كاسيني: اكتشاف جديد في القمر تيتان!

مع حلول فصل الشتاء في القطب الجنوبي من القمر تيتان، تتشكل سحابة كبيرة تدعى بـ الدوامة القطبية الجنوبية south polar vortex (وتبدو شبيهة بزرٍّ صغير وساطع)، كما هو واضح في هذه الصورة التي يعود تاريخها إلى سنة 2013.

المصدر: NASA/JPL-Caltech/Space Science Institute


أظهرت أرصاد جديدة قامت بها المركبة الفضائية كاسيني التابعة لوكالة ناسا قرب المنطقة القطبية الجنوبية لقمر تيتان Titan، أدلةً على أن فصل شتاءٍ قاسٍ بانتظار هذا القمر.

اكتشف العلماء وجود سحابة جديدة هائلة من المكونات الجليدية تمتد من الجزء الأدنى إلى الجزء الأوسط من طبقة الستراتوسفير التابعة لهذا القمر، وهي طبقة مستقرة توجد فوق طبقة التروبوسفير (الطبقة التي تحدث فيها معظم التقلبات الجوية).

تمكنت الكاميرا المحمولة على متن المركبة كاسيني من التقاط صور لغيمة كبيرة جداً ترتفع فوق المنطقة القطبية الجنوبية لتيتان، وذلك على علو يقدر بـ 186 ميلٍ (300كم). تم رصد هذه السحابة للمرة الأولى سنة 2012، وقد اتضح لاحقاً أنها تُشكل قمة نظام جليدي هائل اكتُشف في قسمٍ منخفضٍ من طبقة الستراتوسفير، حيث يرتفع تقريباً حوالي 124 ميلاً (200 كم).


رُصدت السحابة الجديدة بواسطة مطياف كاسيني للأشعة تحت الحمراء المُركبة CIRS، والذي يستطيع التقاط صور جانبية للغلاف الجوي عند أطوال موجية حرارية غير مرئية. تتصف هذه السحابة بأنها منخفضة الكثافة بشكل مشابه للضباب المتكوّن على سطح الأرض، إلا أنه من المحتمل أن تكون مسطحة الشكل في طبقتها العلوية.

حرصت مركبة كاسيني خلال السنوات القليلة الماضية على إلقاء نظرة على عملية الانتقال من فصل الخريف إلى فصل الشتاء في المنطقة القطبية الجنوبية لتيتان، وبذلك تكون أول مركبة فضائية على الإطلاق تشاهد بداية فصل الشتاء على هذا القمر. وعلى اعتبار أن كل فصل على قمر تيتان يستمر لمدة تبلغ تقريباً وفقاً للروزنامة الأرضية حوالي 7 سنوات ونصف تقريباً، فإن المنطقة القطبية الجنوبية ستبقى غارقة في فصل الشتاء عند انتهاء مهمة كاسيني في سنة 2017.

 

تكشف لنا هذه الصورة المقرّبة التي يعود تاريخها إلى سنة 2012، عن مجموعة اللقطات الأولى التي تُظهر التغيرات الحاصلة في المنطقة القطبية الجنوبية من القمر تيتان. استطاعت الكاميرا المحمولة على متن كاسيني من رصد سحابة كبيرة جداً على علو يقدر بـ 186 ميل (300كم). أما الآن فقد تمكنت الأداة الحرارية لقياس الاشعة تحت الحمراء والموجودة على متن كاسيني من رصد سحابة جليدية كبيرة موجودة تحت السحابة الأولى. المصدر: Credits: NASA/JPL-Caltech/Space Science Institute
تكشف لنا هذه الصورة المقرّبة التي يعود تاريخها إلى سنة 2012، عن مجموعة اللقطات الأولى التي تُظهر التغيرات الحاصلة في المنطقة القطبية الجنوبية من القمر تيتان. استطاعت الكاميرا المحمولة على متن كاسيني من رصد سحابة كبيرة جداً على علو يقدر بـ 186 ميل (300كم). أما الآن فقد تمكنت الأداة الحرارية لقياس الاشعة تحت الحمراء والموجودة على متن كاسيني من رصد سحابة جليدية كبيرة موجودة تحت السحابة الأولى. المصدر: Credits: NASA/JPL-Caltech/Space Science Institute


وفي هذا السياق، تقول كاري أندرسون Carrie Anderson، من مركز غودارد لرحلات الفضاء التابع لوكالة ناسا: "عندما شاهدنا بيانات الأشعة تحت الحمراء، برزت هذه السحابة كشيء لم نر له مثيلاً من قبل، الأمر الذي أصابنا بدهشة وحيرة شديدتين للغاية". وقد عرضت أندرسون هذا الاكتشاف الجديد أثناء اجتماع المؤتمر السنوي لقسم الجمعية الفلكية الأميركية المختص بعلوم الكواكب، والذي عقد بتاريخ 11 نوفمبر/تشرين الثاني في فندق ناشيونال هاربر في ولاية ماريلاند.

لا تتشكل الغيوم الجليدية في قطب تيتان بنفس الطريقة التي تتشكل فيها الغيوم المطرية في الغلاف الجوي لكوكب الأرض.

بالنسبة إلى السحب المطرية، يتبخّر الماء من على سطح الأرض ويواجه درجات حرارة باردة جداً عند ارتفاعه في طبقة التروبوسفير. تتشكل الغيوم عندما يصل الماء المتبخر إلى ارتفاع تكون فيه درحات الحرارة وضغط الهواء مناسبيْن لحدوث عملية التكاثف. وتتشكل غيوم الميثان في طبقة التروبوسفير لقمر تيتان بنفس الطريقة أيضاً.

تتشكل السحب القطبية في قمر تيتان على ارتفاعات أعلى وبطريقة مختلفة بشكل كلي. يعمل الدوران الحاصل في الغلاف الجوي على نقل الغازات من القطب الموجود في نصف القمر الدافئ، إلى القطب الموجود في نصف القمر البارد، حيث ينخفض الهواء الدافئ هناك بنفس طريقة تصريف المياه في حوض الاستحمام، وتُعرف هذه العملية باسم الانخساف subsidence.

الغازات المنخفضة عبر طبقات الغلاف الجوي مكونةٌ من هيدروكربونات شبيهة بالضباب الدخاني smog ونتروجين يحتوي على عناصر كيميائية تدعى بـ النتريل. تتعرض هذه الغازات إلى درجات حرارة أكثر برودة كلما استمرت في الانخفاض عبر طبقات الغلاف الجوي. وبالطبع، يتكاثف كل واحد من هذه الغازات عند درجة حرارة مختلفة، الأمر الذي يؤدي إلى تشكل الغيوم في عدة طبقات خلال مدى من الارتفاعات.

وصلت المركبة كاسيني إلى زحل في العام 2004 في منتصف فصل الشتاء في القمر تيتان. ومع بدء تحول المنطقة القطبية الشمالية نحو فصل الربيع، بدأت السحب الجليدية الموجودة هناك بالاختفاء. بدأت في نفس الوقت سحب جديدة بالتشكل في المنطقة القطبية الجنوبية، وتشير عملية تشكُّل هذه السحب الجليدية إلى تغير في اتجاه الدوران العام من الغلاف الجوي لتيتان.



يقول سكوت إيدجنيجتون Scott Edignigton، وهو عالم في مختبر الدفع النفاث في باسادينا بولاية كاليفورنيا: "تستمر التغيرات الموسمية الحاصلة في تيتان بإدهاشنا ومفاجأتنا حيث ستواصل المركبة كاسيني عبر مجموعة الأجهزة والمعدات المؤهلة التي تمتلكها، بإجراء الدراسات المرحلية بخصوص كيفية حدوث التغيرات في تيتان، وذلك حتى انتهاء مهمتها الخاصة بدراسة تغير الفصول هناك في سنة 2017.

إن معرفة حجم وارتفاع وتركيبة هذه السحابة الجليدية القطبية، ستساعد العلماء على فهم طبيعة وصعوبة فصل الشتاء في تيتان. وقد تَمكّن العلماء من خلال دراسة السحابة الجليدية الأولى، من تحديد أن درجة الحرارة في القطب الجنوبي يجب أن تكون منخفضة إلى ما دون -238 درجة فهرنهايت (-150 درجة مئوية).


اكتشفت السحابة الجديدة في القسم المنخفض من طبقة الستراتوسفير، حيث تكون درجات أكثر برودة بكثير من تلك الموجودة في القطب الجنوبي. وتتكوّن الجسيمات الجليدية في السحابة من مجموعة متنوعة من المكونات مثل الهيدروجين والكربون والنتروجين.

وجدت أندرسون وزملاؤها الباحثون نفس الأدلة والإشارات في بيانات مطياف CIRS الخاصة بالقطب الشمالي، إلا أن المُختلف هنا هو ضعف الإشارة التي حصلوا عليها. وبناءً عليه يمكن القول إن الإشارات القوية في السحابة القطبية الجنوبية تدعم الفكرة القائلة بأن بداية فصل الشتاء هناك هي أكثر قوة من نهايته.

يقول روبرت ساويلسون Robert Samuelson، الباحث في مركز غودارد وأحد المشاركين مع أندرسون في هذا البحث: "إن فرصة مشاهدة المراحل الأولى لفصل الشتاء على القمر تيتان أمر مثير حقاً، وذلك لأن كل ما وجدناه في القطب الجنوبي يشير إلى أن بداية الشتاء في نصف القمر الجنوبي أكثر قسوةً من المراحل الأخيرة لنهاية فصل الشتاء في نصف القمر الشمالي".


بعثة كاسيني هي مهمة مشتركة بين كل من وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية ووكالة الفضاء الإيطالية. يتولى مختبر الدفع النفاث إدارة عملية البعثة لصالح مديرية المهما العلمية التابعة لوكالة ناسا ومقرها واشنطن. ويجدر التنويه إلى أن مقر فريق جهاز مطياف الأشعة تحت الحمراء المُركبة CRIS يقع في مركز غودارد لرحلات الفضاء.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات