ألما ALMA يكشف عن مُهود الأنوية الكثيفة: وهي أماكن ولادة النجوم العملاقة

قام فريق بحث تايواني باستخدام مصفوفة أتاكاما المليمترية/دون المليمترية الكبيرة (ALMA) لمراقبة تكتل [1] غاز جزيئي يسمى G33.92+0.11 حيث يتشكل عنقود نجمي يتكون من نجوم عملاقة. هذا وقد أتاحت الرؤية ذات الجودة العالية التي توفرها ألما الفرصة للكشف عن تشكيلات رائعة لغازات جزيئية في مركز المنطقة بدقة غير مسبوقة، إذ تظهر ذراعان كبيرتان من الغاز الجزيئي على نحو مفاجئ، ويبلغ حجمهما ما يقارب 3.2 سنة ضوئية [2]، حيث يبدو أنهما تلتفان حول نواتين جزيئيتين ضخمتين. وقد بينت هذه النتائج أن الذراعين الجزيئيتين الضخمتين هما في الواقع مهدان للأنوية الكثيفة التي تُعدّ أماكن ولادة حالية أو مستقبلية للنجوم العملاقة. ولعل هذه الخطوة تعد خطوة حاسمة إلى الأمام في إدراك كيفية توزّع الكتلة لتشكيل كلّ من الأنوية والنجوم الضخمة. 


وتبقى أسئلة حول كيفية قدوم العناقيد النجمية المترابطة بفعل الجاذبية مثلاً، والعناقيد النجمية الشابة الضخمة YMCs، والعناقيد الكروية GCs إلى الوجود أسئلة معضلة في علم فيزياء الفضاء. ولتمثيل مثل هذه الأنظمة المعقدة، يتوجب على كميات ضخمة من الغاز أن تكون قابلة للتحوّل إلى نجوم بأقل الخسائر، وذلك قبل بدئها بطرد الغاز باستخدام رياحها، التي تسمى بالارتدادات النجمية. وتعد مثل هذه العملية بعيدة كل البعد عن كونها عديمة الأهمية، حيث تفترض النماذج الحديثة أنه من أجل إلغاء تأثير الارتدادات النجمية يجب أن يكون الانهيار الكلي لسحابة الغاز الجزيئي في غاية السرعة. 


إلا أن هذا الانهيار الكلي للسحب الجزيئية العملاقة [3] GMC يشكل تحدياً كبيراً لعلماء الفلك؛ وذلك لعدم قدرتهم على قياس المسافات على طول مدى الرؤية لديهم (حيث يتم إعداد البيانات وفق بعدين اثنين) لأن قياس سرعات الغازات في الاتجاهات العرضية هو أمر شبه مستحيل. وبالرغم من ذلك، يمكن أن تتحول الآثار الكبيرة للدوران الأساسي (أو زخم الزاوية) للسحب إلى تشكل كتل جزيئية ضخمة مدعومة بقوى طاردة تتواجد في مركز السحب الجزيئية العملاقة المنهارة. 


لعل تحديد الأجسام التي تقوم بعملية الدوران بمستويات أكبر من الأنوية يقدم دليلاً على مثل تلك النتيجة للانهيار الكلي. فضلا عن ذلك، ولأن الكتل الجزيئية الضخمة تعد المناطق الأكثر كثافة في السحب الجزيئية العملاقة المنهارة، فهي المواقع التي يمكن أن تتشكل فيها على الأرجح أكثر النجوم ضخامة من بين النجوم المكونة للعناقيد النجمية. إن معرفة تفاصيل بُنى هذه الأنظمة والديناميكا الخاصة بها سيكون مفتاحاً لفهم كيفية توزع الكتلة في أماكن تشكيل العناقيد النجمية، وذلك أنها قادرة على تشكيل كلّ من النجوم العملاقة وغير العملاقة. 


قام فريق بحوث من معهد أكاديمية سينيكا لعلم الفضاء وفيزياء الفضاء ASIAA بقيادة هايو باوباب ليو Hauyu Baobab Liu باستخدام مرصد ألما لمراقبة المنطقة اللامعة لتشكل العناقيد النجمية من المرتبة الطيفية أو بي OB G33.92+0.11، والتي تقع على بعد ما يقارب 23.000 سنة ضوئية، وهي في الطور الابتدائي لتشكيل تجمع نجمي من مرتبة أو بي OB، حيث تبلغ شدة لمعانها ما يقارب 250 ألف ضعف شدة لمعان الشمس، وقد استخدم فريق البحوث صورة أرشيفية من هيرشال Herschel ذات 350 ميكرون، ومن ثم تم دمجها بصورة أخرى ذات 350 ميكرون من مرصد كالتيك دون مليمتري CSO باستخدام زاوية إسقاط أكبر.


يقول المؤلف المشارك رومان زونيغا Román-Zúñiga من معهد الفضاء التابع للجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك: "لقد وفر أرشيف صور تلسكوب هيرشال الفضائي خريطة عالية الجودة للدفق الحراري ذي 350 ميكرون الصادر عن الأجسام الخارجية التي تتكون من الغاز والغبار والمتواجدة حول المنطقة G33.92+0.11. ،ولقد ملأنا الفراغات الصغيرة الباقية في هذه الخريطة باستخدام بيانات من مرصد كالتيك دون المليمتري، وقد أظهرت الخريطة النهائية ذراعين جزيئيتين ملتفتين في اتجاهين متعاكسين، إلى شمال وجنوب العنقود، لتلتقي عند التكتلات الجزيئية المركزية، ما يشير إلى أنه ربما يتم نقل الغاز باتجاه العنقود المركزي على طول هذه الأذرع الملتوية لمسافات تصل إلى 20 سنة ضوئية".


لقد أتاحت زاوية الإسقاط الكبيرة غير المسبوقة إلى جانب دقة التصوير العالية في مرصد ألما، الفرصة لعلماء الفضاء للكشف عن نواتين جزيئيتين ضخمتين تقعان في مركز منطقة G33.92+0.11 (تقارب كتلتاهما 100-300 ضعف كتلة الشمس)، وهما متصلتان بواسطة العديد من أذرع الغاز الجزيئية الكثيفة الملتوية، ويظهر هذا النوع من التشكل في صور ألما السابقة التي تبين أذرع غاز جزيئي تحيط بالثنائي النجمي الأولي منخفض الكثافة L1551 NE، إلا أنها تتوسع بشكل خطي بواسطة معامل تساوي قيمته ما بين 100-1000.

 

مراجعة لعمليات المحاكاة الرقمية الهيدروديناميكية لسحابة جزيئية
مراجعة لعمليات المحاكاة الرقمية الهيدروديناميكية لسحابة جزيئية

 

وبالإضافة إلى ذلك، تظهر أذرع الغاز التي تم رصدها في G33.92+0.11 وكأنها تتكسر، الأمر الذي ينتج أثناء تشكيل أنوية لتوابع مزدوجة تدور في مدار لها حول النواتين المركزيتين الأعلى كثافة، وعند مقارنة آثار الغاز الجزيئي التي تم رصدها بشكل متزامن، وهي تتضمن كلًا من CH3CN، و 13CS، و DCN، نلاحظ أن ظروف تحفيز الغاز في هذه الأذرع الجزيئية والأنوية بعيدة كل البعد عن تشابهها في النظام.

 

الجزء المركزي من منطقة التشكل النجمي G33.92+0.11  كما رصدها ألما.
الجزء المركزي من منطقة التشكل النجمي G33.92+0.11 كما رصدها ألما.

 

فعلى سبيل المثال، تأوي كل من النواتين الأكبر كتلة في المركز نجوماً عملاقة كما أنها غنية بانبعاثات CH3CN اللامعة، بينما قد تكون الأذرع الجزيئية التي تحتوي على أنوية تابعة والواقعة في الشمال، باردة نسبياً، وهو ما استُدل عليه من العلاقة الجيدة بين خط DCN والانبعاثات المستمرة والمحتوية على 1.3 ملم من الغبار. وأخيراً، فإن الأذرع الجزيئية المتصلة بالأنوية الجزيئية المركزية الضخمة في الغرب قد تحتوي على غازات كانت قد تعرضت لدرجات حرارة عالية أو كانت عرضة لتسخين نجمي حيث تظهر فيها انبعاثات أقوى من 13CS.


يفترض هذا الفريق أن المنطقة المركزية التي يعادل طولها 1 فرسخ فلكي والواقعة في G33.92+0.11 ما هي إلا تكتل جزيئي ضخم مسطح يعمل حالياً على مراكمة المواد التي تتغذى على خيوط الغاز الخارجية، كما يتم دعمه بشكل جزئي بواسطة القوى الطاردة، وعلى كافة مستويات الحيز، فإن المناطق ذات الكثافة الأعلى والتي تحتوي على كميات أكبر من الكتلة تتشكل في مركز النظام، وقد تتم إعاقة زيادة التكتل بواسطة الزخم الزاوي، إلا أنه قد يتم تخفيف حدتها بواسطة عملية التكسر.


وعلاوة على ذلك يفترض مؤلفو الدراسة أنه في التدفقات الكثيفة المتراكمة بعيداً عن المركز قد يُعدُّ تشكل جسم ملتوٍ يشبه الذراع أمراً أساسياً في تلك العملية، وقد يؤدي التكسر التالي للأذرع الجزيئية الكثيفة إلى تشكيل الجيل الثاني من النجوم عالية الكتلة. 


يقول المؤلف المشارك غالفان مدريد Galván-Madrid: "إن الأجسام الغازية المشابهة للأذرع الملتوية يجب أن تكون شائعة في العديد من الأنظمة على مستويات عدة، وذلك ما دامت غير مستقرة بالنسبة للجاذبية ولها دوران لا يمكن تجاهله. والصورة المبهرة التي التقطها ألما بدأت بإظهار كل ذلك."

 

ملاحظات 


[1] تعود التكتلات الجزيئية الضخمة في مصطلحاتنا الخاصة على الأجسام الغازية الجزيئية الكثيفة التي تبلغ أحجامها 0.5-1 بيكو سنتيمتر، وتعود الأنوية الجزيئية الضخمة على الأجسام فائقة الكثافة التي يقل حجمها عن 0.1 بيكو سنتيمتر والموجودة داخل التكتل، بينما يعود التكثيف على المواد الجزيئية الأساسية داخل النواة، أما التكسر فيعني تلك العملية الديناميكية التي تنتج أو تساعد على تشكيل أجسام ثنائية. 

[2] 1 فرسخ فلكي pc) ~3.2) سنة ضوئية ~ 3.086∗1016 متر. 

[3] عادة ما يقدر مستوى الحيّز للسحب الجزيئية المكونة للعناقيد النجمية بـ 101-2 فرسخ فلكي.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات