في عام 1610 نظر غاليليو غاليلي Galileo Galilei إلى السماء في الليل مستخدماً تلسكوباً من تصميمه الشخصي ليرصد كوكب المشتري. لاحظ حينها وجود العديد ممّا يشبه "العناصر المضيئة" محيطةً بالكوكب، واعتقد في البداية أنّها نجومٌ فحسب. مع مرور الوقت، لاحظ أنّ هذه العناصر المضيئة شبيهة بالنجوم تدور حول الكوكب، ليكتشف أنّها في الحقيقة أقمارٌ تابعة لكوكب المشتري وليست نجوماً، لتسمّى بعد ذلك بـ إيو Io، ويوروبا Europa، وجانيميد Ganymede، وكاليستو Callisto.
من بين هذه الأقمار، يعتبر قمر جانيميد الأكبر حجماً، كما أنّه يتمتّع بالعديد من الميّزات الفريدة، فهو القمر الأكبر في المجموعة الشمسيّة، إضافةً لكونه أكبر من كوكب عطارد نفسه. يعدّ هذا القمر الوحيد في النظام الشمسي الذي يملك مجالاً مغناطيسياً، إضافةً لغلافٍ جوي رفيع، كما يُعتقد بوجود مُحيطٍ داخله (مثل الأقمار الرفيقة له: إيو، وكاليستو، ويوروبا).
الاكتشاف والتسمية
بالرغم من أن الإحصائيّات الفلكيّة الصينيّة قد زعمت أنّ العالِم الفلكي جان دي ماي Gan De May، رصد قمراً تابعاً لكوكب المشتري (قمر جانيميد على الأغلب) بعينه المجرّدة بحلول تاريخ 365 قبل الميلاد.
يعدّ غاليليو غاليلي أول من رصد القمر جانيميد، وذلك بتاريخ السابع من شهر يناير/كانون الثاني عام 1610 مستخدماً تلسكوباً، ثم أسماه جانيميد مع الأقمار الثلاث (إيو، ويوروبا، وكاليستو) باسم Medicean Stars في ذلك الوقت، تيّمناً بعرّابه دوق توسكانا الأكبر، كوزيمو دي ميديشي Cosimo de’ Medici.
ادعى سايمون ماريوس Simon Marius، وهو عالمٌ فلكيٌّ ألماني عاصر غاليليو، بأنّه اكتشف قمر جانيميد على نحوٍ منفرد، كما اقترح أسماءً مختلفةً وفقاً لوصيّة جوهانس كيبلر Johannes Kepler.
على العموم، لم يتمّ طرح الأسماء المتعارف عليها حاليّاً للأقمار -والتي أُخذت من علم الأساطير القديم- رسمياً حتى القرن العشرين. قبل ذلك الوقت، سميت الأقمار التي اكتشفها غاليليو بالمشتري 1 وصولاً للمشتري 4 مرقّمةً باللاتينية، اعتماداً على قربها من الكوكب (ليحمل جانيميد رقم 3 أي III).
بعد أن اكتشفت الأقمار التابعة لكوكب زحل، تمّ إيجاد نظامٍ جديدٍ في التسمية يعتمد على النظام الذي استخدمه العالمان كيبلر وماريوس في تسمية أقمار كوكب المشتري. حسب الأساطير الإغريقية، جانيميد هو ابن الملك تروس King Tros والملقّب بإيليون Ilion، والذي جاءت تسميته على اسم مدينة تروي.
الحجم والكتلة والمدار
يعادل قطر جانيميد حوالي 2634.1 ± 0.3 كيلومتراً (أي مايعادل 0.413 من قطر الأرض)، لذا يعتبر القمر جانيميد الأكبر في النظام الشمسي وأكبر حتى من كوكب عطارد. تعادل كتلة هذا القمر \(1.4819×10^{23}\) كيلوغرام (ما يساوي 0.025 من كتلة الأرض) أي إنه يعادل نصف كتلة الأرض، وذلك يعود إلى تكوين القمر جانيميد، المؤلف من ماء الثلج وحجار السيليكا.
لكوكب جانيميد إلى جانب ما سبق، اختلاف مركزيّ (لا مركزيّة) بما يعادل 0.0013، ومعدّل بعدٍ يعادل 1,070,400 كيلومتر (نصف القطب الأكبر) في الذروة القريبة، وصولاً إلى 1,071,600 كيلومتري الذروة القصوى (الأبعد عن نقطة الحساب). يحتاج هذا القمر إلى سبعة أيام وثلاث ساعاتٍ ليكمل دورةً واحدة.
كمعظم الأقمار المعروفة، قمر جانيميد من الأقمار التي تدور حول الكوكب بالمدار نفسه بحيث يواجه جانبٌ من جوانبه دائماً الكوكب التابع له. يميل مداره عن خط الاستواء، مع وجود اختلافٍ بالمركز ووجود الميلان الذي يختلف على نحوٍ شبه دوري، وذلك تبعاً للجاذبيّة الشمسيّة والكوكبيّة مقاساً زمنها بالقرون.
تسبب هذه الاختلافات المداريّة تفاوت الانحرافات المداريّة بين 0 و 0.33 درجة. يعادل الرنين المداريّ القمر جانيميد 4:1 إلى جانب القمر إيو، بينما يعادل الرنين المداري للقمر يوروبا 2:1. على نحوٍ أساسي، أنّ مدار القمر إيو Io يساوي مدار المشتري على أربع مرّات (ومرّتين من حجم مدار القمر يوروبا) وذلك من كلّ دورة يقوم بها القمر جانيميد.
يظهر الرابط بين القمرين يوروبا و إيو عندما يكون إيو في الذروة القريبة و يوروبا في الذروة البعيدة، كما يظهر الرابط البعيد بين القمرين يوروبا وجانيميد عندما يكون يوروبا في الذروة القصوى. يدعى الرنين المعقّد كأن يكون (4:2:1) برنين لابلاس.
التكوين وخصائص السطح
معدل كثافةٍ جانيميد يساوي 1.936 غرام/سم مكعّب، لذا يعتبر أكثر قمرٍ ذي تكوينةٍ متساوية الأجزاء مؤلفاً من المواد الصخريّة والمياه الثلجية، كما يقدّر حجم ماء الثلج بنحو 46-50% من كتلة القمر (أي أقل من حجم الماء في القمر كالّيستو) إلى جانب إمكانية تكوّن بعض الثلوج الطيارة (المتقلبة) كالأمونيا (النشادر).
أظهر المسح في مجال الأطوال الموجية تحت الحمراء القريبة ومسح الأشعة فوق البنفسجية وجود ثنائي أكسيد الكربون، وثنائي أكسيد الكبريت، ويُحتمل وجود السيانوجين وكبريتات الهيدروجين، فضلاً عن وجود العديد من المركبات العضوية المختلفة. كشفت معلوماتٌ حديثة عن أدلة عن وجود الأملاح كسلفات الماغنزيوم مع احتمال وجود سلفات الصوديوم أيضاً، والذي يعود منشأ تكوّنه هنا إلى المحيطات تحت الأرضيّة (مياه جوفيّة).
يختلف باطن قمر جانيميد عن ظاهره، حيث يتألف من محورٍ داخليٍّ صلبٍ من الحديد السائل، ومحورٍ خارجي مصنوعٍ من كبريتيد الحديد، إضافةً إلى غطاء مكوّن من السيليكات، كما أنّ القشرة الكروية مكونةٌ على نحوٍ أساسيٍّ من الثلج المحيط بالمحور وبغطاء الصخرة. يُعتقد أن المحور يعادل نصف قطره 50 كم، كما تساوي درجة الحرارة بين 1500 إلى 1700 كلفن، والضغط يفوق 10 ميغا باسكال.
الدليل الأكثر إقناعاً على وجود السائل في هذا القمر، هو أنّ المحور الغنيّ بالمعدن يعتبر الحقل المغناطيسي الفعلي له. كما أنّ الحمل الحراري للحديد السائل، الذي يعتبر ذو ناقليّة عاليّةٍ للكهرباء، يمثّل النموذج الأوضح لمجال الحقل المغناطيسي. في حين يعتقد أن كثافة هذا المحور تعادل ما بين 5.5 إلى 6 سم مكعّب، أمّا كثافة غطاء السيليكات فتقدّر بنحو 3.4 إلى 3.6 غرام/سم مكعّب.
هذا الغطاء مؤلّف من عناصر السيليكات، كالحديد والكوندريت، أما القوقعة الجليديّة فهي الطبقة الأكبر على الإطلاق، حيث تعادل سماكتها 800 كم، أي 497 ميلاً. السماكة الدقيقة لهذه الطبقة أو لغيرها من الطبقات داخل القمر تعتمد على المكونات المُعتقد وجودها من السيليكات و معدّل السلفات في المحور.
يعتقد العلماء أيضاً بأنّ لجانيميد محيطاً متموضعاً (معشعشاً) بين طبقتين من الثلج، أي طبقة رباعيّة الأضلاع بينها وبين المحور وطبقة سداسيّة الأضلاع فوقها. وجود هذا المحيط يؤكّد من خلال قراءة المدارات والدّراسات حول فعالية فجر جانيميد (شفقه). باختصار، تتأثر فلقات القمر بالحقل المغناطيسي المحيط بجانيميد، الذي يتأثر بدوره بوجود محيطٍ ذي طبقةٍ مالحة المياه وكبيرة الحجم.
يتكوّن غطاء القمر جانيميد من نوعين مختلفين من التضاريس، حيث توجد المناطق القديمة جداً والمرتفعة على هيئة فوهات البراكين، إضافةً إلى كونها عاتمةً جداً. والمناطق الأخرى هي أكثر حداثة (يافعة أكثر)، كما أنّها مضاءة أكثر على شكل مجموعةٍ كبيرةٍ من الأخاديد والقمم الجبلية. بشكلٍ يماثل القمر يوروبا. من الجدير بالذكر أنّ القمر ذو سطحٍ غير متساوٍ، بحيث يبدو نصف الكرة الأماميّ مضاءً أكثر من النصف الخلفي.
المنطقة الغامقة (المعتمة)، التي تمثل حوالي ثلث السطح، كما أن اللون في هذه المنطقة يأتي من السطح الجليدي في هذه المناطق، والمحتوي على الوحل والمواد العضوية، كما تعتقد النظريات أن هذه العناصر قد زالت بفعل عوامل، ممّا يتفق مع الحقيقة التي تفيد بأن تأثير الحفر أقوى في المناطق الداكنة.
في الوقت نفسه، يُعتقد أنّ التضاريس المخدّدة هي تكتونيّة فى الطبيعة، الأمر الذي يمكن أن يُعزى جزئياً إلى كونها من طبيعة بركانيّة مضادّةٍ للبرد، ولكنّ الأمر الأكثر ترجيحاً أنّ منشأها من أحداث المدّ الدافئة، يمكن لهذا المدّ الباطني أن يكون قام بتدفئة الباطن إضافةً لأنها أجهدت أديم الأرض، الأمر الذي أدى إلى حصول شقوقٍ وصدوع وأخاديد ممّا أدى إلى نحي التضاريس الداكنة القديمة بنسبة 70% من على السطح على الرغم من كون الفوهات أكثر شيوعاً في المناطق الأغمق بحيث تنتشر على سطح هذه المنطقة، قد يكون كوكب جانيميد شاهداً على عمليّة حفر (حت) قاسيةٍ منذ 3.5 إلى 4 بلايين عام مماثلة لتلك العمليات التي تمّت على سطح القمر، وفي حال صحة هذا الأمر، الأغلبية العظمى من المؤثرات التي حدثت في هذا العصر، سيكون معدّل الحتّ أقل بكثير في ذلك الوقت.
الفوّهات على سطح كوكب جانيميد ستكون أيضاً أكثر تسطحاً في ذلك الوقت من تلك التي على القمر أو على عطارد، والذي يعتقد أنّه على علاقة بطبيعة الكوكب الجليديّة، رغم أنّ جانيميد قد تعرّض أيضاً لأغطيةٍ قطبيةٍ عدّة، مما أدى لتشكل المياه الجليديّة والتي رصدتها سابقاً المركبة الفضائية فوياجر.
منذ بداية الاكتشاف، قدمت عدّة نظرياتٍ اقتراحاتٍ لهذا التشكيل، ممتدّةً من اقتراح الهجرة الحراريّة لبخار الماء نحو نطاقاتٍ (طبقاتٍ) أعلى لمدفع البلازما مما يجعلها تتحوّل إلى ثلجٍ خفيف. تشير البيانات التي أعطتها مركبة غاليليو عن وجود تماثل كبير جداً بين حدّ الغطاء القطبيّ وحدود الحقل المغناطيسي التابع للقمر، مما يقترح أنّ النظرية الأخيرة قد تكون صحيحة.
الغلاف الجوي
على نحوٍ شبيه بالقمر يوروبا، يمتلك جانيميد طبقةً خفيفةً من الأوكسجين، وطريقة تشكّل الهواء في جانيميد أيضاً مماثلة لطريقة التشكل في قمر يوروبا، حيث تشمل مياه الثلج على السطح ليتمّ مزجه مع الهيدروجين والأوكسجين من خلال التفاعل مع الإشعاع فوق البنفسجيّ، بحيث يطير الهيدروجين في الهواء ويحتفظ بالأوكسجين، كما يُعتقد بأنّ ضغط الطبقة في هذا الجوّ يكون ضمن حدود 0.2 – 1.2 ميكرو باسكال.
يعطي وجود هذا الغلاف الجوي أثراً وهاجاً، وميضٌ خفيف من الضوء يسببه تفاعل الأوكسجين الذرّي مع الجزيئات الطاقية، كما أن هذا التأثير لا تتم عرقلته كما هو الأمر في قمر يوروبا، ولكن بدلاً من ذلك يسبب ظهور البقع المضيئة فوق المناطق القطبيّة، والتي من الممكن اعتبارها "آفاقاً قطبيّة" تبعاً للحقل المغناطيسي للكوكب.
أعطى اكتشاف غازاتٍ مختلفةٍ محصورةٍ في ثلج جانيميد أدلة إضافيّةً على وجود أوكسجين في الجو، ويتكون هذا الدليل من التحديد الطيفي للأوزون، إضافةً لخصائص الامتصاص التي تدل على وجود غاز الأوكسجين. مكوّن آخر وهو الهيدروجين، بالرغم من أن معظمه يضيع في الفضاء، إلا أنّ تواجده لا يزال منتشراً بتراكيز ضعيفة.
يدل تواجد غلافٍ جويٍّ بطبيعةٍ حياديّة كهذه على أنّ وجود الغلاف الأيوني هو منذ تأيّن جزيئات الأكسجين بتأثير الإلكترونات الطاقيّة الآتية من المغنتوسفير (الغلاف المغناطيسي) إلى جانب الأشعة فوق البنفسجية الشمسية الكهرومغناطيسية. على العموم، يبقى وجود الغلاف المتأين موضع جدل، تبعاً للخلاف حول البيانات المجموعة من المهمّات المختلفة.
مغنتوسفير (الغلاف المغناطيسي) يتميز جانيميد عن بقية الأقمار في النظام الشمسي بكونه الوحيد الذي يمتلك غلافاً مغناطيسياً، بحيث يقدّر العزم المغناطيسي للقمر بنحو\(1.3×10^{13} T·m^3 \) أي أكبر بثلاث مرات من الفترة المغناطيسية لعطارد. يميل الجزيء ثنائي الاستقطاب لناحية محور دوران القمر جانيميد بدرجة 176، ما يعني أنه متوجه عكس العزم المغناطيسي للمشتري.
يُخلق الحقل المغناطيسي ثنائي الاستقطاب جرّاء عزم دائم بقوة 719 ± 2 تسلا على خط استواء جانيميد، وبضعف العدد تقريباً عند الأقطاب بنحو 1440 تسلا، كما أن هذا العزم المغناطيسي أيضاً يقوم بحتّ جزءٍ من الفضاء حول جانيميد، ليكوّن غلافاً جوياً ضئيلاً مطوياً داخل جانيميد بقطرٍ يتراوح بين 10,525 – 13,156 كليومتر.
للغلاف المغناطيسي التابع لجانيميد منطقة من خطوط الحقل المغلقة تحت خط العرض 30° حيث تكون الجسيمات المشحونة محصورة (الإكترونات والأيونات) ليخلق ذلك ما يشبه الحزام الإشعاعي. الأكسجين المتأين هو الأساس بين الأنواع المتأينة الموجودة في الغلاف المغناطيسي، ليتناسب تماماً مع الغلاف الجوي الأكسجيني التابع لجانيميد.
التفاعل بين الغلاف المغناطيسي لجانيميد وبلازما المشتري تتّصل من نواحٍ عديدةٍ مع الرياح الشمسية والغلاف المغناطيسي التابع للأرض. تدور هذه البلازما مع المشتري لتلامس آخر طرف الغلاف المغناطيسيّ لجانيميد ليشابه هذا تلامس الرياح الشمسيّة للحقل المغناطيسيّ التابع للأرض.
إلى جانب العزم المغناطيسي الأصلي، يشمل جانيميد حقلاً مغناطيسياً ثنائي القطب يرتبط بقاؤه بالاختلاف في الحقل المغناطيسي التابع للمشتري والقريب من القمر جانيميد. الحقل المغناطيسيّ المائل لجانيميد مشابهٌ لذلك المحيط بكالّيستو ويوروبا، ليؤكّد على أن هذا القمر يمتلك أيضاً مياه محيطيةً سطحيّة بدرجة عالية من الناقليّة الإلكترونية.
على العموم، الحفاظ على وجود الغلاف المغناطيسي التابع لجانيميد لا يزال مبهماً، حيث يعتقد من جهةٍ أنّ وجوده هو نتيجة لتأثير جانيميد الناتج عن المواد التي تتحرّك في الصميم (قلب القمر) بطريقة مشابهة بالأرض.
الأجسام الأخرى التي تمتلك قلباً يحتوي على عناصر معدنية لا تمتلك أغلفةً مغناطيسية، وبما أنّ صميم القمر جانيميد يعتبر صغيراً نسبيّاًً فمن المُقترح أنّه يقوم بتبريد حركة السائل التدفّقية فيه، والذي لن يعود للحركة بعدها.
تفسيرٌ واحدً لهذا التعارض الذي فسرناه، وهو أنّ الرّنين المداري من الممكن قيامه بتفريق السطح (تشتيته)، ما سيسمح للحقل المغناطيسيّ بالدّوام والاستمراريّة. ومع ارتفاع الحرارة الجزريّة خلال هكذا نوعٍ من الرنين، من المحتمل أن يقوم الغطاء بعزل ما بداخله (الصميم)، ليمنع البرودة من الوصول إليه. تفسير آخر، وهو من المغناطيسيّة المتبقيّة من حجار السليكيّة الموجودة في الغطاء، في حال كان القمر ذو قابليّة أيضاً ليولد للحقل المغناطيسي في فترةٍ سابقة.
القابلية للحياة
هناك تخمينٌ يفيد بإمكانيّة الحياة في محيط جانيميد، حيث نشر تحليل في عام 2014 يأخذ بعين الاعتبار الخصائص الديناميحرارية للمياه وتأثيرات الملح، لتقترح إمكانيّة امتلاك جانيميد لعدّة طبقاتٍ محيطية بحالاتٍ (أطوارٍ) مختلفةٍ من الجليد، مع طبقةٍ سائلةٍ أخفض متاخمةٍ للغطاء الصخري جنبها.
يعتبر هذا الأمر مهمّاًً، تصبح الطبقة الأقرب إلى الداخل الصخري عرضةً للحرارة بسبب وجود جزر الثني في الغطاء، من الممكن للحرارة أن تنتقل إلى المياه عن طريق ثقوبٍ لتمرير الحرارة، والتي تستطيع أن تؤمّن الحرارة والطاقة اللازمة لدوام الحياة على القمر.
إلى جانب وجود المياه الممزوجة بالأوكسجين، يمكن وجود أشكالٍ للحياة على حدّ الفاصل بين الغطاء والصميم بشكل extremophiles بشكل يماثل الحياة في المحيطات على الأرض، كما يتوقّع وجودها في المحيطات الداخليّة بقمر يوروبا.
الاستكشاف
حلّقت عددٌ من المسابر فوق وحول كوكب المشتري لاكتشاف قمر جانيميد عن كثب، بما في ذلك عملية رباعية من التحليق تمّت في السبعينات، إلى جانب التحليق بمساراتٍ عديدةٍ في التسعينات من القرن الحادي والعشرين. النتائج الأولى التي تمّ الوصول إليها من قبل 10 رواد و11 مسبار، والذين اقتربوا من القمر بين عامي 1973 و1974 على التوالي، وعادت هذه البعثات بمعلوماتٍ أكثر تحديداً عن الخصائص الماديّة والشكل عن بعد 400 كيلومتر (250 ميلاً) عن سطح القمر.
البعثات التي تلت في عام 1979، عندما قطعت مسابر المركبة فوياجر 1 و2 القمر، ليُعاد تنقيح البيانات المتعلقة بالحجم والكشف عن تضاريس أخدوديّة جديدة تم الكشف عنها في المرة الأولى.
في عام 1995، دارت المركبة الفضائية غاليليو حول المشتري، وقامت بست عمليات تحليق بين عامي 1996 و2000، لتشمل اكتشاف المجال المغناطيسي لقمر جانيميد والمحيط الداخلي للقمر، إلى جانب الحصول على عدد كبير من الصور الطيفيّة التي أظهرت المركبات غير الجليديّة على سطح القمر.
آخر مهمةٍ إلى جانيميد قام بها مسبار مركبة نيوهورايزنز الجديدة في عام 2007، أثناء توجهه إلى كوكب بلوتو، حصل المسبار على معلوماتٍ طبوغرافية ومكونات بياناتٍ تخطيطيّة من قمر يوروبا وجانيميد خلال رحلته إلى كوكب المشتري. لا يوجد أي بعثات جديدةٍ إلى جانيميد حاليّاًً في العمليات الجديدة، ولكن هناك عدة رحلات مخطّط لها خلال العقود القادمة.
واحد من الاقتراحات كان مشاركة ناسا وإليسا بنظام المهمّة لقمر المشتري يوروبا EJSM، حيث ستُكتشف أقمار المشتري بما في ذلك القمر جانيميد والتاريخ المقترح لبدء هذه العملية هو عام 2020، وتتألف هذه الحملة من مدار يوروبا، مدار جانيميد، ومن المحتمل أن تشمل المدار المغناطيسي للمشتري.
أعيد تسمية مساهمة وكالة إليسّا باسم استكشاف قمر المشتري الجليديّ JUICE عام 2012، كما أصبح لها مركز إطلاقٍ خاص بجانب مركز البرنامج العلميّ للرؤية الكونيّة التابع لإليسّا (حيث تخطّط للإقلاع عام 2022 أو 2024).
من الممكن لهذا المخطط أن يشتمل مهمّةً مرافقةً من مركز البحث الفضائي الروسي، الذي يعرف بمسبار جانيميد GL، كما يحتمل أن يشمل على اختبار JUICE لجانيميد من خلال المدار والرّحلات العديدة إلى يوروبا وكالّيستو.
يحدّد مدار جانيميد من خلال مسبار جونو Juno والذي تمّ تقديمه في عام 2010 من خلال المسح العقديّ للعلوم الكواكبيّة وكجزءٍ من تقرير اللجنة الذي طرحه المسح، والمعنون باسم "الرؤية والرحلات للمسح العقدي للعلوم الكواكبية ما بين عامي 2013-2022" ، وهو مفهومٌ تتم دراسته لمعرفة مدار جانيميد المحتمل، والذي يشمل رسائل توصية حول استخدام الآلات.
هناك اقتراح تمّ إلغاؤه حول مدار جانيميد وهو أن مدار الأقمار الجليدية التابعة للمشتري JIMO والذي استُكشف في رحلةٍ إلى قمر يوروبا وجانيميد وكالّيستو، كما تمّ التصميم على استخدام الانشطار النووي لتوليد الطاقة إلى جانب المحرك الأيوني لتوليد الدفع. درس JIMO تفاصيل أكثر عن القمر جانيميد ممّا درسته المدارات السابقة، ولكن تمّ إلغاء المهمة عام 2005 بسبب التكلفة العالية.
القابلية لحياة البشر على سطحه
جانيميد مرشح محتمل للحياة البشريّة – وحتّى تشكّل اليابسة وذلك نظراً للمزايا العديدة لهذا القمر. واحدة من هذه الميّزات هي أنّ جانيميد هو القمر الأكبر التابع للمشتري، كما أن قوة جاذبيته تعادل 1.422 متر في الثانية للتربيع، ما يساوي 0.146 غرام، لتكون مماثلة لقمر الأرض. على نحوٍ كافٍ للحدّ من آثار ضمور العضلات والعظام، هذه الجاذبية القليلة تعني أيضاً أن للقمر هذا سرعة إفلاتٍ أقل، ما يعني أنه سيستغرق كميّة أقل بكثير من وقود للصواريخ للإقلاع من على سطح الأرض.
ما هو أكثر من ذلك، وجود المجال المغناطيسي يعني أنّ المستعمرين (البشر مثلاً) سيكونون بمنأى عن الإشعاع الكوني الذي تتعرض له الأجسام الأخرى. انتشار المياه الجليديّة يعني أن من الممكن لهؤلاء المستعمرين إنتاج الأكسجين الذي يمكنهم تنفّسه، مياه الشرب التي يشربونها، إلى جانب قدرتهم على إنتاج وقودٍ للصواريخ. ولكن لسوء الحظ، هناك تحديات عديدة للاستعمار على سطح جانيميد.
بدايةً، وجود المجال المغناطيسي لا يغطي القمر جانيميد على نحوٍ كافٍ من الإشعاع الكوني بشكل يضمن سلامة البشر الذين قد يعيشون عليه، وذلك بناءً على كون هذا القمر متعرّضاً لقوّة الحقل المغناطيسي لكوكب المشتري.
نتيجةً لذلك، يتعرض سطح القمر لـ 8 ريم من الإشعاع في اليوم الواحد، مما يعادل 333 مرة من المعدل الذي تتعرض له الكائنات الأرضية في العام! تعني سيطرة الحقل المغناطيسي للمشتري أيضاً أن مجال جانيميد المغناطيسي ليس قوياً بشكلٍ كافٍ ليحتفظ بغلافٍ جوي ذي كثافةٍ كافيةٍ قادرة على الحفاظ على حياة البشر، كما أنّه غير كافٍ للحفاظ على القدر اللازم من الحرارة في الوقت نفسه، لذلك قد يكون الاستقرار على سطح هذا القمر بحاجةٍ إلى بيئةٍ أكثر حمايةً من الإشعاع الكوني وغنيّةً بالهواء أكثر.
كحلٍ مقترحٍ لهذه المشاكل، ومشابهٍ للحل الذي اقترح للقمر يوروبا، هو أن تبني الكائنات المستعمرة على سطح هذا القمر ما يشبه بالمساكن أو المستقرّات تحت الغطاء الثلجي، أو تحت الطبقة الثلجية كلها، ليكون المستعمرون بذلك محميّين تماماً من الإشعاع الكوني المضرّ عن طريق الاحتماء بغطاءٍ جليدي، كما يمكن لهم الاستفادة من هذا الغطاء كقنواتٍ تصل بين المحيط والسطح، ليتمّ ضخ المياه إلى الداخل لتصبح وقوداً للدفع.
هذه التوقّعات لا تزال بعيدةً عن الواقع في الوقت الحالي، حيث إن اكتشاف قمر جانيميد وحلّ شيفراته واكتشاف المزيد من ألغازه وأسراره هو الأولوية الآن، كغيره من الأقمار "الغاليليّة"، لجانيميد ثروةٌ من الألغاز والصفات الفريدة، والعديد منها لا يزال مبهماً.
إلى جانب كونه القمر الأكبر في المجموعة الشمسيّة كلّها، يعتبر القمر الوحيد إلى جانب الأرض (والغازات العملاقة) الذي يمتلك مجالاً مغناطيسياً، إلى جانب إمكانية وجود الحياة تحت طبقته الجليديّة، على الأغلب بالشكل الميكروبيّ من الحياة أو الكبير. وكلّ ذلك يجعل جانيميد هدفاً جيداً للاستكشافات المستقبلية.