الثقوب السوداء وأنت: نصف قطر شفارتزشيلد

من السهل ربما على الشخص أن يشعر بمقدار ضآلته في هذا الكون. بعد كل ذلك، نحن عبارة عن مخلوقات صغيرة تحيا ضمن صخرة صغيرة نسبياً تقوم بالدوران حول واحد من بين العديد من مليارات النجوم الموجودة داخل العديد من مليارات المجرات. على أية حال، في المرة القادمة التي تجد فيها نفسك تعاني من هذه المعضلة، حاول أن تأخذ لحظة وفكر بهذه الحقيقة البسيطة، لكن المذهلة أيضاً: أنت مصنوع من المادة. وحتى نكون أكثر تحديداً، أنت مصنوع من الذرات. 

 

في حين أن العديد من الكتّاب، مثل كارل ساغان، عملوا على دراسة الاتصال العميق بين ذراتنا وبين النجوم، سأقوم أنا بدلاً عن ذلك بالتحدث عن ميزة فلكية مختلفة. هي أقل وضوحاً، لكن الاتصال الموجود معها ليس أقل حقيقيةً: الثقوب السوداء. 

 

على أية حال، وقبل أن أكون قادراً على شرح صلتنا بالثقوب السوداء، أشعر أنه من الضروري أن نراجع بعض المبادئ الأساسية للطبيعة. سمع الجميع تقريباً عن الثقوب السوداء. ويعرف العديد من الناس أنها عبارة عن آبار ثقالية، لا يمكن لأحد حتى الضوء الهروب منها. على أية حال، ما لا يعرفه الكثير من الناس، هو أن كل شيء تقريباً يمكن أن يكون ثقباً أسوداً. ذلك صحيح، أي شيء (أنت، وأنا، والبيتزا، وقطة صغيرة –أيُّ شيء.) يمكن أن يصبح ثقباً أسوداً. يعود هذا الأمر إلى ميزة مهمة تتمتع بها الذرات: لدى الذرات الكثير من الفضاء الفارغ.

 

في مركز الذرة توجد نواتها، وتتألف هذه النواة من البروتونات والنترونات. يُحيط بالنواة سحابة الكترونية. لنضع كل ذلك بشكل يمكننا تخيله: إذا ما أردنا تصور حجم الذرة، لنفرض أن لنواتها حجم كرة السلة، عندها سيكون للإلكترون الذي يدور حولها مداراً يبلغ حوالي 3 كيلومتر (1.8 ميل) من حيث القطر. تذكّر، كل الذرات تمتلك هذا الفضاء الفارغ –بما فيها تلك التي تُكونك. إذا ما أردنا إزالة كل الفضاء الفارغ الموجود في كل الذرات التي تؤلف الجنس البشري، عندها يمكن وضع كل الجنس البشري في منطقة بحجم مكعب سكر. 

 

الآن، تخيّل أننا سنقوم بأخذ جسم ومن ثمّ ضغطه في فضاء صغير جداً بحيث أن سرعة الإفلات منه (السرعة التي يحتاجها الجسم من أجل التحرر من الجذب الثقالي الهائل للجسم) أكبر من سرعة الضوء. ماذا سيحدث؟ 

 

سيصبح الجسم ثقباً أسوداً. تبدو هذه الفكرة قوية في البداية. بعد كل ذلك، يُعتقد بأن الثقوب السوداء عبارة عن مكانس فراغية كونية عملاقة، وتقوم بامتصاص كل شيء في جوارها على الرغم من أن الحالة ليست كذلك. بسبب طبيعة المادة الممتلئة أصلاً بالفراغ، يمكن أن تكون الثقوب السوداء صغيرة جداً، جداً. في الحقيقة، يمكنك أن تصبح ثقباً أسوداً! 

 

بالطبع، عليك أن تقوم بضغط نفسك ضمن كرة صغيرة جداً، تأخذ هذه الكرة بعين الاعتبار المتطلب الأساسي الذي تحدثنا عنه في الأعلى والذي يتعلق بسرعة الإفلات، ولستُ متأكداً بأن هذا الوضع سيكون أحد أشكال الوجود المريحة. 

 

لكن ما هو مقدار الصغر الذي ستكون عليه هذه الكرة؟ في العام 1915، قام فيزيائيٌ ألماني هو كارل شفارتزشيلد بحل هذه المشكلة خلال عمله على معادلات الحقل لآينشتاين، وهي المعادلات الموجودة في النسبية العامة. في عمله، قدم شفارتزشيلد لنا معادلةً يمكنها أن تخبرك مقدار نصف قطر الكرة الذي يجب أن يتمتع به جسم ما من أجل أن يتم "سَحقه" ليصبح بمرتبة حجم مناسبة ليصبح ثقباً أسوداً. ليس الأمر معقداً كما يبدو، فالمعادلة في الواقع بسيطة جدا: 

Rs = 2GM/c^2

 

حيث “Rs” عبارة عن نصف قطر شفارتزشيلد، و“G” هو ثابت نيوتن للجاذبية، و“M” هي الكتلة، و“c” سرعة الضوء. إذا ما أردت إيجاد نصف قطر شفارتزشيلد الخاص بك، ببساطة استبدل قيمة M بكتلتك مأخوذة بواحدة الكيلوغرام. بافتراض أن الحسابات جرت بشكل صحيح، ستكون النتيجة عبارة عن نصف قطر شفارتزشيلد. قم إذاً بسحق نفسك ضمن كرة لها نصف قطر شفارتزشيلد الخاص بك، وهوب! ستصبح ثقباً أسوداً. 

 

الآن، أن تصبح ثقباً أسوداً لا يعني أنك ستقوم بشكل مفاجئ بامتصاص كل شيء حولك. فكتلتك لم تتغير ولو قليلاً، لذلك فإن تأثيرك الثقالي على محيطك سيكون هو نفسه. على سبيل المثال، إذا ما أصبحت الشمس وبشكل مفاجئ ثقباً أسوداً، ستستمر كل الكواكب بالدوران حولها تماماً كما تفعل الآن، لأنها ليست ضمن أفق الحدث الخاص بالشمس، الذي هو في الواقع نصف قطر شفارتزشيلد –نصف قطر أفق الحدث لجسم ( ‘‘نقطة عدم الرجوع‘‘ حيث لا يمكن لأي جسم تخطاها أن يعود ليهرب منها). أكثر من ذلك، هذه المنطقة عبارة عن منطقة من المكان-الزمان، لا يمكن للأحداث داخلها أن تؤثر على الأجسام في الخارج. 

 

عندما يتم القول بأن لا شيء يمكنه الإفلات من ثقب أسود، فإن القول الأكثر دقة في الحقيقة هو التالي "لا يمكن لشيء الإفلات من ثقب أسود بعد أن يعبر أفق الحدث". لذلك، إذا ما حصلت مشكلة وجودية، انظر عالياً في السماء. تعرّف إلى ارتباطنا الوثيق مع روائع كوننا، تلك التي يمكن –والأخرى التي لا يمكن-رؤيتها. وكما عبّر نيل ديغراس تيسون عن ذلك ببلاغة: "ذلك يجعلني ابتسم وفي الواقع أشعرُ بكبرٍ شديد في النهاية. لا يتعلقُ الأمرُ بكوننا أفضل من الكون. نحنُ جزءٌ من الكون. نحنُ في داخلِ الكون والكونُ في داخلنا".

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات