الأشباح النجمية لفهم أصولنا

يغطي سماءنا بحرٌ من الأشباح النجمية، كل الأشباح المحتملة التي ماتت منذ ملايين السنين وصولاً إلى هذا الوقت لا نعرفها حتى. هذا ما سنناقشه اليوم، ماذا حدث لأضخم نجومنا، وكيف أثرت بشكلٍ كبيرٍ على بنية الكون الذي نعيش فيه.

نبدأ هذه الرحلة برصد سديم السرطان، الذي تمتد ألوانه الجميلة خارجاً في الفراغ المظلم، ينطوي هذا المدفن السماوي على حدث عنيف حصل منذ ملايين السنين. تصل وتنفض الغبار عن معصمك، وتبدأ بإرجاع الوقت إلى البداية، وتشاهد هذه السدم الجميلة تبدأ بالانكماش. 

تبدأ ألوان السديم بالتغير أثناء رجوع عقارب الساعة إلى الوراء، وتلاحظ أنها تنكمش إلى نقطة مفردة، وعندما يصل التقويم إلى 5 تموز/يوليو 1054 تضيء السحابة الغازية وتستقر في نقطة مفردة في السماء مشرقةً بقدر إشراق بدرٍ يمكن رؤيته في وضح النهار. يتلاشى السطوع في نهاية المطاف ويستقر كنقطة من الضوء، نجم لا نراه اليوم، مات النجم لكننا لا نعلم بذلك. بدا هذا النجم والنجوم الأخرى إلى المراقب قبل هذا التاريخ أزليةً، أما الآن، نحظى بأفضل إمكانية رصد ونعرف أن هذا النجم على وشك أن يتحول إلى مستعرٍ فائقٍ، وأنه يولد واحداً من أكثر السدم إثارةً نرصده اليوم.

 

سديم السرطان، نواته نجم ميت منذ الأزل. حقوق الصورة: NASA, ESA, J. Hester and A. Loll (Arizona State University)
سديم السرطان، نواته نجم ميت منذ الأزل. حقوق الصورة: NASA, ESA, J. Hester and A. Loll (Arizona State University)


إن الأشباح النجمية طريقة مناسبة لوصف العديد من النجوم الضخمة التي نراها منتشرةً في أنحاء الكون، لكن الشيء الذي لا يدركه الكثيرون أنّه عندما ننظر بعيداً في الكون فنحن لا ننظر فقط عبر مسافاتٍ شاسعةٍ إنما ننظر عائدين في الزمن. واحدة من الخصائص الأساسية للكون هي أننا نعلم تماماً أن الضوء ينتقل بسرعةٍ محددةٍ تساوي تقريباً 300 مليون متر في الثانية (حوالي 617000000 ميل في الساعة)، وقد حددت هذه السرعة عن طريق العديد من الاختبارات الدقيقة والبراهين المادية. في الواقع، فهم هذا الثابت الأساسي هو مفتاحٌ لمعظم ما نعرفه عن الكون، وخصوصاً فيما يتعلق بالنسبية العامة وميكانيكا الكم.

رغم ذلك، إن معرفة سرعة الضوء هي المفتاح لفهم ما أعني بالأشباح النجمية. كما تلاحظ، فالمعلومات تنتقل بسرعة الضوء، فنحن نستخدم الضوء القادم من النجوم لرصدها وبالتالي فهم كيفية عملها. 

من الأمثلة الواضحة لهذا الفارق الزمني هي شمسنا، فهي بعيدة حوالي 8 دقائق ضوئية تقريباً، ما يعني أن الضوء الذي نراه منها يستغرق ثماني دقائق للقيام بالرحلة من سطحها إلى عيوننا على الأرض. وفي حال اختفت شمسنا فجأة، فلن نعرف بذك إلا بعد 8 دقائق، وهذا لا يتضمن فقط الضوء الذي نراه، إنما حتى التأثير الثقالي الذي يُطبَّق علينا. لذلك إذا زالت شمسنا الآن، سنستمر في مسارنا المداري حول نجمنا الغير موجود لمدة 8 دقائق قبل أن تصل المعلومات الثقالية إلينا وتخبرنا أننا لم نعد مقيدين بالثقالة.

هذا يشير إلى حدود سرعتنا الكونية التي تصل بها المعلومات، وهذا يعني أن كل شيء نرصده عميقاً في الفضاء يأتي إلينا كما كان قبل x من السنين، حيث x هي بعد ضوئه عنا. هذا يعني أننا نرصد نجماً على بعد 10 سنين ضوئية عنا كما كان قبل 10 سنين، وإن مات النجم الآن، لن نعرف هذا قبل 10 سنين أخرى، وهذا ما نستطيع تعريفه بـ "الشبح النجمي" stellar ghost، نجم مات في منظوره المكاني لكنه ما زال حياً ومعافى بالنسبة لنا.


إيتا كارينا (Eta Carinae)، واحد من أكثر النجوم فائقة الكتلة المعروفة. حقوق الصورة: ناسا.
إيتا كارينا (Eta Carinae)، واحد من أكثر النجوم فائقة الكتلة المعروفة. حقوق الصورة: ناسا.


وكما تم ذكره في مقال سابق بعنوان (النجوم: يوم في الحياة)، فتطور النجم معقد وديناميكي للغاية، حيث تلعب الكثير من العوامل دوراً مهماً في كل شيء، بدءاً من تحديد فيما إذا كان النجم سيتشكل، إلى الحجم وهكذا إلى عمر النجم المذكور. غطت المقالة السابقة المذكورة أعلاه أساسيات التشكل النجمي وحياة ما نطلق عليه "النجوم المتسلسلة الرئيسية"، أو بالأحرى النجوم التي تشبه شمسنا كثيراً.

 

وفي حين أن عملية تشكل وحياة النجوم المتسلسلة الرئيسية والنجوم التي سنناقشها متشابهة إلى حدٍّ ما، فهناك اختلافات مهمة في الطريقة التي سوف نبحثها لموت النجوم. وإن كان موت نجم متسلسل رئيسي مثير للاهتمام، فهو بالكاد يقارن بطرق ثني الزمكان التي تحدثها هذه النجوم الأكبر بموتها.

كما ذُكر أعلاه، عندما كنا نرصد نجماً مات منذ فترة طويلة ويقع في وسط سديم السرطان، وُجدت نقطة توهجَ فيها هذا الجرم كبدر يُرى في النهار، ما الذي يجعل شيئاً متوهجاً جداً ليقارن بأقرب جار سماوي لنا؟ إن أخذنا بعين الاعتبار أن سديم السرطان يبعد عنا 6523 سنة ضوئية، هذا يعني أن هناك شيئاً أبعد بـ 153 مليار مرة من مسافة قمرنا بالنسبة لنا ويضيء مثل القمر، إن سبب ذلك هو تحوله لمستعر فائق عند موته، وهذا مصير النجوم الأكبر جداً من شمسنا. حيث ينتهي الأمر بالنجوم الأكبر من شمسنا إلى حالتين مرعبتين عند موتها وهي: نجوم نيوترونية neutron stars وثقوب سوداء black holes.

كلاهما موضوعان غنيان قد يمتد الحديث عنهما أسابيع في محاضرات فيزياء فلكية، لكن بالنسبة لنا اليوم، سنعبر ببساطة عن كيفية تشكل هذه الوحوش الثقالية وماذا تعني لنا. 

قوى الجاذبية المتجهة للداخل، بمواجهة الضغط المتجه خارجاً والناتج عن الانصهار داخل النجم (التوازن الهيدروستاتي)   -حقوق الصورة: NASA
قوى الجاذبية المتجهة للداخل، بمواجهة الضغط المتجه خارجاً والناتج عن الانصهار داخل النجم (التوازن الهيدروستاتي) -حقوق الصورة: NASA

حياة النجم عبارة عن قصة انصهار قريب سريع التقلب تحت تأثير جاذبيته الخاصة. ندعو هذا التوازن الهيدروستاتي hydrostatic equilibrium، الذي يتساوى فيه الضغط المتجه للخارج والناجم عن العناصر المنصهرة في نواة النجم مع الضغط الثقالي المتجه للداخل والناجم عن كتلة النجم. ينصهر الهيدروجين في نواة كل النجوم إلى هيليوم (في البداية)، يأتى هذا الهدروجين من السديم الذي وُلد منه النجم، الذي ينخمص مندمجاً ليعطي النجم فرصته الأولى في الحياة.

سيستهلك الهيدروجين خلال حياة النجم، ويتكثف "رماد" الهيليوم شيئاً فشيئاً في مركز النجم، وسينفد هيدروجين النجم في النهاية ويتوقف الانصهار بعد فترة قصيرة. يسمح هذا النقص في الضغط الخارج الذي يسببه عدم وجود انصهار بشكل مؤقت بفوز الجاذبية ويسحق النجم باتجاه الداخل. وأثناء تقلص النجم، تزداد الكثافة وبالتالي درجة الحرارة في نواة النجم ويصل النجم في النهاية إلى درجة حرارة معينة، يبدأ رماد الهيليوم بالانصهار فيها. 

هذه هي الطريقة التي تسير بها كل النجوم خلال الجزء الرئيسي من حياتها وفي الخطوات الأولى لموتها، هذا بالنسبة للنجوم بحجم الشمس والنجوم الضخمة.


النواة والطبقات المتعاقبة لنجم ميت، وكل طبقة تخلفت عن ملايين السنوات من انصهار كل عنصر حسب التسلسل، وهذه اللقطة لنجم ضخم على وشك الانفجار.
النواة والطبقات المتعاقبة لنجم ميت، وكل طبقة تخلفت عن ملايين السنوات من انصهار كل عنصر حسب التسلسل، وهذه اللقطة لنجم ضخم على وشك الانفجار.


يخضع النجم ذو الحجم المقارب لحجم شمسنا تقريباً لهذه العملية حتى يصل إلى الكربون، وببساطة فالنجوم التي لها هذا الحجم ليست كبيرة كفاية لصهر الكربون، وهكذا عندما ينصهر كل الهيليوم إلى أوكسجين وكربون (عن طريق عمليتين معقدتين جداً لا يمكن الحديث عنهما بشكلٍ وافٍ هنا)، لا يستطيع النجم أن يصهر الكربون والأوكسجين بما يكفي لبداية الانصهار، فتنتصر الجاذبية ويموت النجم. لكن النجوم التي تملك كتلة أكبر من شمسنا (أكبر بسبع مرات تقريباً) تستطيع الاستمرار بالحفاظ على هذه العناصر مشعة، فلديها كتلة كافية لمواصلة عمليات "السحق والصهر" التي تعتبر تفاعلات ديناميكية في قلوب هذه الأفران الفضائية.

ستستمر هذه النجوم الكبيرة بعملية انصهارها مارةً بالكربون ثم الأوكسجين القديم فالسيليكون، حتى تصل إلى الحديد. والحديد هو نعوة (إعلان موت النجم) لهذه الأجسام الضخمة المشتعلة، فعندما يبدأ الحديد بملء نواة هذه الأجسام التي تحتضر، يكون النجم على مقربة من موته. لكن لا تذهب هذه البنى العملاقة من الطاقة بهدوء في الليل، إنها تنطلق بأكثر الطرق إثارة، فعندما تنصهر آخر العناصر غير الحديدية في نواها يبدأ النجم بالتلاشي. 

يسحق النجم نفسه لأنه لا وسيلة لديه لتجنب قبضة الجاذبية القاسية، حيث تُسحق الطبقات المتسلسلة من العناصر المتبقية من فترة حياته. ويلتقي هذا السقوط الحر إلى الداخل عند حجم معين مع قوةٍ يستحيل اختراقها، وهي ضغط الانحلال النيوتروني الذي يفرض على النجم أن يرتد إلى الخارج. تتسابق هذه الكمية الفائقة من الطاقة الحركية والثقالية للخروج مع الثوران الذي سينير الكون، ويشع للمجرات كلها بشكل فوري.

 

هذا الثوران هو شريان الحياة للكون، وإيقاع السمفونية المجريّة. تسمح هذه الطاقة الكثيفة بانصهار العناصر الأثقل من الحديد وصولاً إلى اليورانيوم، وتنطلق هذه العناصر الجديدة خارجةً عن طريق هذه القوى المذهلة، راكبةً موجات الطاقة التي تلقيها عميقاً في الكون، وتبذرُ فيه جميع العناصر التي نعرفها.


انطباع فني لنجم يتحول إلى مستعر فائق ، ملقياً محتوياته المخصبة كيميائياً في الكون. تنطلق هذه العناصر الجديدة خارجةً عن طريق هذه القوى المذهلة، راكبةً موجات الطاقة التي تلقيها عميقاً في الكون، وتبذرُ فيه جميع العناصر التي نعرفها. حقوق الصورة: NASA/Swift/Skyworks Digital/Dana Berryto
انطباع فني لنجم يتحول إلى مستعر فائق ، ملقياً محتوياته المخصبة كيميائياً في الكون. تنطلق هذه العناصر الجديدة خارجةً عن طريق هذه القوى المذهلة، راكبةً موجات الطاقة التي تلقيها عميقاً في الكون، وتبذرُ فيه جميع العناصر التي نعرفها. حقوق الصورة: NASA/Swift/Skyworks Digital/Dana Berryto


لكن ماذا تبقّى؟ ماذا هنالك بعد هذا الحدث الرائع؟ مرة أخرى، كل هذا يتوقف على كتلة النجم، وكما ذُكر سابقاً، يأخذ النجم الضخم الميت شكلين: إما نجم نيوتروني أو ثقب أسود. بالنسبة للنجم النيوتروني، فالتشكيل معقد جداً. تقع الأحداث التي وصفتها بشكل أساسي، باستثناء أن ما بعد السوبرنوفا، ما يتبقى بمجمله عبارة عن كرة من النيوترونات المنحلة، وهي ببساطة عبارة عن مصطلح نطلقه على الشكل الذي تأخذه مادة ما عندما تنضغط إلى الحدود التي تسمح بها الفيزياء.

 

إذاً، فالشيء المنحل هو شيءٌ كثافته شديدة، وهذا ينطبق بشكل صحيح على النجم النيوتروني، ولربما سمعت أن حوالي ملعقة من مادة النجم النيوتروني تزن حوالي 10 مليون طن، وتملك سرعة إفلات (السرعة التي تحتاجها للإفلات من السحب الثقالي) تبلغ حوالي 40% من سرعة الضوء. في بعض الأحيان يدور النجم النيوتروني بسرعاتٍ لا تصدق، ونسمي هذا بالنجوم النابضة pulsars، والاسم مُشتق من الطريقة التي نرصدها بها.

نجم نابض مع خطوط المجال المغناطيسي، الأشعة المنبعثة من الأقطاب هي ما تلتقطه كواشفنا عندما يدور نجم ميت.
نجم نابض مع خطوط المجال المغناطيسي، الأشعة المنبعثة من الأقطاب هي ما تلتقطه كواشفنا عندما يدور نجم ميت.


تولّد هذه الأنواع من النجوم الكثير من الإشعاعات، حيث تملك النجوم النيوترونية حقولاً مغناطيسية هائلة، وتسرع هذه الحقول الإلكترونات في مجالها النجمي إلى سرعات لا تصدق. تتبع هذه الإلكترونات خطوط الحقل المغناطيسي للنجم النيوتروني إلى قطبيه، التي يمكنها أن تطلق منها موجات راديو وأشعة x وأشعة غاما (اعتماداً على نوع النجم النيوتروني التي هي عليه). وبما أن هذه الطاقة يتم تركيزها إلى القطبين، تخلق نوعاً من تأثير المنارة مع حزم عالية من الطاقة تعمل كحزم الضوء التي تخرج من المنارة، وعندما يدور النجم، تدور هذه الحزمة حوله عدة مرات في الثانية. 

إذا كانت الأرض ومعدات الرصد لدينا موجهة بشكل صحيح إلى هذا النجم النابض، سوف نسجل هذه النبضات من الطاقة أثناء غمرها لنا، ونحن بالنسبة لكل النجوم النابضة التي نعرفها بعيدون جداً بحيث لا يمكن لحزم الطاقة إلحاق الأذى بنا. لكن إن كنا قريبين من واحد من هذه النجوم الميتة، ستعبر هذه الإشعاعات كوكبنا بشكل مستمر وهذا سيمثل زوالاً مؤكداً للحياة كما نعرفها. 

ماذا عن الشكل الآخر الذي يأخذه النجم الميت، ثقب أسود؟ وكيف يحدث هذا؟ إذا كانت المادة المنهارة توجد بقدر ما نستطيع سحقه من المادة، كيف يظهر الثقب الأسود؟ ببساطة، الثقوب السوداء هي نتيجة لنجم كبير لا يمكن تصوره وبالتالي كمية هائلة من المادة التي تستطيع خرق الضغط الانحلالي النيوتروني عند الانخماص. يندفع النجم بشكل أساسي إلى الداخل مع قوة كهذه تخترق هذا الحد الفيزيائي منعطفةً على نفسها، منتهية بالزمكان إلى نقطة لانهائية الكثافة، إنها التفرد singularity.

 

يحصل هذا الحدث المذهل عندما تكون كتلة النجم أكبر بحوالي 18 مرة من كتلة شمسنا، وعندما يموت، يشكل بحق خلاصة الفيزياء التي تصل إلى أقصى حدودها. هذا "القدر الصغير الزائد من الكتلة" هو ما يسمح له بجعل هذه الكرة من النيوترونات المنحلة تنهار وتسقط نحو اللانهاية. إن الأمر مخيف وجميل للتفكير به في نفس الوقت، نقطة في الزمكان غير مفهومة تماماً بوساطة فيزيائنا، وحتى الآن هناك شيء نعرفه وموجود. 

الشيء الرائع حقاً في الثقوب السوداء أنها مثل الكون تعمل ضدنا، فالمعلومات التي نحتاجها لفهم كامل للعملية داخل الثقب الأسود مخبئة خلف الستار الذي ندعوه أفق الحدث the event horizon، هذه هي نقطة اللاعودة للثقب الأسود، لا يملك أي شيء من الزمكان خلف هذه النقطة طرُقاً مستقبلية تقوده للخروج منه. لا شيء ينجو عند هذه المسافة من النجم المنهار في نواته، ولا حتى الضوء، وبالتالي لا معلومات تغادر هذه الحدود (على الأقل ليس في شكل يمكننا استخدامه). يترك القلب المذهل لهذا الجسم المدهش الكثير مما نرغب به، ويغرينا بالعبور إلى مجاله لمحاولة معرفة المجهول، وللحصول على ثمرة من شجرة المعرفة. 


الثقب الأسود هو الشكل النهائي لانهيار نجم فائق الكتلة، يتشوه الضوء (والزمكان بحد ذاته) حول أفق حدث الثقب الأسود بسبب التأثيرات الثقالية الهائلة، إنه دقيق بقدر ما استطعنا رؤيته لثقب أسود فعلي ولدناه عن طريق شيفرة طبقت النسبية العامة بدقة.  ملكية الصورة وحقوق النشر: Paramount Pictures/Warner Bros. من فيلم إنتر ستيلر، استخدم النموذج الرياضي لخلق الصورة التي طورها الدكتور كيب ثورن.
الثقب الأسود هو الشكل النهائي لانهيار نجم فائق الكتلة، يتشوه الضوء (والزمكان بحد ذاته) حول أفق حدث الثقب الأسود بسبب التأثيرات الثقالية الهائلة، إنه دقيق بقدر ما استطعنا رؤيته لثقب أسود فعلي ولدناه عن طريق شيفرة طبقت النسبية العامة بدقة. ملكية الصورة وحقوق النشر: Paramount Pictures/Warner Bros. من فيلم إنتر ستيلر، استخدم النموذج الرياضي لخلق الصورة التي طورها الدكتور كيب ثورن.


الآن، لابد من القول أن هناك الكثير من الطرق للبحث في الثقوب السوداء حتى يومنا هذا، والفيزيائيون مثل البروفيسور ستيفن هوكينغ من بين العديدين، يعمل بجهد على الفيزياء النظرية ليعرف كيفية عمل الثقوب السوداء، في محاولة لحل المفارقات التي تظهر في كثير من الأحيان عندما نحاول الاستفادة من أفضل ما لدينا في الفيزياء لتطبيقها عليها.

 

هنالك العديد من المقالات والأوراق لمثل هذه البحوث ونتائجها اللاحقة، لذلك لن أغوص في تعقيداتها لرغبتي في الحفاظ على البساطة في الفهم، وعدم الحيود بعيداً عن العقول المدهشة التي تعمل على هذه القضايا. اقترح الكثيرون أن التفرد هو حقيقة رياضية لافتة لا تمثل تماماً ما يحدث فيزيائياً، فتستطيع أن تأخذ المادة داخل أفق الحدث أشكالاً جديدة وغريبة، ومن الجدير بالذكر أنه في النسبية العامة يستطيع أي شيء يملك كتلة أن ينهار إلى ثقب أسود، لكن نحن بشكل عام ما زلنا نعتقد أن نطاقاً محدداً من الكتل يشكل ثقباً أسود، وأن أي شيء أقل من نطاق هذه الكتل يتخطى حدود فهمنا لكيفية حدوث هذا الأمر.


لكن كشخص يدرس الفيزياء، سأكون مقصراً لعدم ذكر أنه اعتباراً من الآن، نحن مهتمين بقسم من الأفكار التي تتعامل بشكل وثيق مع ما يجري في الواقع داخل هذه الأطياف من الجاذبية.

كل هذا يعيدني إلى النقطة التي يجب القيام بها والحقيقة التي يجب أن ندركها. كما وصفت موت هذه النجوم الضخمة، لمست شيئاً يحدث: عندما يُدمَّر النجم بشكل كامل تنفجر طاقته ومكوناته خارجةً إلى الكون، يحدث شيء يدعى الاصطناع النووي nucleosynthesis، وهو انصهار العناصر لتشكيل عناصر جديدة، من الهيدروجين حتى اليورانيوم.

 

تنطلق هذه العناصر الجديدة خارجةً بسرعات لا تصدق، وبالتالي ستجد كل هذه العناصر طريقها في النهاية إلى السحب الجزيئية. والسحب الجزيئية (السدم المظلمة) هي مستنبتات ممتازة للكون، فهي المكان الذي تبدأ منه النجوم، ومن تكوين النجوم نحصل على التكوين الكوكبي.


تتشكل الكواكب من السحابة الجزيئية المتبقية التي شكلت النجم. تقع داخل هذا القرص التراكمي العناصر الأساسية الضرورية لتشكيل كوكب وحياة محتملة. حقوق الصورة: NASA/JPL-Caltech/T. Pyle (SSC) – February, 2005
تتشكل الكواكب من السحابة الجزيئية المتبقية التي شكلت النجم. تقع داخل هذا القرص التراكمي العناصر الأساسية الضرورية لتشكيل كوكب وحياة محتملة. حقوق الصورة: NASA/JPL-Caltech/T. Pyle (SSC) – February, 2005


عندما يتشكل النجم، تبدأ سحابة الحطام المكونة من السحابة الجزيئية التي ولدت النجم بالدوران حوله، هذه السحابة -كما نعرف الآن- تحوي كافة العناصر التي صُنعت في المستعرات الفائقة، الكربون والأكسجين والسيليكات والفضة والذهب، جميعها موجودة في هذه السحابة. إن هذا القرص التراكمي حول هذا النجم الجديد هو مكان تشكل الكواكب التي تنشأ عن هذه البيئة الخصبة.

 

تصدمه كرات من الجليد والصخور تمزقه وتصلحه كما تعمل الجاذبية بشكل حثيث لصياغة هذه العوالم الجديدة على شكل "جزر من الاحتمالات". وتتشكل هذه الكواكب من تلك العناصر نفسها التي تولدت في هذا الانفجار الكارثي، وتحتوي هذه العوالم الجديدة التصميمات الأولية للحياة كما نعرفها.

على واحد من هذه العوالم، حدث مزج معين من الهيدروجين والأوكسجين، في هذا الخليط، تشكلت بعض ذرات الكربون لتخلق سلاسل متكررة تتبع نمطاً بسيطاً. وربما بعد مليارات السنين، تجد هذه العناصر التي قذفت إلى الكون عن طريق نجم ميت نفسها تعطي الحياة لشيء ما يستطيع أن يبحث ويقدر عظمة الكون.

 

ولعل هذا الشيء يكون ذكياً ليدرك أن ذرة الكربون في داخله هي نفس ذرة الكربون التي خُلقت في نجم ميت، وأن حصول السوبرنوفا هو الذي سمح لذرة الكربون بإيجاد طريقها في الجزء الصحيح من الكون وفي الوقت المناسب. والطاقة التي كانت هي النفس الأخير لنجم ميت منذ زمن بعيد هي نفس الطاقة التي سمحت للحياة لتأخذ نفسها الأول وتحدق في النجوم. هذه الأشباح النجمية هي أجدادنا، ذهبت شكلياً، لكنها لا تزال في ذاكرتنا الكيميائية، وُجدت داخلنا، نحن مستعر فائق، نحن غبار نجم، نحن ننحدر من أشباح نجمية.

 

نحن مغمورون بالضوء المنبعث من نجوم ميتة منذ فترة طويلة، يساهم كل منها بمكون أساسي للكون وضروري للحياة. حقوق الصورة: Hubble
نحن مغمورون بالضوء المنبعث من نجوم ميتة منذ فترة طويلة، يساهم كل منها بمكون أساسي للكون وضروري للحياة. حقوق الصورة: Hubble

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • أفق الحدث (Event horizon): هي بعدٌ معين عن الثقب الأسود لا يمكن لأي شيء يقطعه الإفلات من الثقب الأسود. بالإضافة إلى ذلك، لا يُمكن لأي شيء أن يمنع جسيم ما من صدم المتفرد الذي يتواجد لفترة قصيرة جداً من الزمن بعد دخول الجسيم عبر الأفق. ووفقاً لهذا المبدأ، فأفق الحدث عبارة عن "نقطة اللاعودة". انظر نصف قطر شفارتزشيلد. المصدر: ناسا
  • النجم النيوتروني (Neutron star): النجوم النيوترونية هي أحد النهايات المحتملة لنجم. وتنتج هذه النجوم عن نجوم فائقة الكتلة -تقع كتلتها في المجال بين 4 و8 ضعف كتلة شمسنا. فبعد أن يحترق كامل الوقود النووي على النجم، يُعاني هذا النجم من انفجار سوبرنوفا، ويقوم هذا الانفجار بقذف الطبقات الخارجية للنجم على شكل بقايا سوبرنوفا جميلة.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات