النظر إلى الكون بعمق باستخدام الأبعاد الثلاثية

MUSE تذهب أبعد من هابل

بالتقاط صور بتعريضات طويلة لمناطق من السماء، تمكن علماء الفلك من إنشاء الكثير من الحقول العميقة التي كشفت عن معلومات عديدة متعلقة بالمراحل المبكرة للكون. و يعد أكثر تلك الحقول شهرةً حقل هابل العميق الذي التقطه تلسكوب هابل الفضائي عام 1995، والذي استغرق منه بضعة أيام. قامت هذه الصورة الأيقونة المذهلة مباشرة بتغيير فهمنا لمحتوى الكون عندما كان شابا. وتبع هذا الأمر، إجراء تلسكوب هابل لمشهد مشابه للسماء الجنوبية، عرف بحقل هابل العميق الجنوبي.



لكن لا تُقدم هذه الصور كل الأجوبة. فلاكتشاف المزيد عن المجرات في صور الحقل العميق، كان على علماء الفلك النظر بحذر إلى كل واحدة منها باستخدام أجهزة معينة، وهو عمل صعب يستهلك الكثير من الوقت. لكن حاليا وللمرة الأولى على الإطلاق، تستطيع أداة MUSE القيام بالعملين في الوقت نفسه، وبسرعة أكبر بكثير.

تمثلت أولى المراقبات، التي جرت باستخدام أداة MUSE بعد تركيبها والتصديق على استخدامها في التلسكوب الكبير جدا عام 2014، في النظر مطولا إلى حقل هابل العميق الجنوبي (HDF-S)؛ وفاقت النتائج كل التوقعات.
 

يشرح رونالد باكون (Roland Bacon)، من مركز أبحاث الفيزياء الفلكية في ليون بفرنسا الأمر و يقول: "بعد ساعات قليلة من المراقبات باستخدام التلسكوب، نظرنا بشكلٍ سريع إلى البيانات فوجدنا الكثير من المجرات. لقد كان الأمر مشجعاً جداً. وعندما عُدنا إلى أوروبا، بدأنا باستكشاف البيانات بتفصيل أكبر. كان الأمر مشابها للصيد في المياه العميقة، وكل عملية صيد تُولد الكثير من الإثارة والنقاش عن الأنواع التي وجدناها". و يعد باكون الباحث الرئيسي في أداة MUSE وقائد فريق تكليف الأداة.
 

في كل جزء من مشهد MUSE لحقل هابل العميق الجنوبي، لم تُشمل فقط كل البكسلات، وإنما الطيف الذي يكشف عن شدة الضوء الناجم عن الألوان المختلفة -بالمجمل، كان هناك حوالي 90000 طيف (انظر 1). مما ساهم في الكشف عن تركيب مئات المجرات البعيدة وحركاتها الداخلية، بالإضافة إلى التقاط عدد صغير من النجوم الخافتة جدا الموجودة في درب التبانة.
 

على الرغم من أن التعريض الكلي كان أقصر بكثير من ذلك الحاصل في صور هابل، إلا أن بيانات MUSE كشفت عن أكثر من عشرين جسم خافت جدا موجود في بقعة صغيرة من السماء، وهو أمر لم يسجله هابل أبدا (انظر 2).

يُضيف رونالد باكون: "جاءت الإثارة الأكبر عندما اكتشفنا مجرات بعيدة جدا لم تكن مرئية في أعمق صور هابل. بعد العديد من سنوات العمل المجهد مع الجهاز، لقد كانت هذه تجربة مميزة بالنسبة لي، خصوصا وأنني أرى أحلامنا تُصبح حقيقة".
 

بالنظر الحذر إلى أطياف مراقبات MUSE لحقل هابل العميق الجنوبي، قاس الفريق المسافات التي تفصلنا عن 189 مجرة. وبدأوا من مجرات اعتبرت قريبة نسبيا، ومن ثمَّ اتجهوا نحو مجرات وجدت عندما كان عمر الكون أقل من مليار عام. ويمثل هذا الأمر عشرة أضعاف كمية القياسات التي أجريت لهذه المجرات سابقا.

أما بالنسبة للمجرات الأقرب، فتستطيع MUSE النظر إلى الخواص المختلفة للأجزاء المختلفة من المجرة نفسها. وهذا ما يكشف عن كيفية دوران المجرة، وكيفية تغير الخواص الأخرى من مكان لآخر، وبالتالي فهي طريقة قوية جداً لفهم كيفية تطور المجرات بمرور الزمن الكوني.
 

يستنتج باكون: "الآن، أثبتنا القدرات الفريدة لـ MUSE في مجال استكشاف الكون العميق، وسننظر قريبا إلى حقول عميقة أخرى مثل حقل هابل فائق العمق. سنكون قادرين على دراسة آلاف المجرات واكتشاف مجرات جديدة خافتة جدا وبعيدة. كما ستنمو هذه المجرات الطفلة والصغيرة، المشاهدة عند زمن مضى عليه 10 مليار عام تدريجيا، لتُصبح مجرات مثل مجرة درب التبانة اليوم".
 


ملاحظات

  1. يُغطي كل طيف من الأطياف مجالا من الأطوال الموجية يمتد من الجزء الأزرق من الطيف وصولا إلى القريب من تحت الأحمر (475-930 نانومتر).
     
  2. MUSE حساسة بشكل خاص للأجسام التي تُصدر معظم طاقتها عند أطوال موجية محددة، و تُشاهد هذه الأجسام في الصور بشكل لامع. وللمجرات الموجودة في المراحل المبكرة من عمر الكون مثل هذه الأطياف لأنها تحتوي على غاز الهيدروجين المتوهج جراء الإشعاع فوق البنفسجي القادم من النجوم الشابة والساخنة.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات