محادثات حول ويب: كل شيء يتمحور حول الأشعة تحت الحمراء–لماذا يُبنى تلسكوب ويب الفضائي؟

هذه الدفعة الثانية من سلسلة مؤلفة من أربعة أجزاء لمحادثة مع بول غيثنر (Paul Geithner) حول الجوانب المختلفة المتعلقة بتلسكوب جيمس ويب الفضائي. غيثنر هو نائب مدير المشروع والتقني في تلسكوب جيمس ويب الفضائي في مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا في جرينبيلت بولاية ماريلاند.

معتمداً على الأشعة تحت الحمراء، سيتمكن تلسكوب ويب من رؤية الماضي بشكلٍ أعمق من التلسكوبات السابقة، وسيسمح للعلماء بالنظر عبر الغبار لرؤية عملية تكوُّن النجوم من الداخل. وسيُقدم لنا بول غيثنر رؤيةً حول أسباب تركيز تلسكوب ويب على الأشعة تحت الحمراء.


س: لماذا يتم العمل على بناء تلسكوب جيمس ويب؟


بول: لأن الكون لا زال يحتفظ بأسراره، وتلسكوب جيمس ويب الفضائي هو المُنشأة المنطقية الفضائية التالية التي يتم بناؤها من أجل دراسة هذه الأسرار. وقد وضعت الجمعية الوطنية للعلوم تلسكوباً ضخماً صُمّم خصيصاً للأشعة تحت الحمراء على رأس أولوياتها للمسح الفلكي للفضاء وذلك ضمن الاستعراض رقم 2000 من دورية تصدرها كل عشر سنوات.


س: من الذي يقوم ببناء تلسكوب ويب؟


بول: يُعتبر تلسكوب ويب تحدياً هندسياً صعباً، ويتم العمل على تطويره منذ العام 1990، وهو مشروع دولي يعمل ويساهم فيه أشخاص من كافة أرجاء الولايات المتحدة وأوروبا وكندا. إنه عمل تعاوني بين ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية والوكالة الكندية للفضاء.


س: ما هي الأشعة تحت الحمراء؟


بول: الأشعة تحت الحمراء هي إشعاع كهرومغناطيسي بطول موجي أكبر من الطول الموجي للضّوء المرئي، ولكن أقصر من الطول الموجي الخاص بموجات الراديو.


س: لماذا من المهم النظر إلى الكون باستخدام الأشعة تحت الحمراء؟


بول: يعتبر الرصد باستخدام الأشعة تحت الحمراء مهماً جداً لعدَّة أسباب. أحدها، هو أن الأشعة فوق البنفسجية والضوء المرئي المُرسل من أولى الأجسام المشعة التي تشكلت عندما كان الكون في مرحلة الطفولة، تمدَّدت بسبب توسع الكون، وبالتالي هي تصلنا اليوم على هيئة أشعة تحت حمراء بعد 13 مليار سنة. لذلك سيتمكن ويب من النظر إلى الضوء المرئي الأول.
وهناك سبب آخر، هو أنّ النجوم والكواكب تتشكَّل في سحب من الغاز والغبار مما يحجب عنا الرؤية، أما الأشعة تحت الحمراء فتخترق هذه السُّحب، سامحةً لنا برؤية ما في داخلها.

من غير الواضح بالنسبة لنا كيفية تحول الكون من حالة بسيطة جداً لا تحتوي إلا الهيدروجين والهليوم إلى الكون الذي نراه اليوم، لكن تلسكوب ويب سيرى مسافات شاسعة من الفضاء وينظر إلى عصور من الزمن لم تُشاهد من قبل، وسيساعدنا هذا في الإجابة عن هذه الأسئلة المهمة.


س: ماذا يعني (الإنزياح نحو الأحمر) ؟


بول: الآن، يصلنا الضوء المرئي المرسل إلينا منذ زمن بعيد على شكل موجات أطول من الأشعة تحت الحمراء، وذلك ناتجٌ عن توسُّع الكون منذ بدايته مع الإنفجار الكبير، وأدّى هذا التوسع إلى تمدد الموجات الضوئية أثناء توسع الفضاء. ومن ثمَّ يتجه الضوء إلى الاحمرار كلما كانت الموجات الطولية أكبر، وتُعرف هذه الظاهرة بالانزياح نحو الأحمر  (redshift).

ستلتقط كاميرا ويب للأشعة القريبة من الأشعة تحت الحمراء (NIRCam) سلسلة من الصور باستعمال مرشحات قادرة على التقاط أطوال موجية متعددة، ومن ثمَّ يُقدَّر الانزياح نحو الأحمر للمجرات البعيدة عن طريق تحديد الاختلاف في السطوع بين الصور الملتقطة. يُعتبر الانزياح نحو الأحمر عبارة عن ضوء متمدّد نحو أطوال موجية أكبر ويحصل أثناء سفر الضوء عبر الكون المتوسع، ويمكن استعماله أيضاً لقياس المسافات.


س: ما هي محاسن النظر إلى الكون باستخدام الأشعة تحت الحمراء؟


بول: يعتبر الجزء تحت الأحمر من الطّيف "نافذة" عظيمة على عمليات مثل تشكل النجوم والكواكب، إذ تتكون الأنظمة الشمسية والكوكبية من بقايا غبار أجيال سابقة من النجوم. ويؤثر الغبار بشكل أقل على الأشعة تحت الحمراء مقارنةً بتأثيره على الأطوال الموجية الأقصر للضّوء المرئي، ولذلك نستطيع الإبحار عبر الحاضنات الغبارية، ومراقبة تشكّل النجوم والأنظمة الكوكبية الجديدة.

إضافةً إلى إمكانية رؤية بعض الأشياء بشكلٍ أفضل أو أكثر لمعاناً باستخدام الأشعة تحت الحمراء. إلا أن الأطوال الموجية للضوء ترتبط بشكلٍ مباشر مع الحرارة. فكلَّما كان الجسم أكثر حرارةً كان الطول الموجي للضوء الذي يُصدره أقصر، وكلّما كان الجسم أبرد كان الطول الموجي للضوء المُرسل أطول. أضف إلى ذلك وكما شرحنا سابقاً، تسمح لنا الأشعة تحت الحمراء برؤية كيف كانت المجرات في الماضي البعيد.
 

س: كيف سيُميّز تلسكوب ويب بين الكواكب البعيدة والنجوم؟


بول: تُعتبر شمسنا نجماً قزماً أصفر، وحرارة سطحها حوالي 5800 كلفن (9980 فهرنهايت/5527 سلسيوس)، بينما يُعتبر منكب الجوزاء (Betelgeuse) الموجود في كوكبة الجبار (Orion)، نجماً عملاقً أحمرَ ولديه حرارة سطح أبرد، إذ تبلغ حوالي 3500 كلفن (5850 فهرنهايت /3227 سلسيوس)؛ في حين تبلغ حرارة سطح نجم الشِّعرى اليماني (Sirius b)- الشبيه بنجم الكلب (Dog Star) الأزرق والبرّاق في كوكبة سيريوس- تقريباً 10000 كلفن (17540 فهرنهايت /9727 سلسيوس).

لا تشع الكواكب بالضوء المرئي، فهي أبرد من النجوم؛ بل تقوم بعكس جزئي للضوء المرئي للنجوم التي تتبعها، لكنها لا تُصدر ضوئها المرئي أبداً. يمتص الكوكب بعض الضوء من النجم الأم ويُعيد إصداره إلى الفضاء على شكل أطوال موجية في المجال تحت الأحمر. وبشكل مثير للاهتمام، تكون هذه الكواكب أكثر لمعاناً عند الطول الموجي للأشعة تحت الحمراء. وتسطع الكثير من الجزيئات بشكل أقوى عند العديد من الأطوال الموجية المحددة للأشعة تحت الحمراء، وتمتص أيضاً الضوء عند أطوال موجية محددة للأشعة تحت الحمراء. وبناءً على ذلك، تُعتبر المراقبة باستخدام الأشعة تحت الحمراء رائعةً جداً لدراسة الكواكب، ليس فقط تلك الموجودة في مجموعتنا الشمسية، وإنما كواكب حول النجوم القريبة منا، إذ يشمل الأمر دراسة تركيبها الكيميائي.


س: ماهي المشاهد الأربعة التي سيدرسها تلسكوب جيمس ويب الفضائي؟


بول: نهاية العصور المظلمة: الضوء الأول وإعادة التأيين؛ وتركيب المجرات؛ وولادة النجوم وأنظمة الكواكب الأولية؛ وأنظمة الكواكب وأصل الحياة.


س: ماهي إعادة التأيين (Reionization)، وكيف سيساعدنا ويب في تعلم المزيد عنها؟


بول: تُعرف الفترة الزمنية التي كان عمر الكون فيها حوالي المليار سنة بحقبة إعادة التأيين، وتُشير إلى الفترة الزمنية التي كان معظم الهيدروجين المحايد الموجود فيها مُدمراً؛ فبسبب الإشعاعات المتزايدة من النجوم الأولى فائقة الكتلة، تشظى الهيدروجين من جديد إلى إلكترونات حرّة وبروتونات.

تُعتبر إعادة التأيين ظاهرة مهمة في تاريخ كوننا، فهي تُقدّم إحدى الوسائل القليلة التي نستطيع من خلالها وبشكل غير مباشر دراسة النجوم القديمة. لكنّ العلماء لايعلمون تحديداً متى تشكّلت أُولى النجوم، ومتى بدأت عملية إعادة التأيين بالحدوث. وسيساعدنا تلسكوب ويب في الإجابة عن بعض هذه الأسئلة.
سيعالج ويب بعض الأسئلة الأساسية لمساعدتنا في الكشف عن القصة الكامنة خلف تكون بنية الكون مثل: متى وأين حصلت عملية إعادة التأيين؟ وما هي المصادر المتسببة في إعادة التأيين؟


س: كيف سيتفوّق ويب على تلسكوب هابل الفضائي؟


بول: علمياً، سيبدأ ويب حيث توقف هابل. سيرى بشكل أعمق في الفضاء وأبعد في الزمن وصولاً إلى حقبة بداية النجوم والمجرات، وسينظر بعمق عبر غبار الحاضنات النجمية ليُشاهد تكون النجوم والكواكب، وسيدرس كلاً من النجوم القريبة والكواكب القادرة على استضافة الحياة. ويريد العلماء أن يشاهدوا بشكل مباشر كيفية انتقال الكون من الهيدروجين والهليوم إلى نجوم ومجرات، إضافةً إلى الكواكب، والظروف التي تجعل من الحياة أمراً ممكناً.


س: هل ستُستعمل بيانات ويب بشكل متناغم مع التلسكوبات الأخرى؟


بول: نعم. سيمتلك ويب قُدرات تجعل منه مرصداً قوياً جداً، وسيُكمل عمل العديد من الأجهزة الفلكية الموجودة على الأرض وفي الفضاء. وسيكون ويب المرصد الفضائي الأول في العالم بعد إطلاقه في وقت متأخر من عام 2018.
يُعتبر تلسكوب ويب الجيل القادم للمراصد الفضائية في العالم، وخليفة تلسكوب هابل الفضائي التابع لناسا. وهو أقوى تلسكوب بُني على الإطلاق، وصُمم لمراقبة أبعد الأجسام في الكون، وسيُقدّم صوراً لأولى المجرات التي تكونت، وسيدرس كواكب غير مكتشفة موجودةً حول نجوم بعيدة.

تلسكوب ويب هو مشروع تعاوني بين ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية ووكالة الفضاء الكندية.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات