كيف سيتابع علماء الفلك البحث عن حياة خارج كوكب الأرض؟

 الشمس تشرق فوق سطح كوكب آخر في هذا الرسم، وربما تكشف الغازات التي تكون غلافه الجوي. 

المصدر: sdecoret/Shutterstock


هل توجد حياة خارج كوكبنا؟ طرح علماء الفلك هذا السؤال منذ إدراكنا وجود شيء خارج كوكبنا في الواقع. ونظراً لاتساع الكون فمن غير المرجح أننا سنغامر ونقابل هذه الحياة في أي وقت قريب. وبدلاً من ذلك، يبحث علماء الفلك عن طريقة لتقريب المسافات الشاسعة في الفضاء بين النجمي والبحث عن علامات خفية للحياة على الكواكب الأخرى من هنا على الأرض. 

لفت معهد SETI الأنظار بهدفه بعيد المنال، وهو التواصل مع حياة فضائية ذكية، وعبر تجارب أخرى، بدءا من التسجيلات الذهبية الموجودة في بعثات فوياجر، إلى برنامج Starshot الذي تم اقترحه مؤخراً، ونأمل أن تلاحظ الحضارات الأخرى مركباتنا الفضائية المتجولة. 


وفي حال وجدت الحياة، فإنها ستكشف عن نفسها من خلال إشارات أكثر دهاءً وغموضا من كرة دايسون (Dyson sphere) على سبيل المثال. ويعلق بعض علماء الفلك آمالهم على الغازات ذات العلامات الحيوية (biosignature gase)، وهي جزيئات موجودة في الغلاف الجوي للكواكب تُنتج فقط بواسطة الكائنات الحية ويمكن مراقبتها من زاويتنا هذه من الكون. ومن المأمول أن تمنحنا التلسكوبات المستقبلية القدرة على التحديق في الغلاف الجوي للكواكب البعيدة ومعرفة مكوناتها. ولكن إذا أرسلت الحياة تحياتها الغازية، فما هي الغازات التي يجب أن نقوم "باستنشاقها"؟!

ما الذي يجب أن نبحث عنه؟ 


مع إمكانية الكشف عن الغازات الحيوية، من المحتمل أن تكون هذه التقنية في متناول اليد أيضاً، إذ يتجهز العلماء لدراسة هذه الغازات. ويشمل هذا الأمر العثور على أفضل الغازات التي تشير إلى وجود الحياة، وأيضاً إقصاء أي غاز يمكن أن ينتج من العمليات الجيولوجية.

تقول ليزا كالتنيغر Lisa Kaltenegger، وهي أستاذة مساعدة في جامعة كورنيل ومديرة معهد كارل ساغان:" نحن لسنا في الموقع الذي يسمح لنا بالقول إنه لدينا معايير ذهبية، ولكننا في موقع يخولنا القول إن أفضل العلامات الحيوية التي نملكها هي مزيج الأوكسجين أو الأوزون والميثان، أو أي غاز منخفض reducing gas) [1]1) آخر".

يشكل الأوكسجين والميثان جزءاً كبيراً من غلافنا الجوي، أو على الأقل ما يكفي ليكون ظاهراً. يحظى هذا المزيج بتقدير كبير لأن الأوكسجين والميثان يتفاعلان لتشكيل المياه وثاني أوكسيد الكربون. وإذا وجدت هذه الغازات بكميات ملموسة فلا بد من وجود شيء يقوم بإنتاجها، وما نعرفه أن الكائنات الحية هي فقط من ينتجها. 

وتضيف كالتنيغر:" لا يوجد أي إشارة تخبرنا أن هناك حياة على الكواكب الأخرى، هناك أجزاء أخرى من الأحجية نرغب أن نضعها في مكانها الصحيح، مثل لون الكوكب أو عمره. وسيمسح لنا هذا كله بوضع العلامات الحيوية في السياق الصحيح. عليك البحث أيضاً عن المياه في نفس الوقت، لأننا نعلم أن الماء هو أساس الحياة كما نعرفها". 

رؤية فنان لتلسكوب جيمس ويب، الذي سينطلق في عام 2018. وسيساعد علماء الفلك بدراسة الغلاف الجوي الخاص بالكواكب الخارجية. المصدر: NASA
رؤية فنان لتلسكوب جيمس ويب، الذي سينطلق في عام 2018. وسيساعد علماء الفلك بدراسة الغلاف الجوي الخاص بالكواكب الخارجية. المصدر: NASA


لا تقم بأي افتراضات


من المهم أن نتذكر أن الحياة على الكواكب الأخرى، حتى ضمن النظام الشمسي، يمكن أن تتصرف بشكل مختلف عن الحياة على الأرض، إذ يمكن أن تكون الجزيئات التي نعتمد عليها لنحيا ليست ذات صلة أو حتى يمكن أن تكون سامة للحياة الفضائية.


تقول سارا سيغر Sara Seager، وهي أستاذة في علوم الكواكب والفيزياء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT: "هناك شيء يجب فهمه هو أننا لا نعرف ما الذي ستصنعه الحياة. وكذلك فإن أفضل العلامات الحيوية في النهاية هي إحدى العلامات التي تصنعها الكائنات الحية".


بدأت سيغر مع العناصر الأساسية من أجل معرفة ما هي الجزيئات التي تنتجها أشكال الحياة الفضائية. وفي بحث جديد نشر في مجلة Astrobiology، فقد جمعت بالتعاون مع فريق من العلماء قائمة شاملة لجميع الجزيئات المستقرة مع ست ذرات هيدروجين أو أقل، والتي يمكن أن توجد في الغلاف الجوي للكوكب-نحو 14000 جزيء بالمجمل. وكان الهدف هو اعتماد أوسع تصور "لغازات العلامات الحيوية" من أجل حساب عدد لا يمكن تصوره من التغيرات الأساسية التي يمكن أن تأخذها الحياة. 

تقول سيغر:" نحن لا نقترح أن كل واحد من هذه الغازات ملائم ليتم البحث عنه، ولكن كنقطة انطلاق، نعمل على بعض الغازات في البداية، والبعض الآخر فيما يتعلق بأصناف الغازات، يتم استبعادها فقط".
 

التهيب للمهمة المقبلة

وبعدما حصلوا الآن على القائمة الابتدائية، سيحلل فريقها كلا من هذه الغازات لرؤية ما نوع الطيف الذي تصدره عند إضاءتها بضوء النجوم، وأيضاً ما نوع الجزيئات التي تتفاعل معها وماهي النواتج النهائية. إنها مهمة شاقة، ولكنها جهد يمكن أن يؤدي إلى فهم شامل لجميع الغازات التي يمكن أن يكتشفها علماء الفلك على كوكب آخر، وكذلك العمليات التي تقوم بإنتاجها. 

تنتج الكائنات الحية على الأرض نحو ربع الجزيئات فقط، ونحو 2500 منها هي مركبات مؤلفة من أهم ستة عناصر للحياة على الأرض: الكربون، النتروجين، الأوكسجين، الفوسفور، الكبريت والهيدروجين. يرتبط الكربون بسهولة مع معظم الذرات، بينما يخلق الأوكسجين، والنتروجين والهيدروجين تأثيرات حمض-أساس التي تنتج مركبات عضوية. ويساعد الكبريت في تحفيز التفاعلات، أما الفوسفور فهو جزء حيوي من الأدينوزين ثلاثي الفوسفات أو ATP- أي الطاقة العنصر الرئيسي للحياة. 

وحتى هنا على كوكب الأرض، هناك كائنات حية تبادل بعض هذه العناصر لأجل غيرها، وخاصة في حالة الميكروبات التي تعيش في ظروف قاسية extremophile microbes حيث قد لا توجد بعض هذه العناصر. وليس من الصعب تخيل استخدام أشكال الحياة لمكونات مختلفة من المئة وثمانية عشر عنصراً المعروفين لكي تنجو.

وحتى مع فهم كامل للعمليات الكيميائية الكامنة خلف كل جزيء يمكن أن نجده في الغلاف الجوي لكوكب خارجي، فإن أفضل ما يمكن أن نقوم به هو التكهن بوجود الحياة. 

تقول سيغر:" في نهاية اليوم، من غير المرجح أن نقول إننا وجدنا حياة بشكل قاطع وأننا متأكدون من ذلك، بل من المرجح أن نقول إننا وجدنا هذا الغاز، إنه غير اعتيادي وهناك الكثير منه؛ نحن لا نعلم كيف وصل الغاز إلى هنا لذلك قد يكون منتجا بواسطة كائنات حية".


فرص جديدة


أعطى الاكتشاف الأخير لثلاث كواكب خارجية الباحثين هدفاً أساسياً لاستكشاف الغلاف الجوي لهذه الكواكب. ويرصد العلماء في الوقت الحالي الكواكب الخارجية من خلال مراقبتها حينما تمر بشكل مباشر بين نجمها والأرض، مسببة تقليل لمعان النجم بطريقة غير محسوسة تقريباً ولكن متناغمة. ومن خلال تحليل طيف الضوء المار عبر الغلاف الجوي الرقيق لهذه الكواكب في طريقه إلينا، يستطيع علماء الفلك معرفة نوع الغازات الموجودة. 

لا يمكننا في الواقع إجراء مثل هذه التجارب بعد، لأن التلسكوبات الأرضية والفضائية الحالية ليست قوية بما يكفي لالتقاط الضوء الذي تمت تصفيته عبر أقل من ستين ميلاً من غلاف الكوكب من مسافة عشرات إلى مئات السنوات الضوئية. ومع ذلك، تلوح في الأفق إمكانية القيام بهذا الأمر.

وسيعمل تلسكوب جيمس ويب الفضائي James Webb Space Telescope المجهز للانطلاق في عام 2018، على التقاط ما يكفي من الضوء لإجراء تحليل الغازات على الكواكب البعيدة، ونأمل أن يسمح ذلك للعلماء بمعرفة العناصر والجزيئات المكونة لغلافها الجوي. 

ملاحظات


[1] الغازات المنخفضة: هي الغازات التي تمتلك عدد أكسدة صغير وعادة ما تكون غنية بالهيدروجين مثل الميثان والأمونيا. 

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الغاز (Gas): أحد الحالات الأساسية الثلاث للمادة. في هذه الحالة تتحرك الذرات، أو الجزيئات، أو الأيونات بحُريّة، فلا ترتبط مع بعضها البعض. وفي علم الفلك، تُشير هذه الكلمة عادةً إلى الهيدروجين أو الهيليوم. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات