مرايا تلسكوب ويب الذهبية: عين ذهبية تُحدّق في الفضاء السحيق


ليست هذه بزهرة، بل عين ما سيكون أقوى تلسكوب على كوكب الأرض: تلسكوب جيمس ويب الفضائي، الذي يُشيد حاليًا في مركز غودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا. صُمم هذا التلسكوب لرصد الكون باستخدام ضوء الأشعة تحت الحمراء، فالزجاج العادي وحتى المواد المستخدمة في صناعة التلسكوبات العاملة بالضوء المرئي، لن تستطيع رصد ضوء الأشعة تحت الحمراء، إذ أن تلك الأشعة تمر خلالها أو أنها لا تنعكس بشكل فعال.

على أي حال، الذهب عاكسٌ ممتاز لضوء الأشعة تحت الحمراء، ولذلك غُلّفت كل مرايا تلسكوب جيمس ويب (18 مرآة) سداسية الشكل بطبقة رقيقة جدًا من الذهب، بسمك يصل إلى جزء من ميكرون. تحتاج كل مرآة نحو 3 غرامات من الذهب، الذي يُعتبر رخيصًا جدًا مقارنة مع المكونات الأخرى للمرصد. قد يبدو هذا غريبًا لنا، لكنه ملائم تماماً، عندما يتعلق الأمر بجسم يُصدر ضوء الأشعة تحت الحمراء.

الصورة المرئية في الأعلى لافتة للنظر جدًا، فالمرايا الفردية يبلغ عرضها نحو 1.3 متر (أكثر قليلًا من 4 أقدام)، لكنّ وزنها لا يتعدى 20 كيلوغرامًا (45 رطلًا)، والفضل في ذلك يعود لاستخدام البيريليوم خفيف الوزن في عملية الدعم. عندما تريد الذهاب إلى الفضاء، فالوزن مشكلة، لكن يجب عدم معالجتها على حساب الاستقرار، ولذلك فالبريليوم ممتازٌ لأنه يُقدم كتلة منخفضة ودعمًا هيكليًا عاليًا.

يُرسَّب الذهب على المرايا باستخدام ما يسمى "الترسيب الفراغي" (vacuum deposition)، إذ توضع المرايا في غرفة فراغٍ ليُرسَّب الذهب على شكل بخار، ما يسمح بتكون الأسطح طبقة وراء أخرى، إذ يبلغ سمك كل طبقة ما يصل إلى أبعاد ذرة واحدة؛ وهذا الإجراء يسمح بتكون مرآة ناعمة جدًا ذات انعكاسية مرتفعة. 

 

 يشرح هذا الفيديو المصور في معهد علوم تلسكوبات الفضاء عملية الترسيب الفراغي.

انتهت الشركة المصنعة للمرايا "بول للطيران الفضائي" من صنع المرايا في العام 2012، وقد حضرت الاحتفال الذي احتفى بهذا الحدث. لقد كانت المرايا مدهشة جدًا عند النظر إليها، كما أنها كانت جميلة سواء من حيث لونها أو تناظرها. وبالمناسبة، لدى وكالة ناسا كاميرا إنترنت (webcam) موجودة في الغرفة النظيفة، ويُمكنك عبرها مشاهدة ما يجري على الهواء مباشرة. 

إحدى مرايا التلسكوب سداسية الشكل في شركة بول للطيران قبل شحنها إلى مركز غودارد
إحدى مرايا التلسكوب سداسية الشكل في شركة بول للطيران قبل شحنها إلى مركز غودارد


يحتوي التصميم النهائي ثمانيَ عشرة مرآةً على شكل زهرة كما هو موضح في الصورة الأولى. وفوقها يُمكنك مشاهدة حامل المرآة الثانوية المشابه لحرف V (أمام الفني الواقف إلى يسار المنصة). بعد الإطلاق، سيمتد هذا الحامل بحيث تتجه المرآة الثانوية إلى لأسفل نحو وسط مجموعة المرايا الأولية.

سينعكس الضوء القادم من الأجسام السماوية عن مجموعة المرايا الأولية نحو المرآة الثانوية، ثم يعود عبر ثَقْب مركزي موجود في المرآه الأولية إلى الأجهزة (الكاميرات) الموجودة خلفها. وخلف المرايا السداسية، هناك مشغلات ميكانيكية تسمح بتعديل وضعها، حيث تُقسم كل مرآة من المرايا السداسية بعناية فائقة لتعمل كلها بتوافق وكأنها مرآة واحدة. 

هل ذكرت لكم أن مجموعة المرايا الأولية (6.5 متر) ستكون مطوية عند الإقلاع على متن صاروخ "أريان 5"؟، ثم ستُفتح مثل زهرة حالما تصير في الفضاء؟ نعم، هذا أمر مدهش للغاية. حالما تفتح ويجري تعديلها، ستتم محاذاة المرايا بدقة تصل إلى نانومتر تقريبًا.

ستجري عملية الفتح هذه بعد ستة أيام من الإطلاق، حين يكون التلسكوب ماضياً في طريقه نحو وجهته النهائية، "نقطة لاغرانج 2" -نقاط لاغرانج هي نقاط مميزة في ميكانيكا الأجرام السماوية، وهي النقاط التي ينعدم عندها تأثير جاذبية جرمين سماوين كبيرين على جسم ثالث. تقع هذه النقطة على بعد حوالي 1.6 مليون كيلومتر من الأرض، وفي مكانٍ بعيد عن الشمس. وعند تلك النقطة تتوازن جاذبية الجسمين مع قوة الطرد المدارية، لتوفر بذلك مكانًا في الفضاء يسمح للمركبة الفضائية بالحفاظ على وضعها بسهولة دون كثير من التعديل.

بعد الوصول إلى هذه المرحلة، سيعمل المرصد وحده تقريبًا؛ إذ لن نستطيع إرسال رواد فضاء لتحديثه، أو إصلاحه كما نفعل مع تلسكوب هابل. ولذلك، فكل هذه الحركات المعقدة، بما في ذلك فتح الدرع الشمسي المطوي الذي يبلغ حجمه حجم ملعب تنس، يجب أن تعمل بإتقان تمامًا.

عند نجاح الأمر، سيكون الحدث تاريخيًا. لذا، توقع كثيراً من التغريدات القلقة مني، ومن كل علماء الفلك الآخرين عند نجاح الأمر. في الواقع، لقد أختُبرت اكل هذه التكنولوجيا، بطريقة أو بأخرى، هنا على الأرض وفي الفضاء، ولهذا نأمل أن يسير الأمر على ما يرام، وأن يكون التلسكوب، الذي بلغت كلفته 10 مليارات دولار تقريبًا، مستعدًا للمضي في المهمة. 

هذا التلسكوب أكبر وأقوى من هابل في كثير من النواحي، كما أنه قادرٌ على اكتشاف كواكبَ تدور حول نجوم أخرى، والنجوم التى ولدت مختبأةً وراء أغطية سميكة من الغبار، إضافة إلى الكويكبات والمذنبات في نظامنا الشمسي، والمجرات الموجودة على حافة الكون المرئي. ومن يدري، فربما نكتشف الكوكب التاسع، إذا كان موجودًا.

سيحصل كل ذلك في المستقبل، لكن ليس في المستقبل البعيد! فنحن قريبون من العام 2018: موعد إطلاق التلسكوب، وقد نشهد بعد ذلك ثورة كبيرة في علم الفلك، كتلك التي حصلت في العام 1990 عندما وصل هابل إلى الفضاء.
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات