العلم عمليّة ديناميكيّة يمثّل طرحُ الأسئلة فيها أمرًا جوهريًا، فضلًا عن الافتراض، والاكتشاف، وتغيير الأفكار السابقة المبنيّة على ما تعلمناه.
تتطور الأفكار العلمية بالاعتماد على المنطق والاختبار والرصد. ويقيّم العلماء أيضاً أعمال بعضهم ويطرحون الأسئلة، وهي عملية تُعرف بالمراجعة العميقة. وبمرور الزمن، تغير فهمنا للكون وموقعنا فيه؛ حيثُ تجعلنا المعلومات الجديدة نُعيد التفكير بما نعرفه ونُعيد تقييم كيفية تصنيف الأجسام للحصول على فهم أفضل لها. وقد تأتي وجهات النظر والأفكار الجديدة تلك من مراجعة نظريةٍ ما، أو رؤيةٍ من مكان تحطّم تصنيفنا.
إنَّ تعريف مفهوم ما كالكوكب يمثّل أمرًا مهمًا جداً؛ لأنّ مثل هذه التعريفات تعكس فهمنا لأصول، وهندسة، وتطوّر نظامنا الشمسي. وعلى مرّ الزمن فإنَّ الأجسام التي صُنّفت بوصفها كواكبَ تغيرت. عدَّ الإغريق القدماءُ الشّمس، وقمرَ الأرض، من بين الكواكب، فضلًا عن عطارد، والزهرة، والمريخ، والمشتري، وزحل. ولم تُعتبر الأرض كوكبًا أبداً، وإنما نُظر إليها على أنها الجسمُ المركزيُّ الذي تدور حوله كلُّ الأجسام السماوية الأخرى.
كان "أرسطرخوس" من ساموس، في القرن الثالث قبل الميلاد، أولَ من قدم نموذجاً يضع الشمس في مركز الكون المعروف، جاعلًا الأرضَ تدور حولها، لكنّ هذا النموذج لم يلقَ قبولاً عاماً. واستمر الأمر على هذا النحو حتى القرن السادس عشر، حينما أعاد "نيكولاس كوبرنيكوس" هذه الفكرةَ إلى حيّز الوجود من جديد. وبحلول القرن السابع عشر، أدرك علماء الفلك، المجهزون باختراع التلسكوب، أن الشمس هي الجسم السماوي الذي تدور حوله الكواكب –بما في ذلك الأرض –وأن القمر ليس كوكباً، وإنما تابعٌ طبيعي (satellite) للأرض. وبعد ذلكَ أُضيف أورانوس إلى قائمةِ الكواكب في العام 1781، ومن ثمَّ نبتون الذي اكتشف في العام 1846.
وبحلول عامِ 1801 اكتُشفَ سيريس الموجودُ بين المشتري والمريخ، وصُنّف بدايةً على أنه كوكب، لكنّ وجود كثير من الأجسام المشابهة له في هذه المنطقة، جعل العلماء يعيدون النظر في تصنيفه، حيثُ أدرك العلماء أن سيريس هو أول الأجسام المكتشفة بين مجموعة جديدة من الأجسام المتشابهة التي أُطلق عليها في النهاية اسم الكويكبات (asteroids)، أو الكواكب الصغيرة.
عُرف بلوتو، المكتشف عام 1930، على أنه الكوكب التاسع، لكنه أصغر بكثير من عطارد، وأصغر حتى من بعض أقمار الكواكب. إنّ بلوتو مختلفٌ عن الكواكب الأرضية (عطارد، والزهرة، والأرض، والمريخ)، وعن العمالقة الغازية (المشتري وزحل)، وعن العمالقة الجليدية (أورانوس ونبتون)، ويبلغ حجم قمره "شارون" نصف حجم بلوتو ويشاركه مداره. وقد حافظ بلوتو على مكانته بين الكواكب في ثمانينات القرن الماضي، لكنّ الأمور بدأت تتغيّر بحلول التسعينيات جرّاء بعض الاكتشافات الجديدة.
قادت التطورات الكبيرة في مجال التلسكوبات إلى الحصول على مراقبات أفضل للأجسام الصغيرة جداً والبعيدة. وفي وقتٍ مبكر من تسعينات القرن الماضي، بدأ علماء الفلك باكتشاف عدد ضخم من العوالم الجليدية التي تدور حول الشمس ضمن منطقة تُشبه شكلَ حلوى "الدونات" وعُرفت لاحقاً بحزام كايبر الواقع خلف مدار نبتون. ومع اكتشاف حزام كايبر، وآلاف الأجسام الجليدية فيه المعروفة بأجسام حزام كايبر (KBOs) أو الأجسام العابرة لنبتون (transneptunians)، وجد العلماء أنه من المفيد إعادة التفكير ببلوتو ، وتصنيفه بوصفه جسما من أجسام حزام كايبر بدلا من تصنيفه على اعتبار أنّه كوكب.
وبعد ذلك، وفي العام 2005، أعلن فريق من علماء الفلك اكتشافهم لكوكبٍ عاشر كان جسماً من حزام كايبر أكبر من بلوتو. ونتيجة لما سبق، بدأ الناس بالتساؤل عمّا يعنيه مفهوم الكوكب، وما هو الكوكب على أية حال؟ وفجأة ظَهر أن الإجابة لم تكن واضحة تمامًا، وتبيّن وجود الكثير من الخلافات المتعلّقة بهذا المفهوم. أخذ الاتحاد العالمي لعلم الفلك (IAU) تحدي تصنيف جسم حزام كايبر المكتشف حديثاً على عاتقه، وأُطلق عليه لاحقاً اسم "إيريس". وفي العام 2006، مرر الاتحاد قراراً يُعرّف فيه الكوكب ويؤسس لصنف جديد من الأجسام يُدعى بالكواكب القزمة.
عدَّ العلماءُ كلاً من بلوتو، وسيريس، وجسمين مكتشفين حديثاً من أجسام حزام كايبر هما "هوميا" و"ميكميك" كواكبَ قزمة في يوليو/تموز 2013. وصُنّف كلٌّ من بلوتو، وايريس، وهوميا، وميكميك على أنها أجسام من حزام كايبر (KBO)، فيما حافظ سيريس على تصنيفه ككويكب، ومن المحتمل أنه لا يزال هناك حوالي 100 كوكب قزم في النظام الشمسي، والمئات منها داخل حزام كايبر وخارجه مباشرةً.
لم يجمع علماءُ الكواكب والفلك على هذه التعريفات؛ فقد بدا الأمر لبعضهم على أنه مخطط تصنيف مصمم للحد من عدد الكواكب، في حين رأى آخرون أنّه غير كامل وأنّ التعابير الموجودة فيه غير واضحة. يُجادل بعض علماء الفلك بأهمية الموقع، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بفهم تشكل وتطور النظام الشمسي. وتنصُّ إحدى الأفكار على تعريف الكوكب على أنه جسم طبيعي موجود في الفضاء يمتلكُ كتلةً كبيرة إلى درجة كافية لتسمح للجاذبية بجعله كروياً تقريباً. لكنّ بعضَ بعض العلماء اعترضوا على هذا التعريف البسيط الذي لا يأخذ بعين الاعتبار درجة الكروية، ومتى نعد الجسم كروياً.
في الحقيقة غالباً ما يكون من الصعب تحديد أشكال بعض الأجسام البعيدة، ويجادل علماء آخرون بأنه من المهم معرفة موقع الجسم وممَ يتكون، ولا يجب التركيز على الديناميكا سواء قام الجسم بكنس أو تشتيت الجيران القريبين منه، أو حافظ عليهم في مدارات مستقره حوله، وبذلك يستمر الجدل حول مفهوم الكوكب حتى الآن.
كلما تعمّقت معرفتنا وتوسعت أكثر، كلما ظهر الكون أكثر تعقيداً وشذوذاً. اكتشف الباحثون مئات الكواكب الموجودة خارج النظام الشمسي (الكواكب الخارجية)، وقد تتواجدُ ملياراتٌ منها في مجرة درب التبانة وحدها، ومن الممكن أن يكون بعضها مأهولاً ويمتلك ظروفاً مناسبة للحياة. وإمكانية تطبيقنا لتعريفاتنا للكوكب على هذه الأجسام المكتشفة حديثاً هو أمر لم نتحقق منه بعد.