تعرفنا في الجزء الأول من هذه السلسلة على أساسيات الطاقة، وتعريف العديد من أنواعها، وفي هذا الجزء سنحاول شرح ظاهرة انتقال الحرارة، وتوليد الطاقة، إضافة إلى مصادر الطاقة المتجددة.
انتقال الطاقة الحرارية
يمكن أن تنتقل الطاقة الحرارية وفقاً لإحدى الطرق الثلاث التالية: التوصيل (conduction)، أو الحمل (convection)، أو الإشعاع (radiation).
التوصيل: عندما نسخن مادة ما، تكتسب جزيئاتها طاقة وتبدأ بالاهتزاز بنشاط أكبر. وبعد ذلك تصطدم الجسيمات مع تلك القريبة منها المجاورة وتجعلها تهتز بشكل أكبر، مما يؤدي إلى انتقال الطاقة الحرارية عبر المادة من الجزء الساخن إلى البارد بفضل ظاهرة التوصيل الحراري.
توضح الصورة السابقة الكيفية التي تسخن بها يد ملعقة معدنية حالما توضع في شراب ساخن. تدعى المواد التي تسمح بانتقال الطاقة الحرارية بسهولة خلالها بالموصلات (conductors)، وتُعتبر المعادن موصلات جيدة للطاقة الحرارية. أما المواد التي لا تسمح بانتقال الطاقة الحرارية بسهولة خلالها فتُعرف بالعوازل (insulators)، ومن بينها الهواء والبلاستيك.
الحمل: يمكن لجسيمات الغازات والسوائل الحركة من مكان لآخر. وتحدث ظاهرة الحمل عند حركة الجسيمات ذات الطاقة الحرارية الكبيرة في السوائل أو الغازات، وأخذها لمكان الجسيمات ذات الطاقة الحرارية الأقل؛ وبذلك تنتقل الطاقة الحرارية من الأماكن الحارة إلى الأماكن الباردة بالحمل.
الاشعاع: تنقل جميع الأجسام الطاقة الحرارية بواسطة الأشعة تحت الحمراء (infrared radiation). وكلما كان الجسم أشد حرارة، كان مقدار الأشعة تحت الحمراء الصادرة أكبر. لا يتضمن الإشعاع أي من الجسيمات بخلاف التوصيل والحمل، مما يعني أن انتقال الحرارة بالإشعاع يمكن أن يعمل حتى في الفضاء، في الوقت الذي لا يمكن فيه للتوصيل والحمل ذلك.
تتجلى ظاهرة الإشعاع مثلاً في الكيفية التي نشعر من خلالها بحرارة الشمس، على الرغم من بعدها عنا ملايين الكيلومترات في الفضاء. أو في تقديم الكاميرات التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء لصور حتى في الظلام، لأنها تستشعر الحرارة وليس الضوء المرئي.
مصادر الطاقة غير المتجددة
نحصل على الطاقة من أنواع مختلفة من المصادر، وتتضمن الوقود والغذاء ومخزنات الطاقة كالبطاريات والرياح. ويمكننا تقسيم مصادر الطاقة إلى فئتين: مصادر الطاقة المتجددة ومصادر الطاقة غير المتجددة. لا يمكن استبدال مصادر الطاقة غير المتجددة عندما تستهلك كليا. في حين يمكن استبدال مصادر الطاقة المتجددة، ولن تُستنفذ. سنلقي نظرة في الفقرة على مصادر الطاقة غير المتجددة.
الوقود الأحفوري (Fossil fuels): يدعى كل من الفحم والنفط والغاز الطبيعي بالوقود الأحفوري، وتشكل هذا الوقود عبر ملايين السنين من بقايا الأشياء الحية، إذ تشكل الفحم من النباتات، وتشكل الوقود والغاز الطبيعي من المخلوقات البحرية.
جاءت الطاقة التي يختزنها الوقود الأحفوري في الأصل من ضوء الشمس. تستخدم النباتات الطاقة الضوئية القادمة من الشمس في عملية التركيب الضوئي (photosynthesis) لتقوم بتصنيع مركباتها.
ومن ثمّ انتقلت هذه الطاقة الكيميائية الكامنة إلى الحيوانات لتخزن على شكل طاقة كيميائية في الحيوانات التي تأكل هذه النباتات. وعندما تموت الأشياء الحية، تدفن تدريجيا بواسطة طبقات الصخور. تخضع تلك البقايا المدفونة للضغط، وتقوم التفاعلات الكيميائية برفع درجة حرارتها لتتحول تدريجيا إلى وقود أحفوري.
وعندما تُصبح بقايا الحيوانات والنباتات وقودا احفوريا، فإنّ طاقتها الكيميائية تُختزن في الوقود. وتنتقل هذه الطاقة إلى الوسط المحيط على شكل طاقة حرارية وطاقة ضوئية عند احتراق الوقود. وحالما يجري استنفاذها جميعها، فإن استبدالها سيستغرق ملايين السنين، هذا إن أمكن ذلك أساساً. ولهذا السبب ندعو الوقود الأحفوري بمصادر الطاقة غير المتجددة.
مصادر الطاقة المتجددة
يمكن استبدال مصادر الطاقة المتجددة، ولا يمكن استنفاذها. كن حذرا، إذ ليس من الصحيح القول بأنه يمكن أن يُعاد استخدامها.
الكتلة الحيوية (Biomass): يأتي وقود الكتلة الحيوية من الأشياء الحية، ويُعتبر الخشب وقود كتلة حيوية. وطالما أننا نقوم بزراعة أشجار جديدة لاستبدال الأشجار التي يتم قطعها، سيكون لدينا دوما وقودا لنحرقه. وكما هي الحال مه الوقود الأحفوري، تأتي الطاقة التي تختزنها الكتلة الحيوية أساسا من الشمس.
طاقة المياه (Water power): يمتلك الماء المتحرك طاقة حركية. ويمكن تحويلها إلى طاقة مفيدة بواسطة العديد من الطرق. فعلى سبيل المثال تستخدم آلات الأمواج الحركة الصاعدة والهابطة للأمواج لتشغيل مولدات التيار الكهربائي. كما تُقام حواجز المد والجزر عند مصبات الأنهار للغرض نفسه، فعندما يتحرك الماء داخلا أو خارجا من مصبات الأنهار عند تحول المد، تُستخدم الطاقة الحركية للماء لتشغيل مولدات التيار الكهربائي.
إضافة إلى ذلك يُوجد الطاقة الهيدروليكية (HEP) حيث يُستغل الماء المخزن وراء السدود لتوليد الطاقة. يمتلك الماء طاقة كامنة ثقالية تتحرر عندما يسقط، ومع اندفاع الماء للأسفل عبر الأنابيب، تتحول هذه الطاقة المختزنة إلى طاقة حركية تُشغل المولدات الكهربائية. وفي الشكل التالي نوضح مخطط انتقال الطاقة في مشروع طاقة هيدروليكية.
الطاقة الحرارية الأرضية (Geothermal): تكون الصخور تحت الأرض حارة في بعض الأماكن، وبالتالي من الممكن حفر آبار عميقة يضخ الماء البارد عميقا فيها ليسري الماء عبر شقوق داخل الصخور لترتفع درجة حرارته. وبعدها يُعاد إلى السطح كماء ساخن وبخار، حيث يمكن أن تستخدم طاقته في تدوير العنفات ومولدات الطاقة الكهربائية.
الخلايا الشمسية (Solar cells): هي عبارة عن أجهزة تقوم بتحويل الطاقة الضوئية بشكل مباشر إلى طاقة كهربائية. ومن المحتمل أنك شاهدت خلية شمسية صغيرة في الآلات الحاسبة. تستخدم مصفوفات أكبر مكونة من الخلايا الشمسية لتشغيل لافتات الطرق، وأخرى أكبر منها لتزويد الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض بالطاقة.
الألواح الشمسية (Solar panels): تختلف الألواح الشمسية عن الخلايا الشمسية، فهي لا تقوم بتوليد الطاقة الكهربائية، وبدلا من ذلك تُسخن الماء بشكل مباشر. وبعدها تدفع مضخة الماء البارد عبر الأنابيب إلى الألواح الشمسية. يسخن الماء بواسطة الطاقة الحرارية القادمة من الشمس ويعود إلى الخزان. وغالبا ما توضع على سطوح المنازل حيث يمكنها تلقي المزيد من ضوء الشمس.
حفظ الطاقة
توليد الكهرباء: يمكن توليد الطاقة الكهربائية بطرق عدة تشمل محطات الطاقة التي تستخدم الوقود الأحفوري، أو وقود الكتلة الحيوية؛ أو باستخدام العنفات الريحية؛ أو باستخدام مشاريع الطاقة الهيدروليكية؛ أو طاقة الأمواج وطاقة المد والجزر؛ أو الخلايا الشمسية. تولد معظم الطاقة الكهربائية في المملكة المتحدة في محطات الطاقة التي تعتمد على الوقود الأحفوري، حيث تُستخدم الطاقة الحرارية الناتجة عن حرق الوقود لغلي الماء للحصول على البخار، الذي يتمدد ويُشغل العنفات، مما يدفع المولدات لإنتاج الطاقة الكهربائية.
ولأن الوقود الأحفوري مصدرٌ غير متجدد للطاقة، وينتج عنه تلوث جراء احتراقه، نتطلع إلى إنتاج المزيد من تيارنا الكهربائي باستخدام مصادر متجددة للطاقة. فذلك يخفض المعدل الذي يستهلك به الوقود الأحفوري.