إنتروبيا الثقب الأسود

ألقِ شيئاً ما داخل ثقبٍ أسودَ وستكون هذه هي نهاية كل ما يتعلّق به، هل هذا صحيح؟ حسناً، على ما يبدو فإنّ بعض الفيزيائيين يرون أنها ليست نهاية الحكاية.

مصدر الصورة: ناسا


 

إنّ إحدى الطرق السهلة للتفكير في إنتروبيا الثقوبِ السوداء، هي بافتراضِ أنّ الإنتروبيا تمثل الخسارة في الطاقة الحرّة (الطاقة المتوفرة للقيام بعمل) من النظام. وليس من الضروريّ القول بأن أيّ شيءٍ تُلقيه داخل ثقبٍ أسود سيصبحُ غير مجدٍ للقيام بأي شيء في هذا الكون المترامي الأطراف.

من الطرق السهلة للتفكير في القانون الثاني للديناميكا الحرارية -وهو الذي يشرح مفهوم الإنتروبيا-، هو اعتبار أن الحرارة لا يمكنُها أن تتدفّق من مكانٍ بارد إلى آخر ساخن، وإنما تتدفّقُ في الاتجاه المعاكس، أي من الساخن إلى البارد. وكنتيجةٍ لذلك، فإنَّ أيَّ نظام معزول (isolated system) ينبغي له في النّهاية أن يحقق حالة من التوازن الحراري (thermal equilibrium). أو ببساطة، فإنتروبيا أيّ نظام معزول تميلُ للزيادة مع الزمن، بحيث تصل إلى أعلى قيمة لها عندما يتحقّق التوازن الحراري للنظام.

عند التعبير عن الإنتروبيا رياضياً، هي قيمة قابلة للحساب وتميل للزيادة عبر الزمن. ففي سبعينيات القرن العشرين، وَصَف جاكوب بيكنشتاين Jacob Bekenstein إنتروبيا الثقب الأسود بأنَّها معضلةٌ فيزيائية!. لا شك في أنّ بيكنشتاين تمكن من شرحها بطريقة أفضل مما فعلتُ أنا، ولكنّي أعتقد أنّ الفكرة هي أنها لو تمكنت فجأةً من نقل نظام يمتلك قيمة إنتروبيا معروفة عبر أفق الحدث للثقب الأسود، فإنه سيصبح نظاماً غير قابل للقياس كما لو أن الإنتروبيا الخاصة به قد تلاشت. إن هذا يعتبر بمثابة انتهاك للقانون الثاني للديناميكا الحرارية، حيث أن إنتروبيا النظام ينبغي لها في أحسن الأحوال أن تبقى ثابتة أو تزيد في كثيرٍ من الأحيان، ولا يمكنها أن تنخفض بسرعة كذلك!.

لذا فإن أفضل طريقة للتعامل مع هذا الموضوع، هو الإقرار بأنه في حال تمَّ وضع نظام يمتلك إنتروبيا داخل الثقب الأسود، فإن إنتروبيا هذا النظام ستنتقل إلى الثقب الأسود! وهذا يُعتبر سبباً آخر في اعتبار الثقب الأسود يمتلك إنتروبيا عالية جداً.

ثم نأتي إلى مسألةِ المعلومات، تعتبر الجملة: "الثعلب البنّي السريع قفز فوق الكلب الكسول" بحد ذاتها نظاماً هندسياً عالياُ ذا مستوى إنتروبي منخفض. في حين أن وضع الأحرف الست والعشرين من مجموعة لعبة السكرابل (لعبة تتكون من قطع خشبية صغيرة تحوي كل واحدة منها على حرف ابجدي) سوف يكون شكلاً منظماً ولكنّه عشوائيّ مع مستوى عالٍ من الإنتروبيا و من نسبة الارتياب! (لدرجة أنّه يمكن أن يكون ملياراً من الاحتمالات الممكنة).

ألقٍ بقطع لعبة السكرابل داخل ثقب أسود، عندئذٍ سوف تحمل أي قيمة من الإنتروبيا التي بدأت بها، حيث من المرجح أنها تزداد أيضاً داخل الثقب الأسود. في الواقع، من المرجح أن قطع لعبة السكرابل لن تضطرب وحسب، بل سيتمُّ سحقها لتتحول إلى أجزاءَ صغيرةٍ جداً داخل الثقب الأسود.

الآن، هناك قاعدةٌ أساسية في ميكانيكا الكم تتضمّن عدم إمكانية تدمير أو فقدان المعلومات، وفي الحقيقة فإنها أقرب إلى مفهومِ التوابع الموجية من مفهوم قطع لعبة السكرابل!. فلن تتنهك قاعدة حفظ المعلومات عندما تلقي بالقطع داخل الثقب الأسود، فمعلومات القطع ستنتقل إلى الثقب الأسود بدلاً من أن يتم فقدانها، وحتى إن تم سحقُ القطع لأجزاء صغيرة جداً فالمعلومات ستبقى موجودةً هناك بشكل ما، وهذا أمر مقبول علمياً.

ولكن هناك مشكلة، بعد مرور عدد (googol) (أي ما يعادل عشرة مرفوعة للقوة مئة) أو نحو ذلك من السنين سيتلاشى الثقب الأسود بتأثير إشعاع هوكينج (Hawking radiation) الذي ينشأ نتيجةَ حدوث تقلبات كمومية في أفق الحدث للثقب الأسود، ولا يملك ارتباطاً سببياً واضحاً مع محتويات الثقب الأسود.

شرح كيفية تكون إشعاع هوكينج، يحدث تقلب كمي بالقرب من أفق الحدث للثقب الأسود مما يؤدي إلى إنتاج جسيمات وجسيمات مضادة. تدخل الجسيمات المضادة إلى الثقب الأسود ويتم تدميرها هناك عندما تتصادم مع جسيمات المادة العادية، الجسيمات المتبقية من هذا التصادم تصبح طليقة لتنضم إلى جزء آخر في الكون خارج الثقب الأسود.بالنسبة لمراقب خارجي، يبدو الثقب الأسود وكأنه قد فقد جزءاً من كتلته وقام بإشعاع جسيمات. وعبر الوقت، قد تؤدي هذه العملية إلى تلاشي الثقب الأسود.حتى الآن، هذا تفسير جيد، ولكن لا توجد أدلة على ذلك، ومع دعنا نرى. مصدر الصورة:ناسا
شرح كيفية تكون إشعاع هوكينج، يحدث تقلب كمي بالقرب من أفق الحدث للثقب الأسود مما يؤدي إلى إنتاج جسيمات وجسيمات مضادة. تدخل الجسيمات المضادة إلى الثقب الأسود ويتم تدميرها هناك عندما تتصادم مع جسيمات المادة العادية، الجسيمات المتبقية من هذا التصادم تصبح طليقة لتنضم إلى جزء آخر في الكون خارج الثقب الأسود.بالنسبة لمراقب خارجي، يبدو الثقب الأسود وكأنه قد فقد جزءاً من كتلته وقام بإشعاع جسيمات. وعبر الوقت، قد تؤدي هذه العملية إلى تلاشي الثقب الأسود.حتى الآن، هذا تفسير جيد، ولكن لا توجد أدلة على ذلك، ومع دعنا نرى. مصدر الصورة:ناسا


حالياً، التفسير الأكثر قبولاً لهذه المسالة هو المبدأ الهولوغرافي (holographic principle) الذي ينصُّ على أنّ أي شيءٍ يدخل الثقبَ الأسود سيترُك بصمتَه في أفق الحدث خاصته. لذا فإن المعلومات عن كامل محتويات الثقب الأسود، يمكن أن تُستَمد من سطح أفق الحدث. وأيّ إشعاع هوكينج لاحق سيُؤثر في هذه المعلومات على المستوى الكمّي بحيث ينجح هذا الإشعاع في حمل المعلومات إلى خارج الثقب الأسود بعدما يتلاشى هذا الثّقب.

يُقدم زانغ إيت آل Zhang et al تفسيراً آخراً لذلك، يقترح فيه أنّ إشعاع هوكينج يقوم بحمل إنتروبيا الثقب الأسود خارجاً عن طريق ظاهرة النفق الكمي (quantum tunneling)، لذا فانخفاض الإنتروبيا يعني انخفاض نسبة الارتياب، وهذا يمثل بما معناه كسباً كاملاً للمعلوماتِ الخارجةِ من الثقبِ الأسود. فإن إشعاع هوكينج لا يحمل إنتروبيا الثقب الأسود وحسب، بل يحمل معه المعلوماتِ كذلك إلى خارج الثقب الأسود!

ولكن، هل يعطي هذا بشكلٍ أو بآخر تفسيراً مقنعاً بدلاً من تفسير مبدأ الهولوغرام؟ حقيقةً، لا يزال الأمر غير مؤكد.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • النفق الكمومي (quantum tunneling): يُشير هذا المصطلح إلى ظاهرة كمومية يُمكن من خلالها للجسيمات عبور حاجز لا يُمكنها عبوره في الفيزياء الكلاسيكية.
  • إشعاع هوكينغ (Hawking radiation): نظرية اُقترحت للمرة الأولى من قبل الفيزيائي البريطاني ستيفن هوكينغ. تنص هذه النظرية على أنه نتيجةً لاجتماع مزيج من الخواص الكوانتية مع الثقالية، يُمكن للثقوب السوداء، عند ظروف معينة، أن تُصدر إشعاعاً. المصدر: ناسا

اترك تعليقاً () تعليقات