هل تخيّلت يوماً كيف يمكنك تصميم مرآة يبلغ قطرها 6.5 متر، تستطيع تحمّل قوّة إطلاق صاروخ إلى الفضاء، ومن ثمّ الدوران حول الأرض في دائرة نصف قطرها حوالي مليون ميل لمدّة 5-10 سنوات؟ ليس هذا كل شيء، بل أيضاً أن يظل شكلها ثابتًا في درجات حرارة قريبة من -220˚C؟ ولمَ قد ترغب بذلك؟
ظلّ تلسكوب هابل الفضائي Hubble Space Telescope مستحوذاً على الاهتمام لأكثر من 20 عاماً، مع صور مذهلة لِمجرات متشابكة، ومناظر عن قرب للمناطق التي تولد فيها النجوم الجديدة. كشف هابل عن كل أنواع الأشياء في الكون، بما في ذلك النشاط النابض بالحياة في المناطق الأعمق والأكثر ظلمة في السماء ليلاً. ولكن قبل أن يسجّل هابل أي صورة على الإطلاق، وحتّى قبل أن يغادر الأرض، كان علماء الفلك يحلمون بـ تلسكوب الجيل القادم الذي سيكون خليفته.
فـخليفة هابل، هو تلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST) – (الذي سمّي تيمناً باسم الرجل الذي أدار وكالة ناسا في الأعوام (1961-1969) والذي سيكون إنجازاً علميّاً وتكنولوجيّاً مذهلاً؛ اذ سيكشف هذا التلسكوب الضوء القادم من أولى المجرّات تشكّلاً على الإطلاق، قبل حوالي 13 مليار سنة.
إنّ بناء جهاز بهذه السعة يتطلب كثيراً من الأشخاص والوقت والمال والابتكار. حيث بدأ التخطيط له منذ عام 1989، وهو العام الذي سبق إطلاق تلسكوب هابل إلى مداره حول الأرض، ومن المتوقع أن يطلق تلسكوب جيمس ويب الفضائي في العام 2018، أي بعد 30 عاماً تقريباً من بداية التخطيط له.
كل الأجسام الحارّة بما فيها تلسكوب جيمس ويب تُصدر أشعّة تحت الحمراء (على شكل حرارة)، ولن تكون هناك أي مشكلة في حال كان التلسكوب موجهاً إلى مصدر قوي من الأشعّة تحت الحمراء، ولكنّه سيكون موجهاً إلى أجسام بعيدة بحيث لن يرى سوى إشارات خافتة جداً.
في الواقع، يمكن بسهولة لضوء الأشعّة تحت الحمراء القادم من الشمس ومن الإلكترونيات على تلسكوب جيمس ويب الفضائي أن تطغى على الإشارات الضوئيّة التي يُعنى التلسكوب بالكشف عنها.
و لتجنّب هذا صُمّم تلسكوب جيمس ويب بحيث تكون الشمس والأرض والقمر دائماً على نفس الجانب من النظام، أمّا المرآة وأجهزة الكشف فستكون محمية منها بواسطة درع شمسية ضخمة.
تُعتبر المرآة العملاقة ذات الشكل المستقبليّ من أكثر العناصر سحراً في تلسكوب جيمس ويب الفضائي، إذ بالإمكان طويُها لتجد لها مكاناً داخل مركبة الإطلاق (طراز أريان Ariane 5 ECA المقدّمة من وكالة الفضاء الأوروبيّة European Space Agency) وتنفتح مرّة أخرى بعد الإطلاق.

على سبيل المثال، تم تحديد حجم المرآة بناءً على الأهداف العلميّة لهذا المشروع؛ فـمن أجل "رؤية" جسم بواسطة تلسكوب ما، على التلسكوب أن يجمع ما يكفي من الضوء من هذا الجسم لتكوين الصورة.
هنالك طريقتان لزيادة القدرة على جمع الضوء في تلسكوب معيّن مثل هابل، وهاتان الطريقتان هما: زيادة حجم المرآة الأوليّة أو زيادة مقدار الوقت الذي يوجّه فيه التلسكوب إلى الجسم المراد رصده. حدّد الباحثون المرآة الأوليّة التي احتاجها تلسكوب جيمس ويب الفضائي والتي يبلغ قطرها 6.5 متر على الأقل من أجل "رؤية" الضوء القادم من أقدم المجرّات التي تبعد حوالي 13 مليار سنة ضوئيّة.كما يجب أن تكون المرآة أيضا خفيفة وصغيرة بما يكفي ليتم ملاءمتها ضمن مركبة إطلاق فضائيّة.
كما أنّ هنالك ضرورة أخرى هي أنّ على مرايا التلسكوب JWST أن تحافظ على شكلها في درجات حرارة باردة جداً، تصل حتّى -240˚C.، وذلك لأنّ تلسكوب جيمس ويب الفضائي سيعمل في الفضاء السحيق لفترة تقدّر بنحو 5-10 سنوات، وربما أكثر.
هذه ليست سوى أعداد قليلة من العوامل التي دخلت في حسابات تصميم المرآة الأوليّة الفريدة من نوعها لـ تلسكوب جيمس ويب الفضائي. فالتصميم النهائي للمرآة يتكوّن من 18 قطعة سداسيّة الشكل، تزن كل منها حوالي 20 كغم، يتم التحكم في كل قطعة بواسطة محركات صغيرة، ويمكن لهذه القطع أن تتحرك صعوداً ونزولاً، ومن اليسار إلى اليمين، ومن الخلف إلى الأمام، وهو أمر ضروري لفتح المرآة (بعد أن كانت مطوية) وتركيزها، كما أنّ انحناء كل قطعة يمكن تعديله أيضاً.
إنّ الشكل السداسي لكل قطعة مهم لعدّة أسباب

- تكوّن القطع السداسية بصورة شاملة شكلاً دائريًا، وهو فعّال لتركيز الضوء.
- إنّ تطابقها يبسّط البصريات. فمن بين الـ 18 قطعة، هنالك ثلاث مجموعات من ست قطع لها جميعها أشكال متطابقة و مُعامِلات أخرى.
- يتم ترتيب القطع السداسيّة مع بعضها بسلاسة عندما تصطف، وهذه القطع مصنوعة من البيريليوم، وهو معدن خفيف وقوي ويمكن أن يحافظ على شكله في درجات حرارة مختلفة.
من منجم البيريليوم في ولاية يوتا إلى منصّة الإطلاق في كورو/جويانا الفرنسيّة، فإنّ بناء هذه القطع يحتاج إلى أكثر من 14 محطّة في 11 موقعاً مختلفاً. وكل ذلك هو فقط لبناء المرآة الأوليّة لتلسكوب جيمس ويب الفضائي!