ما هي الحرارة

هذا المقال هو جزء من سلسلة مقالات مرتبطة حول الفيزياء الحرارية. تسعى هذه السلسلة إلى تقديم شرح متكامل حول مفهوم الحرارة والطاقة الحرارية وتجلياتها في الكون، ودور الفيزياء في تدقيق مفهومها وشرح أساسياتها.

يمكنك الإطلاع على المقالات الأخرى بالترتيب من خلال الروابط التالية: الجزء الأول، الجزء الثاني، الجزء الثالث، الجزء الخامس.

ما هي الحرارة

سابقاً في هذا الدرس، أعطيت خمسة تعاريف معجمية النمط لدرجة الحرارة، كانت هذه التعاريف:

 

  •  درجة سخونة أو برودة الجسم أو المحيط.
  • مقياس لحرارة أو برودة الجسم أو المادة، بالرجوع إلى قيمة معيارية (مرجعية).
  •  مقياس لمتوسط الطاقة الحركية kinetic energy للجزيئات في عينة من المادة، معبَّر عنها بصيغٍ من الوحدات أو الدرجات على موازيين معيارية.
  • مقياس لمقدرة مادة أو أكثر عادةً في أي نظامٍ فيزيائيٍّ على نقل الطاقة الحرارية لنظامٍ فيزيائيٍّ آخر.
  • أي من المقاييس المعيارية الرقمية المختلفة لهذه القدرة، مثل ميزان كالفن أو فهرنهايت أو سيليسيوس (ويسمى أيضاً المئوي)
  • كما ذكر، فإن التعريفين الأولين لهما معانٍ واضحة نوعاً ما. 
     

التعريف الثالث كان موضوع الصفحة السابقة من هذا الدرس، والبند الخامس كان التعريف الذي بدأنا به لدى مناقشتنا درجة الحرارة وتجهيز مقاييس درجة الحرارة، لقد كان موضوع الصفحة الثانية من هذا الدرس. 

هذا يتركنا مع البند الرابع، تعريف درجة الحرارة على أنها مقدرة المادة على نقل الحرارة إلى مادة أخرى، هذا القسم من الدرس الأول مخصص لفهم كيفية تأثير درجة الحرارة النسبية لجسمين على الاتجاه الذي تنتقل به الحرارة بين الجسمين.

ما هي الحرارة؟


لنفترض وجود فنجان حار جداً من القهوة على طاولة في مطبخك، لغرض النقاش، سنقول بأن درجة حرارة فنجان القهوة هي \(° C 80\) (أي 80 درجة مئوية) وأن الوسط المحيط (سطح الطاولة، الهواء، والمطبخ الخ..) له درجة الحرارة \(°C 26\)


ما الذي تفترض حدوثه في هذه الحالة؟ أخمن بأنك تعرف أن كوب القهوة سيبرد بالتدريج مع مرور الوقت، لن تجرؤ على شربه بدرجة الحرارة \(°C 80\)، وعلى الأغلب سيكون ملمس فنجان القهوة حاراً جداً، ولكن مع مرور الوقت سيبرد فنجان القهوة والقهوة. وعندها يصبح عند درجة حرارة يمكن شربه عندها، وإذا قاومت إغراء شرب القهوة، ستصل في النهاية إلى درجة حرارة الغرفة. 


تبرد القهوة من درجة الحرارة \(°C80\) وحتى \(°C26\)، وبالتالي ما الذي حدث على مر الوقت ليسبب برودة القهوة؟ الإجابة على هذا السؤال لها طبيعتين مرئية وجزيئية.

درجة الحرارة
درجة الحرارة

على المستوى المرئي، سنقول بأن القهوة والفنجان يقومان بنقل الحرارة إلى المحيط، انتقال الحرارة هذا يحدث من القهوة والفنجان الحارين إلى الهواء المحيط. 


حقيقة انخفاض درجة حرارة القهوة هي إشارة لتناقص متوسط الطاقة الحركية لجزيئاتها، تخسر القهوة الطاقة، والفنجان أيضاً تنخفض درجة حرارته، كذلك ينخفض متوسط الطاقة الحركية لجزيئاته. 


يخسر الفنجان طاقة أيضاً، والطاقة التي تخسرها القهوة والفنجان، يتم انتقالها إلى المحيط الأبرد. يشار إلى هذا الانتقال في الطاقة من القهوة والفنجان إلى الهواء المحيط وسطح الطاولة على أنه حرارة، بهذا المعنى، الحرارة هي ببساطة انتقال الطاقة من جسمٍ حارٍ إلى جسمٍ أبرد.

 

الحرارة هي انتقال الطاقة من الجسم ذي درجة الحرارة الأعلى إلى الجسم ذي درجة الحرارة الأقل.
الحرارة هي انتقال الطاقة من الجسم ذي درجة الحرارة الأعلى إلى الجسم ذي درجة الحرارة الأقل.


لنفترض الآن سيناريو مختلف، يوضع إناء بارد من المشروبات على سطح مائدة في نفس المطبخ. لأغراض النقاش، سنقول أن المشروبات والإناء الذي يحتويها له درجة الحرارة \(°C5\) والمحيط (سطح الطاولة والمطبخ إلخ..) له درجة الحرارة \(°C26\)

ما الذي سيحدث لإناء المشروبات على مدار الوقت؟ مرةً أخرى، أخمن أنكم تعرفون الإجابة، ستسخن المشروبات والإناء لتصل إلى درجة حرارة الغرفة، ولكن ما الذي يحدث ليسبب زيادة درجة حرارة هذه الأجسام الأبرد من درجة حرارة الغرفة؟ هل يهرب البرد من الوعاء ومن المشروبات؟ 

كلا، لا يوجد مثل هذا الأمر، هرب البرد أو تسربه. يشابه تفسيرنا نوعاً ما التفسير المستخدم لشرح سبب برودة القهوة، هناك انتقالٌ للحرارة. مع مرور الوقت، تزداد درجة حرارة المشروبات والوعاء، ترتفع درجة الحرارة من 5 إلى ما يقارب الـ \(°C26\)، هذه الزيادة في درجة الحرارة هي إشارةٌ إلى زيادة متوسط الطاقة الحركية للجزيئات في الوعاء، ولكي تزيد جزيئات المشروبات والوعاء من طاقتها الحركية، عليها أن تكتسب طاقةً من مكانٍ ما. ولكن من أين؟ 

لقد انتقلت الطاقة من المحيط (سطح الطاولة والهواء في المطبخ) على شكل حرارة، تماماً كما في حالة تبريد فنجان القهوة، انتقلت الطاقة من المواد ذات درجة الحرارة الأعلى إلى الأجسام ذات درجة الحرارة المنخفضة. مرةً أخرى، ندعو ذلك بالحرارة، وهو انتقال الطاقة من الأجسام ذات درجة الحرارة الأعلى إلى الجسم ذي درجة الحرارة الأقل.

الحرارة هي تدفق الطاقة من الموقع ذي درجة الحرارة الأعلى إلى الموقع ذي درجة الحرارة الأقل.
الحرارة هي تدفق الطاقة من الموقع ذي درجة الحرارة الأعلى إلى الموقع ذي درجة الحرارة الأقل.


تعريف آخر لدرجة الحرارة

يمكن اختصار كلا السيناريوهين بعبارتين بسيطتين: يقوم الجسم بتخفيض درجة حرارته بإطلاق طاقة على شكل حرارة إلى محيطه، ويقوم الجسم بزيادة درجة حرارته باكتساب طاقةٍ على شكل حرارة من محيطه. 


يعمل كل من تسخين وتبريد الأجسام بالطريقة نفسها -بانتقال الحرارة من الجسم ذي درجة الحرارة الأعلى إلى الجسم ذي درجة الحرارة الأقل- وبالتالي يمكننا الآن إعادة صياغة تعريف درجة الحرارة على نحوٍ هادف، درجة الحرارة هي مقياسٌ لقدرة مادة، أو عدة مواد عادةً في نظامٍ فيزيائي، على نقل الطاقة الحرارية إلى نظامٍ فيزيائيٍّ آخر. 


كلما كانت درجة حرارة الجسم أعلى، ازداد ميله إلى نقل الحرارة، وكلما كانت درجة حرارته أقل، ازداد ميله ليكون في الطرف المتلقي لانتقال الحرارة. ربما كنت تتساءل، ما الذي يحدث لدرجة حرارة المحيط؟ هل تتزايد درجة حرارة الطاولة والمطبخ عندما تبرد القهوة والفنجان؟ أو هل تتناقص درجة حرارة الطاولة والمطبخ عندما يسخن السائل والوعاء؟


الجواب هو نعم صارخة، الدليل؟ المس الطاولة فحسب، سيشعرك بدرجة حرارة أبرد أو أسخن مما كان عليه قبل وضع فنجان القهوة أو وعاء السائل عليها. ولكن ماذا عن هواء المطبخ؟ 


الآن من الصعب بشكل أكبر بقليل تقديم دليل مقنع عنه، والحقيقة هي أن حجم الهواء في الغرفة كبير جداً وتنتشر الطاقة بسرعة من سطح الفنجان، مما يعني أن تغير درجة حرارة الهواء في المطبخ سيكون صغيراً على نحوٍ يفوق المعتاد. في الواقع سيكون صغير بحيث يهمل، سيتوجب وجود المزيد من انتقال الحرارة قبل أن يكون هناك تغير ملحوظ في درجة الحرارة. 


التوازن الحراري


أثناء مناقشة تبريد فنجان القهوة، كان يشار إلى سطح طاولة المطبخ والهواء في المطبخ على أنه المحيط. من المألوف في المناقشات الفيزيائية من هذا النمط، استخدام إطار ذهني يتألف من المنظومة والوسط المحيط، سيعتبر فنجان القهوة (والقهوة) على أنه المنظومة، وكل شيء آخر في الكون سيعتبر وسطاً محيطاً، ولتبسيط ذلك، نقوم غالباً بتضييق مجال المحيط من بقية الكون إلى هذه الأجسام التي تحيط حالياً بالمنظومة. 

هذا المنهج في تحليل الوضع إلى منظومة ووسط محيط مجد جداً، إذ أننا سنعتمد هذا النهج من أجل بقية هذا الفصل وما يليه. لنتخيل الآن وضعاً ثالثاً، لنفترض وضع كوب معدني صغير من الماء الساخن ضمن حاوية ستايروفوم (وعاء عازل) من الماء البارد، لنفترض أن درجة الحرارة الابتدائية للماء الساخن \(°C70\)، وأن درجة الحرارة الابتدائية للماء البارد في الكوب الخارجي هي \(°C5\)، ولنفترض أيضاً أن كلا الوعاءين مجهزين بميزاني درجة حرارة (أو مسباري درجة حرارة)، يقومان بقياس درجة الحرارة في كلا الكوبين على مدار الوقت. ما لذي تفترض حدوثه؟ قبل أن تتابع القراءة، فكر بالإجابة وحاول اعتماد شكلٍ ما للإجابة.. 

عندما يسخن الماء البارد ويبرد الماء الساخن، هل ستكون درجتي حرارتهما هي نفسها أم ستختلف؟ هل سيسخن الماء البارد إلى درجة حرارة أقل من درجة الحرارة التي سيبرد الماء الساخن حتى يصل إليها؟ أو أنه لدى حدوث التسخين والتبريد، هل ستتقاطع درجتي حرارتهما؟ 

لحسن الحظ، هذه تجربة يمكن إجراؤها، وعملياً أُجريت في مناسباتٍ عديدة، والمنحني في الأسفل هو تمثيل نموذجي للنتائج. 


عندما يسخن الماء البارد ويبرد الماء الساخن، هل ستكون درجتي حرارتهما هي نفسها أم ستختلف؟
عندما يسخن الماء البارد ويبرد الماء الساخن، هل ستكون درجتي حرارتهما هي نفسها أم ستختلف؟


كما يمكنك أن تشاهد من المنحني، يبرد الماء الساخن إلى درجة حرارة تقارب الـ \(°C30\) ويسخن الماء البارد إلى نفس الدرجة من الحرارة، تنتقل الحرارة من الجسم ذي درجة الحرارة الأعلى (الوعاء الماء الساخن الداخلي) إلى الجسم منخفض درجة الحرارة (وعاء الماء البارد الخارجي). 

إذا عبرنا عن الوعاء الداخلي بالمنظومة، عندها يمكننا القول أن هناك تدفق من الحرارة من المنظومة باتجاه الوسط المحيط، وطالما هناك اختلاف في درجة الحرارة بين المنظومة والمحيط، سيكون هناك تدفق بينهما. 

يكون تدفق الحرارة أسرع في البداية كما هو مبين من الميل الحاد للمنحنيات، مع مرور الوقت، يتناقص الفرق في درجة الحرارة بين المنظومة والمحيط ويتناقص معدل انتقال الحرارة، نستدل على ذلك بالانحناء الأقل للمنحنين (ستتم مناقشة معلومات مفصلة عن معدل انتقال الحرارة في درسٍ لاحق). 

في النهاية، يصل كل من المنظومة والمحيط إلى نفس درجة الحرارة ويتوقف انتقال الحرارة، عند هذه النقطة، يقال أن الجسمين وصلا إلى التوازن الحراري thermal equilibrium.

المبدأ صفر في الديناميكا الحرارية

في فصلنا عن الدارات الكهربائية، تعلمنا أن الاختلاف في القدرة الكهربائية electric potential بين موقعين، يسبب تدفق الشحنة على طول الطريق الواصل بين الموقعين، وسيتواجد هذا التدفق للشحنة طالما الفرق في القدرة الكهربائية موجود. 


الآن وفي هذا الفصل، سنتعرف إلى مبدأ مماثل متصل بالحرارة. سيسبب الاختلاف في درجة الحرارة بين موقعين تدفق في الحرارة على طول الطريق الناقل (حرارياً) بين الموقعين، وسيحدث التدفق الحراري طالما بقي الفرق في درجة الحرارة بين الموقعين، وسيستمر هذا التدفق الحراري حتى يصل هذين الجسمين إلى درجة الحرارة نفسها، عند تساوي درجتي حرارتيهما، يقال أنهما عند نقطة التوازن الحراري، ولا يحدث بعدها التدفق الحراري.


يشار إلى هذا المفهوم أحياناً على أنه المبدأ صفر في الديناميكا الحرارية، وصيغ هذا المبدأ على شكل قانونٍ بعد أن كان قد تم اكتشاف القانون الأول والثاني والثالث في الديناميكا الحرارية، ولكن لأن القانون يبدو أساسياً أكثر من القوانين الثلاثة السابقة، سُمي بالمبدأ صفر. هذا القانون يحكم جميع الأجسام، وهذا هو الميل باتجاه التوازن الحراري، وهو يقدم تحدياً يومياً للراغبين بالتحكم بدرجة حرارة أجسامهم أو طعامهم أو شرابهم أو بيوتهم. 


نستخدم الثلج والعزل في محاولةٍ للحفاظ على شرابنا البارد بارداً، كما نستخدم العزل والنبضات المستمرة لطاقة المايكرويف لنحافظ على مشروباتنا الحارة حارةً، نجهز وسائط نقلنا، كما تكون منازلنا وأبنية مكاتبنا مجهزةً بمكيفات الهواء والمراوح للحفاظ على برودتها أثناء أشهر الصيف الحارة، كما نقوم بتجهيز نفس المركبات والأبنية بالأفران المسخنات للحفاظ على الدفء فيهم خلال أشهر الشتاء الباردة. 


أينما وجدت هذه الأنظمة في درجة حرارة مختلفة عن الوسط المحيط وغير معزولة تماماً (وهو حالة مثالية) ستتدفق الحرارة، سيستمر هذا التدفق الحراري حتى تحقق المنظومة والوسط المحيط درجات حرارة متساوية، ولأن هذه الأنظمة ذات حجوم أصغر بكثير من الوسط المحيط، سيكون هناك المزيد من التغيرات الملحوظة والملموسة في درجات حرارة هذه الأنظمة. 

نظرية السعرات الحرارية


فكر العلماء بطبيعة الحرارة لوقتٍ طويل، حسناً، في منتصف القرن التاسع عشر، كانت الفكرة الأكثر قبولاً عن الحرارة هي فكرة ربطتها بسائلٍ يدعى السعرات الحرارية (النظرية الكالورية). 


وأشار الكيميائي المعروف أنطوان لافوازييه Antoine Lavoisier إلى وجود شكلين من السعرات الحرارية: النوع الكامن أو المخزن في المواد القابلة للاحتراق، والنوع الذي يمكن الشعور به أو مشاهدته عبر تغير درجة الحرارة. 


بالنسبة لـ لافوازييه وأتباعه، ينتج عن احتراق الوقود انطلاق هذه الحرارة الكامنة إلى الوسط المحيط، حيث تشاهد بتسببها تغير في درجة حرارة الوسط المحيط. 


بالنسبة لـ لافوازييه وأتباعه، كانت الحرارة موجودةٌ دوماً إما بشكلٍ كامنٍ أو محسوس، إذا بردت غلاية ماء إلى درجة حرارة الغرفة، كان يفسر ذلك على أنه تدفق للسعرات الحرارية من الماء الحار إلى الوسط المحيط.

الحرارة ليست شيئاً يحتويه الجسم، وإنما شيء ينتقل بين جسمين
الحرارة ليست شيئاً يحتويه الجسم، وإنما شيء ينتقل بين جسمين


وفقاً لنظرية السعرات الحرارية (الكالورية)، كانت الحرارة مادةً في الطبيعة، كانت مادةً فيزيائية، كانت شيئاً ككل الأشياء في عالم لافوازييه، الحرارة كانت مادةً مصانة. 


على غرار نظرتنا الحديثة للحرارة، كانت نظرة الكالوريين، إذا صدرت الحرارة عن أحد الأجسام سيكتسبها بعد ذلك جسم آخر، لا يتغير المقدار الإجمالي للسعرات أبداً، لقد كانت تنتقل ببساطة من أحد الأجسام إلى جسمٍ آخر، وتتحول من أحد الأشكال (الكامنة) إلى شكلٍ آخر (محسوس).


ولكن وبخلاف نظرتنا الحديثة للحرارة، كانت الحرارة مادةً فيزيائيةً حقيقية، مائع يمكنه التدفق من جسم إلى جسم آخر، وكذلك بخلاف نظرتنا الحديثة، كانت الحرارة تمثل بشكلٍ واحدٍ أو آخر.  بالنهاية، وفي الرؤية الحديثة، تقدم الحرارة فقط عند وجود انتقال للطاقة، ومن غير المعقول الحديث عن الحرارة كما لو أنها موجودة عند وصول الجسمين إلى التوازن الحراري. الحرارة ليست شيئاً موجوداً في جسم، ولكنها شيء ينتقل بين الأجسام، لا توجد حرارة عند توقف الانتقال. 


انهيار النظرية الكالورية


في الوقت الذي كان يتواجد فيه بشكل مستمر بدائل للنظرية الكالورية، كانت الرؤية الأكثر قبولاً حتى منتصف القرن التاسع عشر. أحد التحديات الأولى للنظرية الكالورية كانت من العالم الأنجلو أمريكي بينيامين تومسون(معروف بالكونت رومفورد) Benjamin Thompson (a.k.a., Count Rumford)، وكان تومسون أحد العلماء الأساسيين الذين عينوا لمهمة تثقيب فوهات المدافع لصالح الحكومة البريطانية، استغرب تومسون من درجات الحرارة المرتفعة التي تبلغها فوهات المدافع والقشور التي كانت تسقط من المدفع أثناء عملية التثقيب.. 


في أحد التجارب، قام بغمس المدفع في خزان ماء أثناء عملية التثقيب، لاحظ أن الحرارة المتولدة عن عملية التثقيب كانت كافية لغلي الماء المحيط في غضون عدة ساعات. 


أثبت تومسون أن هذه الحرارة المتولدة تحدث في غياب أي تغيرات كيميائية أو فيزيائية في تركيب المدفع، وعزل الحرارة المتولدة إلى الاحتكاك بين المدفع وأداة التثقيب، وجادل بأنها لا يمكن أن تكون نتيجةً لتدفق مائع ضمن الماء. 


نشر تومسون ورقة في العام 1798 تحدت الرأي القائل بأن الحرارة كانت سائلاً مصاناً، ودافع عن وجهة نظر ميكانيكية حول الحرارة، مشيراً إلى أن منشأها كان على صلةٍ بحركة الذرات وليس بانتقال مائع.


تابع العالم الإنكليزي جيمس بريسكوت جول James Prescott Joule من حيث توقف تومسون، مسدداً عدة ضرباتٍ مصيريةٍ إلى النظرية الكالورية عبر مجموعةٍ من التجارب، جول، والذي تنسب إليه وحدة القياس المترية للطاقة، أجرى تجارب حسب فيها تجريبياً مقدار العمل الميكانيكي إلى مقدار الحرارة المنتقلة من النظام الميكانيكي.

 

نواعير مغمورة في خزان من الماء (دولاب مائي)
نواعير مغمورة في خزان من الماء (دولاب مائي)

في واحدة من التجارب، جعل جول أوزان تقوم بتدوير نواعير مغمورة في خزان من الماء (دولاب مائي). مصور للجهاز ممثل على اليسار Wikimedia); public domain) عملت الأوزان المتساقطة على المجاديف، والتي بدورها قامت بتسخين الماء. 


قام جول بقياس كل من العمل الميكانيكي المنجز والحرارة التي يكتسبها الماء، تجارب مماثلة توضح أنه يمكن توليد الحرارة بواسطة تيار كهربائي، وجهت صفعةً جديدةً إلى الاعتقاد بأن الحرارة كانت عبارة عن مائعٍ تحتويه المادة، وأنه كان مصاناً دوماً.


كما سنتعلم في الفصل القادم وبتفاصيل كبيرة، تمتلك الأجسام طاقة داخلية، وفي التفاعلات الكيميائية ينطلق قسم كبير من هذه الطاقة إلى الوسط المحيط على شكل حرارة، ومع ذلك، هذه الطاقة الداخلية ليست شيئاً مادياً أو مائعاً يحتويه الجسم، إنها ببساطة الطاقة الكامنة التي تختزنها الروابط التي تربط الجسيمات داخل الجسم مع بعضها البعض (الروابط الكيميائية بين الذرات والجزيئات لها طاقة). 


الحرارة أو الطاقة الحرارية هي شكل هذه الطاقة لدى انتقالها بين المنظومات والوسط المحيط، لا يوجد ما هو مادي في الحرارة، فهي ليست مادة ولا مائع مصان. الحرارة هي شكل من أشكال الطاقة الذي يمكن أن ينتقل من جسمٍ إلى جسمٍ آخر، أو يخلق نتيجة فقدان أشكال أخرى من الطاقة. 

للمراجعة، درجة الحرارة هي مقياس لقدرة مادة، أو أكثر عادة في منظومة فيزيائية، لنقل الطاقة الحرارية إلى منظومة فيزيائية أخرى. إذا كان لجسمين -أو منظومة ووسطها المحيط- درجتي حرارة مختلفتين، سيكون بالتالي لهما قدرة مختلفة على نقل الحرارة. على مدار الوقت، سيكون هناك تدفق للطاقة من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأبرد، يشار إلى هذا التدفق من الطاقة على أنه حرارة. 

تدفق الحرارة يسبب برودة الجسم الأسخن وتسخين الجسم الأبرد، سيستمر تدفق الحرارة حتى يصبح للجسمين درجتي حرارة متساويتين، عند هذه النقطة يكون الجسمين متوازنين حرارياً مع بعضهما البعض. في الجزء القادم من هذا الدرس، سنكتشف آلية انتقال الحرارة، سنتطلع على طرق مختلفة يمكن للحرارة أن تنتقل بها من جسم إلى آخر، وحتى من موضع في هذا الجسم إلى موضع آخر. وسنعلم أن ما يبدو للعيان يمكن أن يشرح بعبارات مجهرية.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • معهد أبحاث الفضاء في روسيا، و هو تابع لأكاديمية العلوم الروسية. (IKI): معهد أبحاث الفضاء في روسيا، و هو تابع لأكاديمية العلوم الروسية.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات