كيف نستكشف الكواكب التي تدور حول نجوم بعيدة؟

إنها المقالة الثانية من سلسلة مكونة من جزئين (الجزء الأول)، وتبحث هذه السلسلة في الاكتشافات التي قد يُنجزها علماء الفلك حول الكواكب المكتشفة التي تدور حول نجوم أخرى واقعة في مجرتنا. 

عندما يعبر القمر داخل ظل الأرض خلال الخسوف القمري الكلي (total lunar eclipse) فإنه لا يغرق في الظلمة، وإنما يتوشح بلونٍ أحمر، وينتج ذلك عن عبور ضوء الشمس داخل الغلاف الجوي لكوكبنا وبالتالي انحرافها داخل ظل الأرض. 

وعندما يعبر كوكب ما أمام نجمه المضيف، تحجب الكتلة الأساسية لذلك الكوكب ضوء النجم وهذا يتسبب في حصول ومضة تُستخدم لكشف النجم. وكما هي الحال مع الخسوف القمري الكلي، سيعبر جزء صغير من ضوء النجم داخل الغلاف الجوي الخارجي للكوكب على طول طريقه نحو الأرض. وكنتيجة لذلك، يُمكننا استخدام ذلك الضوء العابر لسبر طبيعة الغلاف الجوي الخارجي للكوكب. 

أثناء عبور الضوء خلال الغلاف الجوي للكوكب الخارجي (exoplanet)، تمتص الجزيئات المكونة لذلك الغلاف الجوي بعضاً من الضوء، ويحصل ذلك الامتصاص عند ترددات معينة، ما يعطي بصمة طيفية فريدة. لكن مساهمة الغلاف الجوي للكوكب صغيرة في ذلك الأمر، وهي في الغالب صعبة القياس. ولاكتشافها يستخلص علماء الفلك طيف النجم قبل وأثناء وبعد حادثة العبور. 

وبعد ذلك باستطاعتهم طرح طيف العبور من ذلك السابق للحادثة لإزالة مساهمة النجم وترك تلك المساهمة التي قدمها الكوكب فقط. 

عزل طيف كوكب
عزل طيف كوكب


تُعرف هذه التقنية بالتحليل الطيفي العابر (transmission spectroscopy)، وقد أثبتت هذه التقنية فائدتها الكبيرة، إذ سمحت لعلماء الفلك باكتشاف مجالٍ واسع من الأنواع الكيميائية الموجودة في الغلاف الجوي للمشتريات الحارة (hot Jupiters) -بما في ذلك الماء وثنائي أكسيد الكربون. 

تحمل الأطياف أيضاً إشارات على بنية الغلاف الجوي الكوكبي، ما يسمح لعلماء الفلك بالكشف عن أدلة ترتبط بطبقات الضباب وحتى تقلبات درجات الحرارة فوق تلك العوالم البعيدة. 

 دراسة الكواكب باستخدام الضوء


بالإضافة إلى دراسة الغلاف الجوي للكواكب بالاعتماد على الضوء العابر، من الممكن أيضاً دراسة ضوء الكواكب باستخدام الانعكاس القادم من نجومها المضيفة، إذ إنّ بعض الكواكب ساخنة إلى درجة كافية لاكتشاف الضوء الذي تُصدره بنفسها. 

تصور فني للمشتري الحار "أوبسلون أندروميدا ب" أثناء مروره خلف نجمه المضيف
تصور فني للمشتري الحار "أوبسلون أندروميدا ب" أثناء مروره خلف نجمه المضيف


ولرصد تلك الإصدرات الحرارية، والضوء المنعكس عن الغلاف الجوي للكوكب، يُوظف علماء الفلك تقنية تُعرف بالتحليل الطيفي للانبعاثات أو الخسوف (occultation spectroscopy). 


وعوضاً عن رصد مميزات الامتصاص الطيفية الموجودة في الضوء النجمي بعد عبوره داخل الغلاف الجوي للكوكب، يقيس علماء الفلك مباشرةً الضوء تحت الأحمر الصادر والمنعكس عن الكوكب. ولقياس تلك الإصدرات الحرارية، يُرصد النجم مباشرةً قبل تحرك كوكبه نحو الخسوف الثانوي، ولاحقاً بعد انتهاء ذلك الخسوف.

 

ومن ثمّ يطرح علماء الفلك عمليات الرصد التي جرت أثناء الخسوف من تلك التي جرت بعده وقبله. وعندما تتم عملية الطرح تلك للضوء المرصود، فإنّ كل ما يبقى لدينا هو المركبة المنعكسة، أو الصادرة عن الكوكب نفسه (إذا كان الكوكب ساخناً بشكلٍ كافٍ).

وكما كانت الحالة مع التحليل الطيفي العابر، فإنه يُمكن بواسطة طيف الإصدار للكوكب الكشف عن تركيب غلافه الجوي، وحتى لون الكوكب الخارجي (exoplanet) يُخبرنا بشيء ما. فعلى سبيل المثال كشفت عمليات رصد المشتري الحار HD 189733b النقاب عن كوكب أزرق مذهل ومليء بالكوبالت. 

ومثل القمر والزهرة، تمر تلك الكواكب بأطوار. ولذلك إذا ما امتدت تلك التقنية على مدار فترة من الزمن تسبق وتلي عملية الخسوف الثانوي، سيكون من الممكن لنا تعلم المزيد عن الكوكب، فأثناء حركته على مداره سيدور الكوكب بحيث يُرينا جانبه الليلي تارةً ليعود ويُرينا الجانب النهاري تارةً أخرى. 

ولذلك إذا استطعنا قياس درجة حرارة الكوكب (سطوعه في المجال تحت الأحمر) أثناء دورانه حول نجمه، سنستطيع حينها رسم خريطة لتوزع درجات الحرارة ليلاً ونهاراً في كافة أرجاء غلافه الجوي. وتُساعد مثل هذه الخرائط في الكشف عما إذا كانت الحرارة القادمة من الجانب النهاري يُعاد توزيعها بشكلٍ فعال في الجانب الليلي للمشتري الحار، ما يساهم أيضاً في الكشف عن طقس الكوكب. 

تُبدي بعض المشتريات الحارة تبايناً كبيراً في درجات الحرارة بين جوانبها الليلية والنهارية، ما يقترح وجود إعادة توزيع غير فعال للحرارة. 

 البحث عن الحياة


درس معظم علماء الفلك حتى يومنا هذا أسهل الأهداف المتمثلة في المشتريات الحارة المنتفخة، لكن مع تطور التقنيات ومجيء المزيد من الأجهزة الجديدة سيكون بوسعهم سبر عوالم أصغر وأصغر. وبقيامهم بذلك، يُحضر علماء الفلك الأدوات التي سنوظفها يوماً ما للبحث عن أدلة على وجود الحياة خارج نظامنا الشمسي. 

من المرجح خلال الأعوام القادمة أن نكتشف أولى الكواكب الحقيقية المشابهة للأرض والتي تدور حول نجوم أخرى، وحينها سيبدأ البحث عن الحياة فوقها. ستكون العوالم الصخرية والصغيرة أولى الأهداف، والتي تدور حول نجومها عند مسافات مناسبة جداً بحيث تسمح بوجود الماء السائل فوق أسطحها. وبحلول الوقت الذي سنكون فيه جاهزين للبحث عن إشارات دالة على وجود الحياة فوقها، سنكون قد وجدنا حينها عشرات، أو حتى مئات الأهداف المحتملة. 

سيجري بعد ذلك تصفية تلك العوالم ليبقى بعض العوالم الواعدة، وسيتم الأمر بالاعتماد على مجال واسع من العوامل انطلاقاً من النجم الذي يدورون حوله والنظام الذي يتحركون داخله ووصولاً إلى الطبيعة الدقيقة للكوكب نفسه. 

وحالما يتم اختيار الأهداف الأفضل، ستبدأ عمليات الرصد. ولتحديد فيما إذا كانت الأهداف حقاً مضيافة للحياة، سيتطلب الأمر دراسة أغلفتها الجوية بالتفصيل، وعبر استخدام التقنيات نفسها المستعملة حالياً للكشف عن طبيعة المشتريات الحارة، سيكشف علماء الفلك النقاب عن تركيب تلك الكواكب ومناخها قبل البحث عن أي أدلة على الحياة (البصمات الحيوية biosignatures). 

يُمثل إنجاز عمليات الرصد تلك لعوالمٍ صغيرة وبعيدة جداً تحدياً رصدياً عملاقاً لعلماء الفلك، إذ سيبدو أي كوكب مشابه للأرض أكثر خفوتاً بعشر مليارات مرة من نجمه المضيف في مجال الأطوال الموجية المرئية. وحتى في المجال تحت الأحمر حيث تصير الأشياء أفضل قليلاً، سيبقى الكوكب أكثر خفوتاً بعشرة مليون مرة. 

تصور فني لتلسكوب جيمس ويب الفضائي.
تصور فني لتلسكوب جيمس ويب الفضائي.


من المقرر إطلاق تلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST) عام 2018، ومن المفترض أن يُمكن علماء الفلك من دراسة الأغلفة الجوية للأراضي العملاقة القريبة (Superearths) -كواكب كتلتها أكبر من كتلة الأرض بقليل- وتُمثل هذه الخطوة خطوةً أخرى على طول الطريق نحو الكواكب المأهولة. 

يتطلب الأمر لتوصيف نظائر الأرض بشكلٍ صحيح نهجاً مختلفاً، كما إنه من المرجح حالياً أن يكون التصوير المباشر الخيار الوحيد القابل للتطبيق. وحتى ذلك الحين، تظل عمليات الرصد تلك خارج قدراتنا.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • التحليل الطيفي (Spectroscopy): التحليل الطيفي ببساطة هو علم قياس شدة الضوء عند الأطوال الموجية المختلفة. وتُسمى المخططات البيانية الممثلة لهذه القياسات بالأطياف (spectra)، وهي المفتاح الرئيسي لكشف تركيب الأغلفة الجوية للكواكب الخارجية. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات