ما هو نوع التحول الزمني الذي يَحدث داخل أفق الحدث في الثقوب السوداء؟
كثير من الناس مفتونون بـ "أفق الحدث" المشهورِ والموجود في الثقب الأسود، وهو يمثل حدودِ المنطقة التي لا يُمكن أن يفلت منها شيء. والآليةُ التي تُكسبه هذه الخاصية هي آليةٌ غريبة ومدهشة -وهي تتعلق بفكرة السببية.
كان من المفترضِ أن يعيشَ مارلين، وهو أحد شخصيات أساطير الملك آرثر، حياتُه معكوسة - فقد كان موته هو أولُ تجاربه التي اختبرها، وولادته آخرها، ومن هنا كانت قدرته على التنبؤ بالمستقبل. أما بالنسبة لنا، فإننا نشعرُ وكأنّ الزمنَ يتدفقُ قُدُماً فقط . في الواقع، ينتجُ هذا الشعور عن خاصية أكثرُ عموميةٍ من خواص السببية. ففي منطقةٍ مثلُ الموجودة هنا على كوكب الأرض، تستطيعُ فقط أن تتذكرَ الأحداثُ التي يتحققُ فيها معياران:
المعيار الأول: يجب أن تكونَ قد حدثت في الماضي، والمعيارُ الثاني: يجب أن تكونَ قد حدثت على مسافةٍ لا تتجاوزُ ما يمكن للضوء أن يقطعه منذ وقوع الحدث.
القاعدة الثانية ما هي إلا الحدُّ المألوف لسرعة الضوء القصوى. أما القاعدةُ الأولى، فتسمى السببية، وهي السببُ في أنك لن تلتقي أيُ شخصٍ مثل مارلين هنا على الأرض.
هنا يأتي الجزءُ الغريب في الأمر. فالنسبيةُ العامة (وهي نفس النظرية المدعمة بكثير من التجارب، والتي نحتاجها لتشغيل نظام الـ GPS) تتوقع أنك- ببساطةٍ- بواسطة ضغط أي قطعة من مادة بما يكفي لإحداث ثقبٍ أسود، تكونُ قد خلقتَ منطقةً لا يعودُ فيها هذا الأمر صحيحًا؛ إذ إنَّ الزمانَ والمكان يتبادلان موقعيهما داخل أفقِ الحدث. ولذلك، صارت القيودُ الجديدة على النحو التالي: لكي تتذكرَ شيئا ما، (1) لا بد من أن يحدث هذا الشيءُ في مكانٍ أبعدُ من مركز الثقب الأسودِ عن الموقع الذي أنت فيه الآن، و(2) إذا كانت T هي الزمن الذي يستغرقه الضوء في الوصول إليك من موقع الحدث، فإن الحدث إما قد وقع عند ما لا يزيد عن العدد T من الساعات في الماضي، أو عند العدد T من الساعات في المستقبل.
أوصيكَ بالتفكيرِ في هذا الأمر، على الأقل حتى يصيبُك الصداع. أولًا وقبل كل شيء، لاحظ أنّ القيدَ رقم (1) يمنُعك من التحركِ بعيدًا عن مركز الثقب الأسود، وبالتالي من العودة إلى الوراءِ عبر أفق الحدث. ولاحظ أيضًا، أن القيد يقول "أَبعَد"، وليس "بنفس البعد على الأقل". وهذا يعني، ليس فقط أنك لا تستطيعُ الابتعاد عن المركز، بل وأنك لا تستطيع حتى أن تقف بثبات . بالإضافة إلى ذلك، فإننا نرى أن كل من في داخلِ أفق الحدث عرافون؛ وهذا يحدثُ لأن الضوء يستطيعُ أن ينتقلَ إليك من أحداث المستقبل، وبذلك فإنك تستطيعُ حرفيًا رؤيتُها. كما أنك لا تستطيعُ رؤية أي شيءٍ أقرب منك إلى المركز؛ لأن الضوء لا يستطيعُ الانتقال بعيدًا عنه. ولكنك إذا نظرت بعيدًا عن المركز، فسترى صورتين لكل شيء -واحدة من العدد T من الساعات في الماضي واحدة من العدد T من الساعات في المستقبل. أما بالنسبة للأشياءِ القريبة، فستبدو هاتان الصورتان متماثلتين تمامًا، بما أن العدد T سوف يكون صغيرًا جدًا، بسبب سرعة الضوءِ الكبيرة. أما بالنسبة للأجسام البعيدة، فمن الممكن أن تختلفَ تمامًا. على سبيل المثال، إذا كنت أنت وتولستوي في ثقبٍ أسود، وكانت تفصِلُ بينكما ثلاث سنوات ضوئية، فيمكنك أن تراهُ وهو يبدأ وينهي كتابة رواية الحرب والسلام في آنٍ واحد. ولكنه، في هذه اللحظة من الزمن، سيكون قد أتمَّ كتابةِ نصفُ الرواية فقط . كما أنك قد ترغبُ – بالطبع - في أن تحاولَ إرسال نصُ الرواية له، لتوفرَ عليه بعضَ الجهد في كتابتها، ولكنك لا تستطيع ذلك –فهو لا يستطيعُ رؤيتك أبدًا، لأنك أقربَ منه إلى مركز الثقب الأسود. يا للأسى.
لو فكرت بالأمر لوهلةٍ، فسيكون بوسعك أن تصلَ إلى كثيرٍ من الحالات الغريبة التي يمكن أن تحدث داخل الثقبِ الأسود –ولكن، لن يكون أيٌ منها غيرُ متسقٍ منطقيًا (مثلما سيكون عليه الحال إذا استطعتَ إرسال الفصل الأخير من الرواية لتولستوي قبل أن يكتبها). وسيكون هناك مزيدٌ من الغرابة عندما تأخذُ في الاعتبار أنّ الثقوبَ السوداءَ الفلكية الواقعية ، يجبُ أن يكون لها في الواقعِ أفقان للحدث -انقلابُ السببية، الذي نوقش أعلاه، يحدثُ عند أفق الحدث الخارجي، ثم يعود لينقلب مرة أخرى عند أفقِ الحدث الداخلي.