الشمس تشهد عاماً كاملاً من الدورات الموسمية
تتغير شمسنا باستمرار، حيث أنها تدخل في دوراتٍ من النشاط تتأرجح فيها بين أوقات الهدوء النسبي وأوقات الانفجارات المتكررة على سطحها، والتي باستطاعتها أن تقذف الضوء والجسيمات والطاقة بعيداً نحو الفضاء. ويبلغ هذا النشاط الذروة تقريباً كل أحد عشر عام.
أظهرت دراسة جديدة دليلاً على وجود دورة زمنية أقصر من ذلك أيضا، مع نشاط يثور ويخمد على إمتداد 330 يوم.
تندفع حُزُم من المواد الشمسية المغناطيسية بإتجاه الخط الإستوائي الشمسي، وتؤدي الطريقة التي تتفاعل بها كل حزمة بين نصفي الكرة الشمسية إلى دورة من الثوران والخمود تستمر لـ 330 يوم على الشمس، يمكن أن تكون بقوة الدورة المدروسة التي تستمر لأحد عشر عام.
معرفة متى يمكن حدوث الرشقات النارية من النشاط الشمسي هو أمر بالغ الأهمية للتنبؤ الناجح بثوران الشمس، الذي بدوره يقود العواصف الشمسية نحو الأرض. ويمكن لأحداث الطقس الفضائي هذه أن تتسبب في اضطراب إلكترونيات الأقمار الصناعية، والملاحة عبر نظام الـ (GPS) والاتصالات الراديوية.
يبدو أن سبب هذا التغير شبه السنوي في الطقس الفضائي ناتجٌ عن التغيرات في حزم من الحقول المغناطيسية القوية والموجودة في كل نصف كرة شمسية، ذلك ما ذكرهُ الباحثون في ورقة نُشرت يوم 7 أبريل/نيسان 2015، في مجلة (Nature Communications).
يقول سكوت ماكينتوش (Scott McIntosh)، المؤلف الرئيسي لورقة البحث، ومدير المرصد المرتفع في المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي في بولدر، بولاية كولورادو: "ما نقوم بالبحث عنه هو المحرك الهائل للعواصف الشمسية، ومن خلال الحصول على فهمٍ أفضل لكيفية تشكُل هذه الحُزُم من النشاط الشمسي والتي تسبب حالة عدم الاستقرار الموسمية هذه، سنتمكن من تحسين توقعاتنا بشكلٍ كبير لطقس الفضاء".
الدراسة الجديدة هي واحدة من العديد من الدراسات، التي قدمها فريق البحث لتحديد ما الذي يؤدي إلى تلك الحقول المغناطيسية وكيفية تأثيرها على دورات الشمس. حدد ماكينتوش وشريكه المساعد في كتابة ورقة البحث، الحُزُم من خلال الاعتماد على مجموعة من الأقمار الصناعية التابعة لناسا والمراصد الأرضية التي تراقب الشمس ومخرجاتها، بدءاً من التدفق الثابت الناتج عن الجسيمات في الرياح الشمسية إلى انفجاراتٍ كبيرة، مثل الأشعة الشمسية أو الانفجارات العملاقة من المواد التي تدعى "التدفق الإكليلي الكتلي" (CMEs).
لاحظ العلماء أن التغيرات في الحقل المغناطيسي في الحُزُم تُثير دورة النشاط حتى 330 يوم والتي يمكن ملاحظتها، لكن كثيراً ما تم تجاهلها والتقليل من أهميتها سعياً لمعرفة ما يسبب دورة الشمس الأطول ذات الأحد عشر عام.
ويضيف ماكينتوش:"لم يعر الناس الكثير من الإهتمام لدورة الشمس الشبه سنوية، ويجب علينا التركيز على مثل هذه المحركات المتحكمة بالطقس الفضائي. ومع مرور الوقت تم رصد كل أنواع المخرجات من الشمس، مثل: توهج الشمس، والرياح الشمسية، والأشعة الشمسية والمقذوفات".
تساعد تفاعلات الحُزم المغناطيسية أيضاً في تفسير لغز اكتُشِفَ لأول مرة في ستينيات القرن الماضي وهو "لماذا تبلغ عدد الإشعاعات والمقذوفات الشمسية ذروتها بعد عام أو أكثر من عام من العدد الأكبر للبقع الشمسية؟ ويدعى هذا الفارق بـ "فجوة جنيفيشيف" أو (Gnevyshev Gap)، وذلك بعد أن لاحظ علماء السوفييت هذا النمط لأول مرة.
يبدو أن الإجابة تعتمد على حزمتين من النشاط، حزمة واحدة في كل نصف كرة شمسية مُؤمِنةً بذلك فرصة لهم لمزج حقولهما المغناطيسية، وينتج عن ذلك مناطق أكثر نشاطاً وغير مستقرة على الشمس، ويصدر عنها المزيد من الإشعاعات والمقذوفات الشمسية. ذكر العلماء في أوراقٍ بحثية أخرى، أن هذه العملية تحدث بعد العدد الأكبر للبقع الشمسية فقط.
كما لاحظ العلماء عند قيامهم بالتحليلات على حِزم التفاعلات، أن الحِزم واقعةٌ تحت تأثير تغيرات شبه سنوية، ومتموضّعة بشكلٍ منفصل في كل من نصفي الشمس الشمالي والجنوبي. وهذا التغير شبه السنوي في المغناطيسية يمكن أن يكون كبيراً بحجم شيء مألوف، مثل دورة الشمس التي تقارب الإحدى عشرة سنة، مما يؤدي إلى ظهور مواسم عاصفة.
يقول روبرت ليمون (Robert Leamon)، المؤلف المساعد لورقة البحث، من جامعة ولاية مونتانا في بوزمان، ومقر ناسا في واشنطن: "تمتلك حُزُم النشاط على الشمس موجات تتحرك بسرعة بطيئة للغاية، والتي يمكن أن تتوسع وتتشوه". وأضاف أيضاً: "في بعض الأحيان، ينتج عن هذا الحقل المغناطيسي تسرب من حزمة إلى حزمة الأخرى. وفي حالاتٍ أخرى، فإن التشوه يسحب الحقل المغناطيسي من داخل الشمس دافعاً إياه نحو السطح".
الزيادة الحادة للوقود المغناطيسي من باطن الشمس يمكن أن تزعزع وبشكل كارثي استقرار الهالة الموجودة وهو الغلاف الجوي الأبعد للشمس. حيث أنه القوة الدافعة وراء العواصف الشمسية الشديدة.
يمكن للباحثين اللجوء إلى عمليات المحاكاة الحاسوبية المتقدمة وعمليات الرصد المُركزة، لمعرفة المزيد عن تأثير هذه الحُزُم على النشاط الشمسي. واقترح ماكينتوش أنه وبإنشاء شبكة من الأقمار الصناعية فمن الممكن أن يساعد ذلك في مراقبة الشمس، مثل شبكة الأقمار الصناعية حول الأرض التي قدمت نماذج متقدمة ومذهلة لتوقعات الطقس منذُ ستينيات القرن الماضي.
ويضيف ماكينتوش: "إذا فهمت ما يقوله لك أسلوب النشاط الشمسي، فإنك ستعلم حتماً ما إذا كان هناك مرحلة عاصفة أم مرحلة هادئة في كل نصف كرة شمسي، وإذا استطعنا جمع هذه القطع من المعلومات الرصدية مع جهود النمذجة، فإن مهارات التنبؤ بالطقس الفضائي ستزيد كثيراً".
تم تمويل هذا البحث بواسطة وكالة ناسا والمؤسسة الوطنية للعلوم، وهم الراعي لـ NCAR .