هل يمكن لشيءٍ الهروبُ من ثقبٍ أسود ؟

عرضٌ يحاكي ثقباً أسود من أمام سحابة ماجلان.
ملكية الصورة: Alain R. | Wikimedia Commons.. فكلما كان تحرك الجسيم/ الموجة أبطأ، كان الطول الموجي أطول.


الثقوب السوداء هي أكثر الأشياء سواداً في كوننا، وبسبب جاذبيتها الهائلة الحانية لنسيج الزمكان، فكل ما يهوي بداخلها يتمزق على الفور ويضيع إلى الأبد. لم يرَ العلماء ثقباً أسودَ قط، ذلك لأن لا شيء -ولا حتى الضوء- يستطيع الهروب منها. حسناً، تقريباً لا شيء.


هنا على الارض، يتعلّم طلّاب ميكانيكا الكم المبتدئون أن في العالم دون الذري لاشيء مستحيل، فالجسيمات الأولية (مثل الفوتونات والإلكترونات) ليست مثل كرات المطاط التي ترتد عند قذفها على الجدار، فهي تشبه الأشباح نوعاً ما. تعمل هذه الحواجز على المحافظة على هذه الجسيمات الشبحية ضمن منطقة معينة، ولكن ستمرُّ هذه الجسيمات أحيانا من خلال تلك الحواجز، ويسمى هذا السلوك الغريب بـ"النفق الكمومي" (quantum tunneling)، فلا يوجد شيءٌ يستعصي عليها ولا حتى الثقوب السوداء.


الزّحف خارج الثّقوب:


وفقاً لعالِم الفيزياء الفلكية من جامعة كولورادو أندو هيميلتون Andew Hamilton، فإن أفق حدث الثقب الأسود يمثل حاجزاً لا يقهر بالنسبة لنا كبشر، بل وأيضاً لأي شيء آخر أكبر من حجم الذرة.


ولكن من حينٍ لآخر، تتمكن الجسيمات دون الذرية من المرور عبره. وبالتالي يُعتقد أن جميع الثقوب السوداء تبعث وميضاً خافتاً، يُسمّى "إشعاع هوكينغ" (Hawking radiation) نسبةً إلى ستيفن هوكينغ، عالم الفيزياء الذي وضع نظريةً تثبت وجود هذا الإشعاع لأول مرةٍ في سبعينيات القرن الماضي.

وقد أخبر هاميلتون موقع Life's Little Mysteries قائلاً: "تقليدياً، من المستحيل أن يتمكن أي إشعاعٍ من النّفاذ من ثقبٍ أسود. داخل أفق الحدث، ينحني نسيج الفضاء ساقطاً بسرعةٍ أكبر من سرعة الضوء، لذلك لا يمكن لأي شيءٍ أن ينبثق منه دون السفر بسرعةٍ أكبر من سرعة الضوء في الاتجاه المعاكس. لكن وفقاً لميكانيكا الكم، فمن الممكن أن ينبثق شيءٌ من الداخل عبر نفقٍ كموميّ". لكن هذا الأمر يتطلب ظروفاً خاصةً جداً.

فضلاً عن النفق الكمومي، فإن ميكانيكا الكم تسمح للجزيئات بالظهور بشكل عشوائي من العدم . في الواقع، هذه "الاهتزازات الكمومية" تحدث طوال الوقت بحيث تنشأ أزواج من الجسيمات والجسيمات المضادة تلقائياً من الفراغ (وهي في الغالب تدمر نفسها مباشرةً).

حتى تتمكن الجسيمات من الهروب من الثّقب الأسود، يجب أن تحدث اهتزازاتٌ كمومية بالقرب من حافة الثقب الأسود. وعند حدوث ذلك، تتمكن أحياناً إحدى هذه الجسيمات من النفاذ عبر نفقٍ كمومي قبل أن تُبيد الجسيمات والجسيمات المضادة بعضها البعض، أما الجسيم النظير فيتعرض لتأثير التمدُّد المعروف باسم "المعكرونية" (spaghettified) من قِبل الثقب الأسود، متمدداً حتى يغوص في المركز. 

من أجل أن يحدث هذا الانفصال الدرامي، يجب على الجسيمات التي نتجت من الاهتزازات الكمومية أن تتمتع بموجاتٍ طويلةٍ جداً. على قدر ما يبدو هذا غريباً، فإن ميكانيكا الكم تخبرنا بأن جميع الجسيمات، كما نشير إليها عادةً، هي موجاتٌ أيضاً وبالتالي فهي تمتلك أطوالاً موجية تصف المسافة بين قممها المتعاقبة، فكلما كان تحرك الجسيم/ الموجة أبطأ، كان الطول الموجي أطول.

ويقول هاميلتون: "إن الجسيمات المُنتَجة بواسطة الاهتزازات الكمومية والتي تتمتع بأطوالٍ موجية قابلة للمقارنة مع حجم الثقب الأسود، تستطيع النفاذ عبر نفقٍ كمومي، وذلك بسبب عدم إمكانية حصرها، إنها غامضة"، فهي كالأشباح، حيث أن طول أمواجها يجعل منها حرةً للتجول في المجالات التي تمتدّ لما بعد حدود الثقب الأسود. 


وقال هاميلتون: "يتمتع إشعاع هوكينغ بطول موجي مميَّز والذي يُقارَن بحجم أفق حدث الثقب الأسود. في حالة الثقب الأسود الموجود في مركز مجرتنا درب التبانة، فإن الجسيمات التي تنفذ من خلال النفق الكمومي، تتمتّع بموجاتٍ أطول بـ 14 مرة تقريباً من نصف قطر شمسنا. بالنسبة للثقوب السوداء الهائلة، يجب أن تتمتع الجسيمات بموجاتٍ بطول مليارات الشموس من أجل الخروج عبر نفقٍ كمومي.

الخفوت الشديد:


كما قد تكون أدركت، فإنه لا يوجد قدرٌ كبيرٌ من الجسيمات التي تتلاءم مع المعايير اللازمة للهروب من الثقوب السوداء. يقول هاميلتون: "حتى ألمع الثقوب السوداء (والتي هي أصغرها، وذلك لأنها تتمتع بجاذبيةٍ أضعف نسبياً، وبالتالي تسمح للمزيد من الجسيمات بالهروب) هي ثقوبٌ خافتة جداً بإشعاع هوكينج. 
إن سطوع إشعاع هوكينج المنبعث من ثقبٍ أسود صغير بحجم 30 شمس يساوي فقط واحداً من مليار تريليون تريليون سطوع مصباحٍ كهربائي بسعة 100 واط.

لم ينجح العلماء حتى الآن برصد إشعاع هوكينغ وذلك بسبب انغماره التام بفعل ضوء الأجسام اللَّامعة الأُخرى في الفضاء. على الرغم من ذلك، فإن العلماء متأكدون من وجوده. يقول هاميلتون: "يعتبر إشعاع هوكينج أحد أقوى توقعات الجاذبية الكمومية".
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • النفق الكمومي (quantum tunneling): يُشير هذا المصطلح إلى ظاهرة كمومية يُمكن من خلالها للجسيمات عبور حاجز لا يُمكنها عبوره في الفيزياء الكلاسيكية.
  • إشعاع هوكينغ (Hawking radiation): نظرية اُقترحت للمرة الأولى من قبل الفيزيائي البريطاني ستيفن هوكينغ. تنص هذه النظرية على أنه نتيجةً لاجتماع مزيج من الخواص الكوانتية مع الثقالية، يُمكن للثقوب السوداء، عند ظروف معينة، أن تُصدر إشعاعاً. المصدر: ناسا
  • معهد أبحاث الفضاء في روسيا، و هو تابع لأكاديمية العلوم الروسية. (IKI): معهد أبحاث الفضاء في روسيا، و هو تابع لأكاديمية العلوم الروسية.

اترك تعليقاً () تعليقات