إرسال مركبة للمريخ أمر يتمحور بشكل كامل حول الدقة. إنه أمر يتمحور حول الانطلاق من الأرض جراء انفجار متحكم به، وإطلاق روبوت للفضاء باتجاه الكوكب الأحمر، ثم الملاحة مجتازًا المسافة الواقعة بين كوكب المريخ وكوكبنا، ثم الهبوط على المريخ بدقة عالية.
تعني المناورةُ المعقدة والحذقةُ معرفةَ المسافة الدقيقة من الأرض إلى المريخ. وبما أن كلاً من المريخ والأرض يدوران حول الشمس -لكن بمسافات وتمركزات وسرعات مدارية مختلفة- فإن المسافة بينهما تتغير بشكل مستمر.
أول إنسان حسب المسافة للمريخ كان عالم الفلك جيوفاني كاسيني Giovanni Cassini، المشهور بعمليات رصده لزحل. رصد جيوفاني المريخ عام 1672 من باريس، بينما كان زميله جان ريتشر Jean Richer يرصد نفس الكوكب من مدينة كايين Cayenne عاصمة إقليم غويانا Guiana الفرنسي. استخدموا طريقة اختلاف المنْظَر(parallax method) ليحسبوا المسافة للمريخ بدقة مدهشة.

لكن في الوقت الحاضر يحسب علماء الفلك المسافة التي تفصلنا عن الأجسام السماوية باستخدام سرعة الضوء، حيث يقومون بقياس الوقت الذي تستغرقه الإشارة للسفر إلى المركبة التي تدور حول الكواكب الأخرى. فيمكنهم إرسال إشارات رادار قوية للكواكب لترتد عنها وحساب الزمن الذي تستغرقه لترجع إليهم. هذا يسمح لهم بحساب المسافة لتلك الكواكب، مثل المريخ، بدقة مدهشة.
المسافة بين الأرض والمريخ
إذًا، كم يبعد المريخ؟ الجواب لذلك السؤال يتغير في كل لحظة لأن المريخ والأرض يدوران حول الشمس، كما يتطلب الأمر شرحاً بسيطاً للميكانيكا الدورانية لكل منهما. يدور كل من الأرض والمريخ بمدارات إهليجية حول الشمس، مثل سيارتين تسافران بسرعتين مختلفتين في مسارين مختلفين.
أحيانًا تكون الكواكب قريبة من بعضها، واحيانًا أخرى تكون على جانبين متقابلين من الشمس. بالرغم من أنهما يقتربان ويبتعدان عن بعضهما، تعتمد هذه النقاط على موقع كل كوكب في مداره، لذلك تتغير المسافة بين الأرض والمريخ في كل دقيقة. لا تتبع الكواكب مدارات دائرية حول الشمس، بل في الحقيقة تدور في مدارات اهليجية. أحيانًا تكون في أقرب نقطة للشمس وتسمى بنقطة الحضيض perihelion، وأحيانًا تكون في أبعد نقطة عن الشمس وتسمى بنقطة الأوج aphelion.
تكون أقرب نقطة بين الأرض والمريخ عندما يكون الكوكبان على نفس الجانب من الشمس. أيضًا يُشترطُ أن تكون الأرض في نقطة الأوج، وهي عندما تكون الأرض في أبعد نقطة لها عن الشمس، والمريخ في نقطة الحضيض، وهي أقرب نقطة للمريخ من الارض.
تقابل الأرض والمريخ
عندما يصل كوكب الأرض والمريخ لأقرب نقطة بينهما، يدعى الحدث بالمقابلة Opposition. وهو الوقت الذي يظهر فيه المريخ كنجم أحمر ساطع في السماء، ويكون أحد ألمع الأجرام، منافسًا بذلك لمعان الزهرة والمشتري. لا يوجد شك بأن المريخ لامع وقريب، إذ يمكنك رؤيته بعينك المجردة، ونظريًا عند تلك النقطة، يكون البعد بين الأرض والشمس 54.6 مليون كم فقط.
لكن إليكم الفكرة، هذا فقط نظريًا، فالكوكبان لم يكونا بهذا القرب مطلقًا في التاريخ المدون. وفي عام 2003 كانت المسافة بين الأرض والمريخ 56 مليون كم فقط (أو 33.9 مليون ميل)، وكانت هذه أقرب نقطة كانا عليها في الـ50 ألف سنة الماضية.

هذه قائمة بأحداث مقابلة الأرض للمريخ من عام 2007 لعام 2020
- 24 كانون الأول/ديسمبر 2007 - 88.2 مليون كم (54.8 مليون ميل)
- 29 كانون الثاني/يناير 2010 – 99.3 مليون كم (61.7 مليون ميل)
- 3 آذار/مارس 2012 – 100.7 مليون كم (62 مليون ميل)
- 8 نيسان/أبريل 2014 – 92.4 مليون كم (57.4 مليون ميل)
- 22 أيار/مايو 2016 – 75.3 مليون كم (46.8 مليون ميل
- 27 تموز/يوليو 2018 – 57.6 مليون كم (35.8 مليون ميل)
- 13 تشرين الأول/أكتوبر 2020 – 62.1 مليون كم (38.6 مليون ميل)
سيكون عام 2018 عامًا رائعًا، بلمعان المريخ الاستثنائي باللون الأحمر في السماء.
اقتران المريخ والأرض
أما من الناحية الأخرى، يمكن أن يبعد الأرض عن المريخ مسافة 401 مليون كم (249 مليون ميل) عندما يكونان في تقابل وكلاهما في نقطة الأوج. معدل المسافة بين الكوكبين 225 مليون كم، وتكون لديك نافذة إطلاق جيدة لتنطلق المركبات للمريخ عندما يكونان في أقرب مسافة من بعضهما.

تكون المسافة أصغر ما يمكن بين الأرض والمريخ كل سنتين تقريبًا، وهذا هو الموعد المثالي لإطلاق بعثة للكوكب الأحمر. إن ألقيت نظرة على سجل مواعيد إطلاق المركبات للمريخ فستلاحظ توجهاً في الإطلاق كل سنتين تقريبًا. هذه أمثلة على بعض البعثات الأخيرة التي ذهبت للمريخ، وسنوات إطلاقها:
- بعثة مير-أ سبيريت MER-A Spirit -عام 2003
- بعثة مير-ب أبورتونيتي MER-B Opportunity -عام 2003
- بعثة فينيكس Phoenix -عام 2007
- بعثة فوبوس-غرنت Fobos-Grunt -عام 2011
- بعثة أم أس أل كيوريوسيتي MSL Curiosity -عام 2011
هل ترى التوجه؟ كل سنتين. يطلقون المركبات الفضائية عندما يكون الأرض والمريخ في أقرب نقطة لبعضهما. لا تنطلق المركبات الفضائية مباشرةً باتجاه المريخ، فهذا سيستهلك الكثير من الوقود. بدل ذلك، تنطلق المركبة باتجاه نقطة سيصل إليها المريخ في المستقبل. تبدأ المركبات رحلتها عند مدار الأرض، ثم توسع المدار حتى يصل المدار إلى نقطة يتقاطع مع مدار المريخ، في الوقت تمامًا الذي يكون فيه المريخ عند تلك النقطة (أقرب نقطة من بعضهما). يمكن عندها أن تهبط المركبة على المريخ أو تتخذ مدارًا حوله، وتستغرق هذه الرحلة قرابة الـ250 يوم.
التواصل مع المريخ
لا يمكن للعلماء التواصل مع المريخ في الوقت الحقيقي بسبب المسافة الكبيرة التي تفصله عنا. فيضطرون للانتظار مقدارًا من الزمن يساوي الزمن الذي تستغرقه الإشارة للذهاب للمريخ والرجوع للأرض مجددًا.

عندما تكون الأرض والمريخ في أقرب نقطة نظرية لبعضهما، أي 54.6 مليون كم، تستغرق الإشارة 3 دقائق لتخرج من الأرض وتصل للمريخ، و3 دقائق أخرى لتعود للأرض. لكن عندما يكونان في أبعد نقطة عن بعضهما، تستغرق الإشارة 21 دقيقة لتصل للمريخ، و21 دقيقة أخرى لتعود إلى الأرض. وهذا سبب كون المركبات التي أُرسِلت للمريخ ذات تحكم ذاتي كامل بنفسها. إذ تملك أنظمة حاسوب على متنها تمكنها من دراسة بيئتها وتجنب العوائق الخطيرة بشكل أوتوماتيكي تمامًا، وبدون أي تدخل بشري.
المسافة بين الأرض والمريخ هي السبب الرئيس لعدم إطلاق أي بعثة مأهولة للكوكب الأحمر، ويعمل العلماء حول العالم على طرق لتقصير وقت الرحلة هادفين إرسال البشر للمدار المريخي في العقد القادم.