ما هي الثقوب السوداء، ونصف قطر شفارتزشيلد؟

حيكت الكثير من الأساطير والقصص حول الثقوب السوداء، وكثير من تلك القصص خلّدتها هوليود للأبد، وصورها التلفاز والأفلام على أنها أنفاقٌ للسفر عبر الزمن إلى بُعد آخر، إضافة إلى تصويرها كمكانسٍ كونية تبتلع كل شيء في الأفق، والكثير الكثير. لكن القول الحق هو أن الثقوب السوداء ماهي إلا مجرد "نقطة النهاية التطورية للنجوم الضخمة".

مع ذلك، فإن هذا التفسير البسيط لا يجرد الثقوب السوداء من غموضها، ولا يجعل منها مادة سهلة للفهم والدراسة.

 

  • ما هي الثقوب السوداء؟
الثقوب السوداء هي نقطة النهاية التطورية لنجوم تملك كتلاً تفوق كتلة الشمس بمقدار يتراوح بين 10 و15 مرة على الأقل. فإذا خضع نجم بتلك الضخامة والكبر لانفجار سوبرنوفا تاركاً خلفه بقايا نجمية محترقة وهائلة، ومع عدم وجود أية قوى خارجية لمقاومة قوة الجادبية، فإن بقاياه ستنهار على نفسها، وفي نهاية المطاف ينهار النجم إلى نقطة بحجم الصفر، وكثافة لامتناهية، مُشّكِلاً ما يعرف بـ "المتفرد المركزي" (Singularity). 
 

يُحيِط بذلك المتفرد المركزي منطقة لها قوة جاذبية كبيرة جدًا، حتى أن الضوء لا يمكنه أن يهرب منها، ولهذا لا يمكن أن تصلنا أية معلومة من هذه المنطقة. ولذا يُطلق عليها "الثقب الأسود". ويُسمى سطحه بأفق الحدث (Event horizon).

 

ولكن خلافًا للأساطير، فإن الثقب الأسود ليس بمكنسة كونية! فإذا استُبدِلت شمسنا فجأة بثقب أسود له نفس كتلة الشمس، فلن يحدث أي تغيير فيما يخص دوران الأرض حول الشمس، ولكن بالطبع ستتغير درجة حرارة الأرض، ولن يكون هناك أي رياح شمسية أو عواصف مغناطيسية شمسية تؤثر علينا. 

 

فحتى يبتلع الثقب الأسود جُرماً ما، يجب على ذلك الجرم أن يعبر داخل "نصف قطر شفارتزشيلد" (Schwarzschild radius)، والذي تصبح سرعة الإفلات فيه مساوية لسرعة الضوء، حتى إن الضوء نفسه لا يمكنه الهروب.

ويمكن حساب نصف قطر شفارزشيلد باستخدام معادلة الإفلات التالية:

Vesc = (2GM/R)^1/2

 

بالنسبة للفوتونات والأجسام عديمة الكتلة، يُمكننا تعويض C (سرعة الضوء) بـ Vesc وإيجاد نصف قطر شفارتزشيلد R ليصبح بذلك:
R = 2GM/c^2

 

إذا تم استبدال الشمس بثقب أسود له نفس كتلتها، فإن نصف قطر شفارتزشيلد سيكون 3 كيلومتر (مقارنة مع قطر الشمس الذي يساوي تقريباً 700000 كم)، وبالتالي سيتوجب على الأرض أن تقترب جدًا من الثقب الأسود في مركز نظامنا الشمسي ليتم ابتلاعها.

 

  • إذا كنّا لا نستطيع رؤيتها، فكيف علمنا بوجودها؟

بما أن الثقوب السوداء النجمية صغيرة -لا يتعدى قطرها بضع أو عشرات من الكيلومترات- وبما أن الضوء الذي يسمح لنا برؤيتها لا يستطيع الإفلات منها، فإنه سيكون من الصعب (إن لم يكن مستحيلاً) رؤية ثقب أسود يتحرّك في الفضاء بمفرده عن طريق الطيف المرئي.

 

ومع ذلك، فإذا مرّ الثقب الأسود عبر سحابة من المادة بين-النجمية ( Interstellar medium ISM)، أو بالقرب من نجم ''عادي'' آخر، يمكن حينها للثقب الأسود أن يُراكم المادة فوقه ليتم سحبها نحو الثقب الأسود، وبذلك تكسب طاقة حركية مع ارتفاع درجات الحرارة، وتُضغَط بواسطة القوى المدية. يؤدي الإرتفاع فى درجة الحرارة إلي تأين الذرات، وعندما تصل درجة حرارة الذرات إلى بضعة ملايين كلفن، تنبعث منها الأشعة السينية (X- rays). يتم إرسال الأشعة السينية إلى الفضاء قبل أن تعبر المادة نصف قطر شفارتزشيلد وتتهشم في المتفرد المركزي، ولهذا يمكننا أن نرى تلك الانبعاثات الخاصة بالأشعة السينية.

 

تُعتبر مصادر الأشعة السينية الثنائية أماكناً لإيجاد مرشحين أقوياء ليكونوا ثقوب سوداء. إذ يُمثل النجم المرافق (Companion Star) مصدراً مثالياً للمواد الساقطة داخل الثقب الأسود، كما يسمح لنا النظام الثنائي بحساب كتلة الأجرام المرشحة كثقب أسود. وعند إيجاد الكتلة، فإننا نستطيع تحديد ما إذا كان المرشح نجمًا نيوترونيًا أو ثقبًا أسود، علماً أن النجوم النيوترونية لها دائمًا كتل تعادل حوالي 1.5 من كتلة الشمس. 

 

إشارة أُخرى على وجود الثقب الأسود، هي التقلبات العشوائية في إصدار الأشعة السينية. لا تسقط المادة الساقطة داخل الثقب الأسود بمعدل ثابت، بل تسقط بشكل أكبر وبصورة متقطعة، مما يسبب اختلافًا ملحوظا في شدة انبعاث الأشعة السينية. وإضافة إلى ذلك، إذا كان مصدر الأشعة السينية من نظام ثنائي ونحن نراه من زاوية معينة، فإن الأشعة السينية ستتقطع بشكل دوري، إذ يُحجب مصدرها من قِبَل نجم مرافق. وعند البحث عن مرشح كثقب أسود، تُؤخذ كل هذه الأمور بعين الاعتبار.

 

قامت العديد من الأقمار الاصطناعية بمسح السماء مسحاً ضوئياَ بحثاَ عن مصادر الأشعة السينية التي قد تكون مرشحة كثقب أسود. ويُعتبر نجم الدجاجة (Cygnus X-1) أقدم مرشح لأن يكون ثقباً أسوداً تمت معرفته، وهو مصدر متغير بدرجة كبيرة وغير منتظمة في انبعاث الأشعة السينية، حيث يتوهج مئات المرات في الثانية الواحدة (لا يمكن لأي جرم أن يتوهج أسرع من الوقت اللازم لتحرك الضوء عبره، إذا علمنا بأن الضوء يتحرك بسرعة 300 ألف كم في الثانية). 

 

قطر هذا الجرم يساوي ربع قطر الأرض، إذن فالمنطقة التي تنبعث منها الأشعة السينية حول نجم الدجاجة صغيرة نوعا ما، وعلى ذلك فله نجم مرافق (HDE 226868) وهو عملاق من نوع B0 بدرجة حرارة سطح تقارب 31000 كلفن. أظهرت المراصد الطيفية أن الخطوط الطيفية لـ (HDE 226868) تتذبذب كل مدة تتراوح من 5 إلى 6 أيام، وانطلاقًا من علاقة الكتلة واللمعان، فقد تم حساب كتلة هذا العملاق، والتي هي أكبر بـ 30 مرة من كتلة الشمس. 

 

أي إنه يجب أن تكون كتلة Cyg X-1 تعادل كتلة سبع شموس مجتمعة، أو أنها لن تمارس ما يكفي من الجاذبية للتسبب في الخطوط الطيفية لـ (HDE 226868). وتقول تقديرات أُخرى أن كتلة (Cyg X-1) تقدر بـ 16 ضعف كتلة الشمس، وبما أن كتلة 7 شموس كبيرة جدًا كي تكون قزمًا أبيضًا أو نجماً نيوترونيًا، لذلك فإن (Cyg X-1) ما هو إلا ثقبٌ أسود بالضرورة.

 

يوجد الآن حوالي 20 من ثنائيات الأشعة السينية (اعتبارًا من 2009) مع ثقوب سوداء معروفة (انطلاقًا من قياسات كتلة الثقب الأسود). ويُسمى المصدر الأول لأشعة إكس بينها بـ (A0620-00). وقد اُكتُشِف سنة 1975، وتم تحديد كتلة هذا الجسم المضغوط في منتصف عام 1980 لتكون أكبر من كتلة الشمس بـ 3.5 مرة. وبشكل واضح، يستثنى النجم النيوتروني من ذلك، حتى مع الأخذ بعين الاعتبار جميع الارتيابات النظرية المعروفة، إذ إن لديه كتلة تساوي تقريباً 1.5 ضعف كتلة الشمس.

 

تعتبر أفضل حالة لثقب أسود على الأرجح  (V404 Cygni)، فهذا النجم المضغوط لا تقل كتلته عن كتلة 10 شموس، إضافة إلى وجود 20 من ثنائيات الأشعة السينية التي يُحتمل أن تحوي ثقوبًا سوداء، فسلوكها يُوافق سلوك الثقوب السوداء، إلا أن قياس الكتل لم يكن ممكنًا.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • نصف قطر شفارتزشيلد (Schwarzschild radius): هو المسافة المحيطة بمركز جرم عظيم الكتلة - بافتراض أن جميع مادة الجرم مركّزة ومنضغطة في نقطة المركز- والتي تصبح عندها سرعة الإفلات مساوية لسرعة الضوء. فعند مسافة أطول من نصف قطر شفارتزشيلد، يمكن لجسيم سرعته مقاربة لسرعة الضوء الإفلات من الجرم عظيم الكتلة، أما إذا كان الجسيم على مسافة أقصر من نصف قطر شفارتزشيلد فلا يمكن له الافلات من الجرم، وحتى الضوء لا يستطيع حينها القيام بذلد. ولذلك يُسمى الجرم (الجسم) في هذه الحالة ثقبًا أسودا.
  • الوسط بين-النجمي (Interstellar Medium): هو الغاز والغبار الموجودان في الفضاء الكائن بين النجوم. يملأ هذان المركبان مستوى المجرة، بشكلٍ مشابه لما يقوم به الهواء من ملء للعالم الذي نعيش فيه. ولقرون خلت، اعتقد العلماء أن الفضاء الكائن بين النجوم فارغ. لكن، مع مجيء القرن الثامن عشر، و عندما رصد ويليام هيرتشيل الأجزاء السديمية من السماء بوساطة تلسكوبه، تم إعطاء هذا التعبير بشكلٍ جدي للدلالة على الفضاء الكائن بين النجوم، بالإضافة إلى الانتباه إلى ضرورة دراسته، وبحلول القرن الماضي، اقترحت المراقبات الخاصة بالفضاء بين-النجمي أنه لا يتوزع بشكلٍ متجانس أبداً على طول الفضاء، و إنما يمتلك بنية فريدة من نوعها. المصدر: ناسا
  • أفق الحدث (Event horizon): هي بعدٌ معين عن الثقب الأسود لا يمكن لأي شيء يقطعه الإفلات من الثقب الأسود. بالإضافة إلى ذلك، لا يُمكن لأي شيء أن يمنع جسيم ما من صدم المتفرد الذي يتواجد لفترة قصيرة جداً من الزمن بعد دخول الجسيم عبر الأفق. ووفقاً لهذا المبدأ، فأفق الحدث عبارة عن "نقطة اللاعودة". انظر نصف قطر شفارتزشيلد. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات