مرحباً بلوتو! مركبة ناسا الفضائية تقوم بتحليق تاريخي حول الكوكب القزم

العصر الأول لاستكشاف النظام الشمسي في الكتب

حلّق مسبار نيوهورايزنز الجديد التابع لناسا قرب بلوتو هذا الصباح 14 تموز/ يوليو، حاصلاً بذلك على أول نظرة تاريخية قريبة للعالم النائي البعيد، إذ تمت كل الأمور وفق الخطة (وبالنسبة لأعضاء فريق المهمة، فلن يعلنوا النجاح حتى يسمعوا ذلك من نيوهورايزنز نفسه الليلة). أكبر اقتراب سيكون في تمام الساعة 7:49 صباحاً بتوقيت شرق الولايات المتحدة الأمريكية (11:49 بتوقيت جرينتش)، عندما تقترب المركبة بحدود 7800 ميل (12500 كيلومتر) من سطح بلوتو المتجمد، ستزيل ناسا (بهدف الاحتفال) النقاب عن آخر صورة من بلوتو، والتي تبين العالَم الأحمر مع شكل قلب مذهل على وجهه.
 
يشاهد البث المباشر للتحليق، من مركز مراقبة المهمة نيوهورايزنز في مختبر الفيزياء التطبيقية بجامعة جونز هوبكنز الموجودة في لوريل بولاية ماريلاند، أكثر من 1200 عالم، بالإضافة إلى ضيوف ناسا وكبار الشخصيات، بما في ذلك 200 صحفي، وقد رددوا العد التنازلي لأكبر اقتراب، ثم اخذوا بعدها يهتفون ويلوّحون بالأعلام الأمريكية مع حدوث اللحظة الكبيرة.
 

بعد المواجهة القريبة اليوم، فإن جميع كواكب النظام الشمسي التسعة التقليدية المعروفة قد تمت زيارتها بواسطة مركبات فضائية روبوتية، وهو مشروع ضخم بدأ عام 1962 عندما قام المسبار مارينر 2 (Mariner 2) التابع لناسا بالاقتراب من كوكب الزهرة.

 
وقال جلين فاونتين Glen Fountain مدير مشروع المهمة من مختبر الفيزياء التطبيقية في  جامعة جونز هوبكنز في لوريل بولاية ماريلاند متحدثاً لـ"Space.com": "نيوهورايزنز هي مهمة حجر الأساس. إنها اتمام للاستطلاع الأولي لنظامنا الشمسي، وتعطينا كذلك وجهة نظر جديدة عن كيفية أننا نحن البشر متوافقون مع الكون".
 
في صدفة ذات أبعاد كونية، حصول الاقتراب اليوم يتوافق مع الذكرى الخمسين لأول تحليق قرب المريخ، والذي قامت به المركبة مارينر4 (Mariner 4) التابعة لناسا بتاريخ 14 تموز/ يوليو 1965.
 

وقال ألين ستيرن Alan Stern الباحث الرئيسي في مهمة نيوهورايزنز من معهد أبحاث الجنوب الغربي في بولدر بولاية كولورادو متحدثاً لـ"Space.com": "لم يكن بمقدورنا أن نكتب سيناريو أفضل".

 

لم يعُد هناك تسعة كواكب معترف بها رسمياً، بالطبع. فالاتحاد الفلكي الدولي صنف بلوتو على نحو يعروف بأنه "كوكب قزم"، وذلك في عام 2006 ضمن قرارٍ ما زال مثيراً للجدل حتى اليوم.
 
  • وقت طويل قادم
أكتُشف بلوتو عام 1930 من قبل عالم الفلك الأمريكي كلايد تومبو (Clyde Tombaugh)، ومنذ ذلك الحين، بقي الكوكب القزم غامضاً. ولأن كوكب بلوتو صغير نسبياً وبعيدٌ جداً –حيث أن مداره أبعد بمعدل وسطي بمقدار 39 مرة من مدار الأرض حول الشمس- فإنه هدف صعب للأدوات الموجودة على الأرض أو بالقرب منها. بالفعل، فأفضل الصور المبدعة لتلسكوب هابل الفضائي التابع لناسا أظهرت الكوكب القزم مجرد بيكسلات غير واضحة المعالم.
 

لم يعرف علماء الفلك أن بلوتو يمتلك أقماراً حتى عام 1978، عندما شوهد شارون أكبر أقمار الكوكب القزم. يشكل شارون، الذي يبلغ قطره 750 ميلاً (1200 كيلومتر)بذلك، نصف اتساع بلوتو نفسه. وعلاوةً على ذلك، فإن مركز جاذبية الجرمين يقع خارج الكوكب القزم، لذلك، يعتبر باحثون عدة أن "بلوتو-شارون" عبارة عن نظام ثنائي.

 
لم يتم اكتشاف المزيد من أقمار بلوتو حتى عام 2005. وفي عام 2012، تم اكتشاف أربعةِ أقمارٍ صغيرة -تم تسميتها في النهاية: نيكس، وهايدار، وكيربيروس، وستيكس- بواسطة الباحثين المستخدمين لتلسكوب هابل الفضائي للمساعدة في تحضير التحليق الملحمي لنيوهورايزنز. 
 

تلك المواجهة القريبة استغرقت وقتاً طويلاً لتحدث، فقد انطلقت مهمة نيوهورايزنز، التي كلفت 723 مليون دولار، في شهر كانون الثاني/يناير 2006، لكنها بدأت بالتشكل عام 1989، وهي نفس السنة التي قامت بها المركبة فوياجر2 (Voyager 2) التابعة لناسا بالسفر نحو نبتون بهدف الحصول على أول نظرة قريبة لـ"العملاق الجليدي" الأزرق المدهش.

استغرق الأمر أكثر من عقد من العمل الشاق والمشاحنات قبل أن تخرج نيوهورايزنز من كونها مجرد مفهوم إلى مهمة كاملة لناسا.
 
 
وقال ستيرن، الذي كان بمثابة القوة المحركة لنيوهورايزنز منذ نشأتها المبكرة: "إنه تاريخ غير عادي من التعذيب"، ويتابع: "واجهت نيوهورايزنز عدداً مجنوناً من التحديات على عدة أصعدة، كالسياسية، والتمويلية، والأولوية، ونقص الوقود النووي، وقضايا الصواريخ". وأضاف: " العديد من الناس عَلِقوا مع هذا لفترة طويلة، حيث كانوا ينزلون ويقفون، ثم ينزلون مرة أخرى، ويقفون مرة أخرى. لم يتخذوا أي رد".
 
كل ذلك التصلب انتهى صباح اليوم، حيث أصابت نيوهورايزنز هدفها على بُعد 3 مليارات ميل (4.8 مليار كيلومتر) من الأرض، وهوعمل بطولي فذ، يشبه في دقته دقة تسديد كرة جولف من مدينة نيويورك إلى لوس أنجلوس بضربة واحدة.
 
  • علم التحليق
لم تحدث أي مفاجآت سيئة. والآن، تدرس نيوهورايزنز نظام بلوتو عن قرب مع سبعة أجهزة علمية مختلفة، بما فيها الكاميرات القادرة على التقاط صور لمعالم على سطح الكوكب القزم بصغر حجم البرك في حديقة الـ"سنترال بارك" في مدينة نيويورك.

 

ستساعد مراقبات المركبة الفضائية الباحثينَ على رسم خريطة مفصلة لسطح بلوتو وشارون، ووصف جيولوجيا الجسمين، وتسليط الضوء على الغلاف الجوي الناعم والحيوي لبلوتو، إضافةً إلى عدة أمورٍ أخرى.

 
وقال الباحثون أنهم لا يمكنهم الانتظار للحصول على نظرة على بيانات الاقتراب القريب، حيث أن شهيتهم قد ثارت بسبب المُراقبات التي تم جمعها على مدى الأسابيع القليلة الماضية، والتي أظهرت أن بلوتو وشارون عالَم معقد مع سطوحٍ مختلفة بشكل مذهل. 
 
على سبل المثال، يتمتع بلوتو بقطب مغطى بالجليد، ومَعلم كبير لامع يشبه شكل القلب، بالإضافة إلى بقعة عملاقة مظلمة أطلق عليها علماء المهمة اسم "الحوت". أما شارون، فهو مليء بالفوهات والأخاديد، وتوجد بقعة غامضة مظلمة في قطبه الشمالي يبلغ اتساعها 200 ميل (320كيلومتراً).
 
 
وقال ستيرن يوم الإثنين 13 تموز/ يوليو خلال مؤتمر صحفي لناسا: "نظام بلوتو ساحر في غرابته، وجمالُهُ غريب. إننا نشاهد بالفعل سطوحاً مختلفة ومعقدة، والتي بدورها تخبرنا عن تاريخ هذين الجسمين (بلوتو وشارون). ربما كان هذا أبعد من أحلامنا الجامحة في الفريق العلمي".
 
تعمل نيوهورايزنز الآن في "وضع المواجهة القريبة" لمدة تسعة أيام والتي تنتهي يوم الخميس "16 تموز/يوليو"، لكن، لا تتوقعوا تفريغ بيانات كبيرة مع نهاية الأسبوع، حيث تحتاج نيوهورايزنز 16 شهراً لترسل كل مراقباتها إلى الأرض. وأعضاء الفريق لن يعلموا ما إذا كان التحليق قد نجح حتى الساعة التاسعة مساءً بتوقيت شرق الولايات المتحدة (01:00 بتوقيت جرينتش يوم الأربعاء)، وهو الميعاد الذي يتوقع أن  يتلقى المسؤولون عن المسبار رسالة تحقق. 
 

حالة التحديث ستخفف قليلاً من العصبية بين أعضاء الفريق، لأن نيوهورايزنز تتحرك بسرعة 30800 ميل في ساعة (49570 كيلومتراً في ساعة) بالنسبة لبلوتو، بحيث أن أي تصادم مع قطعة حطام في نظام الكوكب القزم بصغر حبة الأرز يمكن أن يكون قاتلاً. وتشير التحليلات إلى أن حدوث نتائج وخيمة أمر غير مرجح للغاية، ولكنّ ذلك ممكن.

 
وقال ستيرن خلال المؤتمر الصحفي يوم الإثنين: "رسمياً، نحن قادرون على وضع حدود نموذجية تقدر بواحد إلى عشرة آلاف من أن المركبة قد تُفقد بسبب تصادمها مع الحطام (أي أنه حادث عَرَضي نسبة حصوله تكاد تكون معدومة)". وأضاف: "لكننا كنا أيضاً صادقين للغاية بأننا نحلق نحو المجهول. وهذه هي المخاطرة التي نتحملها مع كل أنواع الاستكشافات".
 
 
  • من أجل العصور
وقال أعضاء الفريق أن الآثار المترتبة على اكتشافات نيوهورايزنز يجب أن تمتد لما وراء نظام بلوتو. بعد كل شيء، بلوتو هو واحدٌ من بين آلاف الأجسام -وإن كان الأكبر والأشهر من بينها- في حزام كايبر الذي يُعتبر الحلقة الأكبر الغير مكتشفة من الأجسام الجليدية خلف مدار نبتون.
 
وقال رائد الفضاء السابق جون جرونسفيلد John Grunsfeld المدير المساعدة لإدارة مهمة ناسا العلمية خلال بيان موجز يوم الإثنين: "من منظور علمي، نحن نُدخل هذا العالم الجديد كلياً في النظام الشمسي".
 
 
ربما تحصل نيوهورايزنز على فرصة لدراسة ثاني أجسام حزام كايبر عن قرب، حيث يخطط أعضاء فريق المهمة لاقتراح تحليق حول جسم أكثر صغراً إذا سارت مهمة المواجهة عن قرب اليوم على ما يرام. التحليق الثاني سيكون في 2019، على افتراض أنّ ناسا ستوافق على ذلك (حدد المسؤولون عن نيوهورايزنز هدفين محتملين للتحليق الثاني، لكن لم يحددوا إلى أي منها سيتجهون).
 
قال ستيرن: "وأيا كان ما سيحدث مع هذه المهمة المحتملة الممتدة، فإن نيوهورايزنز ستترك إرثاً مثيراً للإعجاب". وأضاف لـ"Space.com": "هذا مميزٌ جداً"، مشيراً بذلك إلى التحليق اليوم. وأضاف: "أنا رجلٌ منحاز حول هذا الموضوع، لكني أعتقد أن هذا الحدث سيكون الأهم فيما يتعلق بالفضاء لعقد من السنوات".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات