تحليق البط البري في عنقود مفتوح

التقط المصور واسع الحقل، الموجود على متن تلسكوب MPG/ESO ذو الفتحة 2.2 متر والواقع في مرصد لاسيلا التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي في تشيلي، هذه الصورة الجميلة المنقطة بنجومٍ زرقاء، وتُوضح هذه الصورة مشهداً للعنقود النجمي المفتوح والغني بالنجوم والمعروف حالياً بميسيه 11، ويُعرف هذا العنقود أيضاً بـ NGC 6705، أو عنقود البط البري (Wild Duck Cluster). 


يقع العنقود المفتوح ميسيه 11، الذي يُشار إليه في بعض الأحيان بالعنقود المجري في كوكبة الترس، على بعد حوالي 6000 سنة ضوئية من الأرض. كان الفلكي الألماني غوتفريد كيرتش (Gottfried Kirch) أول من اكتشف هذا العنقود في العام 1681 باستخدام مرصد برلين، حينها ظهر هذا العنقود على شكل فقاعة ضبابية عبر التلسكوبات.


كان مسيه صائد مذنبات وظهر فهرسه إلى حيز الوجود جراء إحباطه من مشاهدته الدائمة لأجسام ثابتة ومبعثرة تظهر مشابهة للمذنبات (على سبيل المثال، تلك الأجسام التي نعرفها اليوم على أنها عناقيد، ومجرات وسدم). أراد ميسيه الحصول على سجل لتلك الأجسام من أجل تجنب الرصد الخاطئ لها من جديد وتداخلها مع عمليات رصد المذنبات الجديدة ولُوحظ وجود هذا العنقود النجمي في المرة الحادية العشر عند رصد تلك الأجسام، ومن هنا حصل على اسمه ميسيه 11. 


عادةً ما تُوجد العناقيد المفتوحة في أذرع المجرات الحلزونية أو في المناطق الأكثر كثافةً من المجرات الشاذة، أي في المناطق التي لاتزال فيها عملية التشكل النجمي شائعة، ويُعتبر هذا العنقود واحداً من بين أكثر العناقيد المفتوحة غنىً بالنجوم وأكثرها انضغاطاً، إذ يصل عرضه إلى حوالي 20 سنة ضوئية وهو موطنٌ لحوالي 3000 نجم. تختلف العناقيد المفتوحة عن العناقيد الكروية التي تميل بدورها إلى أن تكون كثيفة جداً ومنضغطة نتيجةً لقوى الجاذبية، إذ تحتوي هذا العناقيد على مئات آلاف النجوم المعمرة جداً -قد يصل عمر بعض هذه النجوم إلى عمر الكون نفسه. 


تُعتبر دراسة العناقيد المفتوحة طريقةً عظيمة من أجل اختبار النظريات المتعلقة بالتطور النجمي (Stellar evolution) لأن النجوم تنشأ عن نفس السحابة الغازية والغبارية الأولية وبالتالي تكون مشابهة لبعضها البعض، فعمر تلك النجوم، وتركيبها الكيميائي هو نفسه تقريباً. على أية حال، يمتلك كل نجم في العنقود كتلة مختلفة مع الأخذ بعين الاعتبار أن النجوم ذات الكتلة الأكبر تتطور بشكلٍ أسرع بكثير من أقرانها ذات الكتلة الأقل؛ وذلك الأمر ناتج عن قيامها بحرق الهيدروجين الخاص بها بشكلٍ أسرع. 


يمكن بالاعتماد على هذه الطريقة مشاهدة جميع مراحل التطور النجمي في العنقود نفسه، فعلى سبيل المثال: هل تتطور النجوم التي تتمتع بكتلة مساوية لكتلة الشمس وعمرها يبلغ حوالي 10 ملايين عام بطرقٍ مختلفة عن تطور النجوم الأخرى التي تمتلك العمر نفسه ولكنها تفوق سابقتها من حيث الكتلة بمقدار النصف؟  


النجوم المنفردة في العناقيد المفتوحة عرضة للطرد من المجموعة الرئيسية لأن النجوم الموجودة في العنقود ترتبط ثقالياً مع بعضها البعض بشكلٍ ضعيف، وبالتالي تكون تلك النجوم عرضةً أيضاً لتأثير الجاذبية الناجمة عن الأجرام السماوية المجاورة. يبلغ عمر NGC 6705 على الأقل 250 مليون عام ولذلك من المرجح جداً خلال بضعة ملايين السنين القادمة أن تتشتت عملية تشكل البط البرية هذه وأن يتحطم العنقود ويندمج مع محيطه (1). 


اُلتقطت هذه الصورة باستخدام المصور واسع الحقل الموجود على متن تلسكوب MPG/ESO  ذو الفتحة 2.2 متر، والواقع في مرصد لاسيلا التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي في شمال تشيلي. 


ملاحظات
 
(1) الاسم البديل لـ NGC 6705 هو عنقود البط البري وهذا الاسم قادم من القرن التاسع عشر، فعندما تمت مشاهدته بالاعتماد على التلسكوبات الصغيرة، لُوحظ أن نجومه الأكثر لمعاناً تُشكل نمطاً مثلثياً في السماء ويُشابه هذا النمط تشكيلات تحليق البط البري. 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات