هذا المقال هو جزء من سلسلة طبيعة الكون، يمكنكم الاطلاع على أجزائها الأخرى لاستكمال الفهم عبر الروابط التالية: الكرة السماوية وخرائط النجوم، حركة الأجرام السماوية، تاريخ موجز للفلك ، التلسكوبات والأمواج الكهرومغناطيسية، الكواكب الشبيهة بالأرض، القمر والكسوف والخسوف، الشمس.
يتألف النظام الشمسي من نجمٍ وأجرام مقيدة به بالجاذبية، متضمنة الكواكب والمذنبات وغيرها. في هذا الفصل، سنقدم موجزاً حول بنية أي نظام شمسي، ونظرة عامة عن نظامنا الشمسي والأرض التي هي كوكبنا ووطننا.
بنية النظام الشمسي
من المستحيل العودة بالزمن لمشاهدة الطريقة التي تشكل بها نظامنا الشمسي ولا يمكن أيضاً صنع نظامٍ شمسي على سبيل التجربة. أضف إلى ذلك، يوجد نظام شمسي واحد فقط يمكننا دراسته بالتفصيل. إذاً كيف لنا أن نعلم؟ بصراحة، يمكننا التخمين، لكنه تخمين علمي مدروس. حيث يجب أن يرضي التخمين جميع قوانين الطبيعة المعروفة كما يفترض به أن يكون طبيعياً، أي من غير الممكن أن يكون حصيلة لمجموعة من الترتيبات الأولية الخاصة.
نؤمن بأنه منذ ما يقارب الخمس مليارات عام، كان هناك سحابة ضخمة من الغاز والغبار انكمشت بفعل جاذبيتها الذاتية. بالعموم، كانت السحابة تدور أيضاً. وتبعاً لقانون فيزيائي، إذا لم يتعرض جسم يدور لأي قوى خارجية، فإنه سيستمر في الدوران. خلال الانكماش، يجعل دوران السحابة والتصادم بين الجسيمات فيها السحابةَ مسطحة كالقرص، وهذا ما يدعى بالقرص المتنامي (accretion disk).
لم يتوقف الانكماش، ولن يتوقف أبداً. تنكمش المواد الموجودة عند مركز القرص لتشكل نجماً، أي شمسنا. أما المواد غير القريبة من المركز فإنها ستنكمش مع بعضها وتشكل الكواكب. ويصبح دوران سحابة الغاز والغبار الأصلية هو دوران الكواكب حول الشمس ودوران الشمس نفسها. ويقدر الوقت الإجمالي المستغرق بما يقارب المليار سنة.
نظرة عامة على نظامنا الشمسي
تقع شمسنا في مركز نظامنا الشمسي. إنها أضخم بألف مرة تقريباً من مجموع الأجسام الأخرى في نظامنا الشمسي جميعها. هناك تسعة كواكب رئيسة، وهي ابتداءً من الكوكب الأقرب للشمس عطارد Mercury، الزهرة Venus، الأرض Earth، المريخ Mars، المشتري Jupiter، زحل Saturn، أورانوس Uranus، نبتون Neptune، بلوتو Pluto. يوضح الشكل بالأسفل الحجوم النسبية لها.
بالنسبة للمقاييس الطولية، فإن حجم الكواكب لا شيء مقارنةً ببعدها عن الشمس. بالتعريف، يُسمى متوسط المسافة بين الأرض والشمس بالوحدة الفلكية (astronomical unit) او اختصاراً (AU)، التي تقدر بزهاء \(1.5x10^{11}\) متر (150 مليون كيلومتر). تبلغ نسبة قطر الأرض إلى الوحدة الفلكية 1:10,000 تقريباً.
هنا يظهر حجم كل من المدارات. بصرف النظر عن الكواكب الرئيسة، يوجد أيضاً في نظامنا الشمسي كويكبات أو كواكب صغيرة ومذنبات والعديد من الأشياء الأخرى.
الأرض
معرفتنا وطيدة بكوكبنا الأرض. سنطرح ما نعلمه عن الأرض ككوكب. سنفهم كلاً من الأرض والكواكب الأخرى بشكل أفضل من خلال دراستها.
تبلغ كتلة الأرض نحو \(6×10^{24}\) كيلوغرام. يبلغ نصف قطرها نحو 6400 كيلومتر. لذا، يمكن للضوء أن يدور حول الأرض سبع مراتٍ ونصف خلال ثانية واحدة. يصل ارتفاع أعلى جبل نحو 9000 متر، وهو ارتفاع صغير جداً مقارنةً بنصف قطرها. تساوي الكثافة تقريباً خمسة أضعاف كثافة الماء.
بغض النظر عن العديد من الأقمار الاصطناعية، للأرض تابع طبيعي واحد فقط هو القمر. وسنتحدث عن القمر في الجزء القادم.
تُدعى المنطقة الأعمق من الأرض بالنواة (core)، وهي حارة جداً، إذ تتألف من الحديد والنيكل. يُعتقد أن النواة الداخلية صلبة والنواة الخارجية سائلة. النشاط الإشعاعي الطبيعي هو المصدر الأساسي لحرارة النواة في الأرض. يحيط بالنواة ما يسمى بالوشاح (mantle)، وهو ذائب بشكل جزئي. وتشكل القشرة (crust) الطبقة الأبعد عن النواة، وهي صلبة.
على أي حال، القشرة ليست كرة قاسية، فهي مجزأة لصفائح تمتد لآلاف الكيلومترات لكن بثخانة تبلغ تقربياً 50 كيلومتراً. تطفو الصفيحات على طبقة ساخنة رخوة، تسمى هذه النظرية بالصفائح التكتونية (plate tectonics).
يولد دوران النواة حقلَ الأرض المغناطيسي. لا يتطابق المحور المغناطيسي للأرض مع محور دورانها حول نفسها وهو لا يمر من مركز الأرض.
سيلتقط حقل الأرض المغناطيسي الجسيمات المشحونة التي أنتجتها الشمس. عندما تتصادم هذه الجسيمات مع الجزيئات والذرات في الهواء، ستشع الجزيئات والذرات الضوء. وتسمى تلك الأضواء بالشفق (aurora).
لقد كشفنا وجود شفقٍ وحقلٍ مغناطيسي في بعض الكواكب الأخرى. وذلك يعني أن لهذه الكواكب، حال كوكبنا، غلاف جوي. يحتوي غلافنا الجوي على نسبة 78% نتروجين، و21% أوكسجين، وبعض الغازات الأخرى الأقل شيوعاً من مثل الأرجون argon وثاني أكسيد الكربون carbon dioxide. تعرف الغازات مثل ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت sulphur dioxide بغازات الدفيئة (greenhouse gases)، وتمثل عوامل فعالة لحبس الأشعة تحت الحمراء، مسببةً ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي.
يعرف هذا الارتفاع في حرارة الغلاف الجوي بتأثير الاحتباس الحراري (greenhouse effect). تعتمد قوة تأثير الاحتباس الحراري على كمية غازات الاحتباس الموجودة في الغلاف الجوي. كما سنرى في الجزء السابع، يمكن لوجود أو غياب غازات الاحتباس في الغلاف الجوي أن يسبب تغيراً جذرياً في درجة حرارة سطح الكواكب.
الغلاف الجوي ليس ساكناً، حيث يسبب اضطراب الغلاف الجوي تلألؤ النجوم، وهو أيضاً يبدد الضوء. يبدد الضوء الأزرق بشكل أكبر وبشكل أقل الضوء الأحمر. ولذلك، لا يمكن للضوء الأزرق أن ينتقل لمسافة بعيدة ضمن الغلاف الجوي دون أن يتغير اتجاهه. بالمقابل، يمكن للضوء الأحمر أن ينتقل لمسافات أبعد. أثناء غروب الشمس نراها حمراء لأنه يمكن للضوء الأحمر أن يصل لنا مباشرةً بعد أن تبدد كل الضوء الأزرق تقريباً.
لعل المد والجزر أكثر ظاهرة معروفة لدينا بصلتها بالقمر (لن نأخذ المستذئبين بالحسبان). يبدو لنا من الشكل بالأسفل، بأن القمر يطبق قوة جذب أكبر على الماء في الجانب القريب من الأرض، وقوة أضعف على الأرض ذاتها وحتى قوة أقل على الماء بالجانب البعيد من الأرض. القوى المؤثرة التي تظهر في الشكل (ب) بالأسفل متعلقة بمركز الأرض وتؤدي لانتفاخ في الماء على سطح الأرض. لذلك، لدينا حالتا مد وجزر مرتفعة في اليوم.
بالإضافة للقمر، للشمس جاذبيتها على مياه الأرض. عندما يكون القمر جديداً أو مكتملاً ستعزز التأثيرات من القمر ومن الشمس بعضها. سيكون المد والجزر المرتفع عندئذ أعلى من جميع حالات المد والجزر المرتفع في الأوقات الأخرى.