"ألما" يكشف حقلاً مغناطيسياً شديداً بالقرب من ثقب أسود فائق الكتلة
الثقوب السوداء (Black holes)، أجسام كونية مذهلة، ويعتقد الكثير من العلماء بوجود حقول مغناطيسية هائلة القوة في الجوار المباشر لأفق الحدث لتلك الثقوب، ويُعتبر هذا البحث العلمي الجديد أول اكتشاف لحقل مغناطيسي هائل بجوار ثقب أسود فائق الكتلة.
تقع الثقوب السوداء فائقة الكتلة (Supermassive black holes)، التي تصل كتلتها إلى مليارات أضعاف كتلة الشمس، داخل مراكز معظم مجرات (Galaxy) الكون.
تستطيع هذه الثقوب السوداء مراكمة كميات هائلة من المواد على شكل قرص محيط بها، وفي الوقت الذي تسقط فيه معظم تلك المواد داخل الثقوب السوداء، تستطيع أجزاء أخرى الإفلات قبل لحظات من أسرها، منطلقةً في الفضاء عند سرعات قريبة من سرعة الضوء وكجزء من تدفق بلازما (Plasma).
لا تزال الطريقة التي تحصل بها تلك الأمور غير مفهومة جيداً، على الرغم من وجود اعتقاد سائد ينص على أن الحقول المغناطيسية الموجودة بالقرب من أفق الحدث (Event horizon) تلعب دوراً مهماً جداً في هذه العملية، مما يساعد المادة على الإفلات من الظلمة.
استطاع علماء الفلك حتى الآن قياس الحقول المغناطيسية الضعيفة فقط بالقرب من الثقوب السوداء التي تبعد عنا بضع سنوات ضوئية (1)، مع ذلك وفي هذه الدراسة، استخدم علماء فلك من جامعة "شالمرز" للتكنولوجيا ومرصد "أونسالا" الفضائي في السويد، (ALMA) لاكتشاف الإشارات التي تتعلق مباشرةً بالحقل المغناطيسي القريب جداً من أفق حدث ثقب أسود فائق الكتلة موجود في مجرة بعيدة تُعرف باسم (PKS 1830-211).
يقع هذا الحقل المغناطيسي في المكان الذي يتم فيه وبشكلٍ مفاجئ تسريع المواد انطلاقاً من الثقب الأسود على شكل تدفق قوي، حيث قاس الفريق قوة الحقل المغناطيسي عبر دراسة الضوء المستقطب أثناء تحركه بعيداً عن الثقب الأسود.
يقول إيفان مارتي-فيدال (Ivan Marti-Vidal)، المؤلف الرئيسي للعمل: "استقطاب الضوء (Polarisation) خاصية مهمة جداً، ومستخدمة كثيراً في الحياة اليومية. فعلى سبيل المثال، هي موجودة في النظارات الشمسية، والنظارات الشمسية ثلاثية الأبعاد في السينما. عندما يكون الاستقطاب طبيعي، يُمكن استخدامه لقياس الحقول المغناطيسية، لأن الضوء يُغير استقطابه أثناء تحركه داخل وسط ممغنط. وفي هذه الحالة، فإن الضوء الذي اكتشفناه باستخدام ألما (ALMA) تحرك داخل مواد قريبة جداً من الثقب الأسود -في مكان مليء بالبلازما عالية المغنطة".
طبق علماء الفلك تقنية تحليل جديدة، طوروها للاستخدام مع بيانات ALMA، واكتشفوا دوران اتجاه استقطاب الإشعاع الصادر عن مركز PKS 1830-211 (انظر 2).
تُعتبر هذه الأطوال الموجية هي الأقصر بين الأطوال الموجية المستخدمة في دراسات كهذه، وسمح ذلك بسبر المناطق القريبة جداً من الثقب الأسود المركزي (انظر 3).
يقول سيباستيان مولر (Sebastien Muller) المؤلف المشارك في الدراسة: "وجدنا إشارات واضحة على دوران الاستقطاب، وكانت أكبر بكثير من أي إشارات اكتشفناها سابقاً. اكتشافنا قفزة عظيمة جداً عند الحديث عن تردد الرصد، والفضل في ذلك يعود إلى ALMA والثقب الأسود البعيد الذي قمنا بقياس الحقل المغناطيسي بجواره -على بعد أيام ضوئية قليلة من أفق الحدث-. ستساعدنا هذه النتائج والدراسات المستقبلية في فهم ما يحصل في الجوار القريب جداً من الثقوب السوداء فائقة الكتلة".
ملاحظات
[1] اكتُشفت حقول مغناطيسية أضعف بكثير في جوار ثقب أسود فائق الكتلة وغير نشط نسبياً، وهو موجود في مركز درب التبانة. كشفت المراقبات الحديثة أيضاً عن وجود حقول مغناطيسية ضعيفة في المجرة النشطة (NGC 1275) باستخدام الأطوال الموجية الميليمترية.
[2] تُؤدي الحقول المغناطيسية إلى دوران فارادي (Faraday rotation)، الذي يتسبب في دوران الاستقطاب بطرقٍ مختلفة وعند أطوال موجية مختلفة. وتخبرنا طريقة اعتماد الدوران على الطول الموجي الكثير حول الحقل المغناطيسي الموجود في المنطقة.
[3] حصلت مراقبات ALMA عند الطول الموجي 0.3 ميليمتر، في حين جرت المراقبات الأقدم عند أطوال راديوية أطول. وفقط الأمواج الميليمترية (Millimetre wavelengths) هي من يستطيع الإفلات من الثقب الأسود، أما الأطوال الموجية الأكبر فيتم امتصاصها.