تمثل القمة في منحني بلانك الخاص بالنجم. على أي حال، فإن الضوء الذي يبدو للعين البشرية أيضاً يتم تخفيفه من قبل التداخلات التي تبديها الأجزاء الأخرى من منحني بلانك الخاص بالنجم.

وباختصار، عندما تجتمع مختلف ألوان الطيف، فإنها تبدو للعين المجردة بلونٍ أبيض. مما سيجعل اللون الظاهري للنجم أخف من اللون الذي يوافق الجزء من الطيف المرئي الذي يقع عليه طول موجة النجم العظمى. خُذ بعين الاعتبار شمسنا، فعلى الرغم من كون طول موجة الانبعاث العظمى يتوافق مع الجزء الأخضر من الطيف المرئي، فإن شمسنا تبدو بلون أصفر شاحب.

تركيب النجم هو نتيجة لتاريخ تشكله. تولد جميع النجوم من سدم من الغاز والغبار، وتختلف السدم فيما بينها. يدخل الهيدروجين بشكل كبير في تركيب السدم الموجودة في الوسط بين النجمي، ويعد الهيدروجين الوقود الرئيسي لتكوين النجم. وبالإضافة للهيدروجين، تحتوي السدم على عناصر أخرى. وتحدد كلاً من الكتلة الكلية للسديم وتنوع الغازات التي تشكلها، نوع النجم الذي سينتج.

التغير في اللون الذي تضيفه هذه العناصر للنجم ليس واضحاً جداً، لكن يمكن دراسته بفضل طريقةٍ تُعرف باسم التحليل الطيفي spectroanalysis. يستطيع العلماء تحديد ماهية العناصر التي تحترق داخل النجم من خلال دراسة الأطوال الموجية المختلفة التي يصدرها هذا النجم، وذلك باستخدام مقياسٍ طيفي.

 


 

المسافة والحرارة


العامل الرئيسي الذي يؤثر في لون نجمٍ ما هو حرارة هذا النجم. وكلما ازدادت حرارة النجم كلما ازدادت الطاقة الكلية المشعة وتحركت قمة المنحني باتجاه أطوال موجية أقصر. بكلمات أخرى، كلما ارتفعت حرارة النجم كلما اقترب الضوء الذي يصدره النجم أكثر وأكثر من النهاية الزرقاء في الطيف المرئي. والعكس صحيح في حال انخفاض حرارة النجم.

العامل الثالث والأخير الذي سيؤثر بلون الضوء الذي سيصدره النجم يعرف بـ "تأثير دوبلر" Doppler Effect. عندما يتعلق الأمر بالصوت أو الضوء أو أي نوع آخر من الأمواج، فإن التردد يمكن أن يرتفع أو ينخفض بحسب المسافة بين المصدر والمراقب.

في علم الفلك، هذا التأثير يسبب ما يعرف بـ "الانزياح نحو الأحمر" redshift و "الانزياح نحو للأزرق" blueshift. حيث ينتقل الضوء المرئي القادم من نجم بعيد باتجاه النهاية الحمراء من الطيف المرئي إذا كان هذا الضوء يبتعد، أو باتجاه النهاية الزرقاء إذا كان الضوء يقترب.


 


التصنيف الحديث


يصنف علم الفلك الحديث النجوم بناءً على خصائصها الأساسية، التي تتضمن الصف الطيفي (مثل اللون) والحرارة والحجم والسطوع. معظم النجوم مصنفة حالياً ضمن نظام مورغن-كينان Morgan–Keenan او اختصاراً (MK) الذي يصنف النجوم بناءً على حرارتها باستخدام الأحرف: O, B, A, F, G, K, M. حيث يشير الحرف O إلى الأكثر حرارة والحرف M إلى الأبرد.

ويتفرع كل صف إلى عدة فروع يُشار إليها باستخدام أرقام من 0 إلى 9، حيث يشير الرقم 0 إلى الأكثر حرارة والرقم 9 إلى الأكثر برودة (مثال: يمثل المجال من O1 إلى M9 النجوم من الأكثر حرارة إلى الأكثر برودة). في نظام مورغن-كينان تتم إضافة صف اللمعان باستخدام الأحرف الرومانية، كل هذا بناءً على عرض خطوط امتصاص محددة في طيف النجم (الذي يختلف باختلاف كثافة الغلاف الجوي) وبالتالي التمييز بين النجوم العملاقة والنجوم القزمة.

صفوف اللمعان 0 و I تمثل النجوم العملاقة الفائقة أو المفرطة، والصفوف II و III و IV تمثل على التوالي النجوم الساطعة والنجوم العملاقة العادية والنجوم تحت العملاقة، بينما يمثل الصف V النجوم الرئيسية، والصف VI والصف VII يمثل النجوم تحت القزمة والنجوم القزمة. هناك أيضاً مخطط هيرتزسبرنغ-راسل البياني Hertzsprung-Russell diagram الذي يربط التصنيف النجمي بالحجم المطلق (مثل السطوع الفعلي) وباللمعان وبحرارة السطح.

يتم استخدام نفس التصنيف المُستخدم للأنماط الطيفية، التي تمتد من النهاية البيضاء والزرقاء إلى النهاية الحمراء التي يتم جمعها بعد ذلك مع حجم النجم المطلق المرئي (يعبر عنه بالرمز Mv) ومن ثم تمثيلها على مخطط ثنائي البعد.

يظهر مخطط هيرتسبيرغ-راسل البياني The Hertzspirg-Russel diagram العلاقة بين لون النجم والحجم المطلق واللمعان والحرارة.   المصدر: astronomy.starrynight.com
يظهر مخطط هيرتسبيرغ-راسل البياني The Hertzspirg-Russel diagram العلاقة بين لون النجم والحجم المطلق واللمعان والحرارة.  المصدر: astronomy.starrynight.com


و في المتوسط، تكون النجوم الواقعة في المجال O أكثر سخونةً من النجوم الواقعة في المجالات الأخرى، حيث تصل حرارتها الفعلية إلى ما يقارب 30,000 كلفن. وفي الوقت نفسه، تكون هذه النجوم أكبر وذات كتلة أضخم حيث تصل أحجامها إلى ما يفوق 6 أضعاف ونصف نصف القطر الشمسي وحتى 16 مرةً من حجم الشمس. عند النهاية السفلى، تميل النجوم ذات الأنماط K و M (الأقزام البرتقالية والأقزام الحمراء orange and red dwarfs) لتكون أبرد (حرارتها مابين 2400 إلى 5700K) ويبلغ نصف قطرها 0.7 إلى 0.96 من نصف قطر شمسنا، وحجمها يبلغ 0.08 إلى 0.8 من حجم شمسنا.

التطور النجمي


تمر النجوم أيضاً بدورة حياة تطورية، وخلالها تتغير أحجامها وحرارتها وألوانها. على سبيل المثال، عندما تستهلك شمسنا كل الهيدروجين الموجود في قلبها، ستصبح غير ثابتة وستنهار تحت تأثير وزنها. مما سيؤدي لارتفاع حرارة قلب الشمس وازدياد كثافته مما يسبب زيادةً حجم الشمس.

وفي هذه النقطة، تكون الشمس قد تركت طور السلسلة الرئيسية Main Sequence ودخلت في طور العملاق الأحمر Red Giant Phase من أطوار حياتها، الذي -كما يظهره اسم هذا الطور- يتميز بالتوسع والتحول للأحمر الغامق. عندما يحصل ذلك، فإنه يُعتقد نظرياً أن الشمس سوف تمتد لتشمل مدار عطارد وحتى مدار الزهرة.

إذا نجت الأرض من هذا التوسع، فستكون قريبةً جداً مما سيجعلها مشوهة. وعندما تصل الشمس بعد ذلك إلى طور ما بعد العملاق الأحمر، فإنها سوف تبدأ بقذف الكتل تاركةً خلفها قلباً عارياً يعرف بالقزم الأبيض white dwarf. سوف تبقى هذه البقايا لتريليونات السنين قبل أن تتلاشى.

 

 

يُعتقد أن هذه الحالة تنطبق على جميع النجوم التي لها حجم بين 0.5 إلى 1 من حجم الشمس (حجمها مساوٍ لحجم الشمس أو يساوي نصف حجم الشمس). وتختلف هذه الحالة قليلاً عندما يتعلق الأمر بالنجوم ذات الكتل الصغيرة (مثل الأقزام الحمراء) التي يساوي حجمها بشكل عام 0.1 تقريباً من حجم الشمس.

ويُعتقد أن هذه النجوم يمكن أن تبقى في حالتها الرئيسية لمدة 6 إلى 12 ترليون عام دون أن تمر بمرحلة العملاق الأحمر. على أي حال، فإنها سوف تزداد تدريجياً بالحرارة واللمعان، وسوف تبقى موجودةً أيضاً لمئات المليارات من السنين الإضافية قبل أن تنهار في النهاية وتتحول لقزمٍ أبيض.

أما بالنسبة للنجوم العملاقة الفائقة supergiant stars (حجمها أكبر أو يساوي 100 مرة حجم الشمس) التي لديها الكثير من الكتلة في قلبها مما سيرجح مرورها بمرحلة اشتعال الهيليوم حالما تستهلك مخزونها من الهيدروجين. ومن المرجح ألا تنجو وألا تتحول إلى عملاق أحمر فائق، وبدلاً من ذلك، فإنها سوف تنهي حياتها على شكل مستعر أعظم ضخم supernova.

يمكننا تلخيص ذلك بالقول أن ألوان النجوم تختلف تبعاً لتركيبها الكيميائي وأحجامها الخاصة وحرارتها. مع الوقت، وفي أثناء تغير هذه الخصائص (نتيجةً لاستهلاك النجوم الوقود الخاص بها)، فإن العديد من النجوم سوف تصبح قاتمةً ويزداد لونها الأحمر، بينما ستنفجر النجوم الأخرى بشكلٍ رائع. 

كلما ازداد عدد النجوم التي نراقبها، كلما ازداد ما نعرفه عن كوننا وعن تاريخه الطويل جداً.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • القزم الأبيض (White dwarf): هو ما ستؤول إليه الشمس بعد أن ينفذ وقودها النووي. عندما يقترب من نفاذ وقوده النووي، يقوم هذا النوع من النجوم بسكب معظم مواده الموجودة في الطبقات الخارجية منه، مما يؤدي إلى تشكل سديم كوكبي؛ والقلب الساخن للنجم هو الناجي الوحيد في هذه العملية.
  • الأقزام الحمراء (red dwarfs): تُعتبر الأقزام الحمراء أصغر النجوم وتقع كتلتها بين 7.5 إلى 50% من كتلة الشمس. ويُشير هذا الحجم الصغير إلى أنها تشتعل عند درجة حرارة أقل وتصل إلى 5000 درجة فهرنهايت (2700 درجة سيلسيوس) مقارنةً مع الشمس التي قد تصل حرارتها إلى 27 مليون درجة فهرنهايت (15 مليون درجة سيلسيوس). وتعني درجة الحرارة المنخفضة أن الأقزام الحمراء أكثر خفوتاً بكثير من النجوم المشابهة للشمس.
  • العملاق الأحمر (red giant): أو النجم العملاق الأحمر، هي المراحل الأخيرة من تطور نجم ميت، وستتحول شمسنا في مراحلها الأخير إلى هذا النوع من النجوم.
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernova): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات