تلعب الأدوات الطبية التي تعتمد على فيزياء الجسيمات دوراً مهماً في المستشفيات حول العالم، بدءاً من تطوير الأدوية الجديدة وحتى معالجة السرطان. وإن نفس تقنيات فيزياء الجسيمات التي يتم استخدامها لفهم الكون تُستخدم أيضاً لتحسين الصحة والعلاج الطبي.
وفي هذا السياق تلعب المُسرّعات والكاشفات (accelerators and detectors) دوراً مهماً في تشخيص الأمراض، وتقليص الأورام، وتعقيم المعدات الطبية. كما أن عمليات الحوسبة واسعة النطاق (large-scale computing) تساعد في تحديد الأدوية الجديدة الأكثر فاعلية قبل تجربتها على البشر. من ناحية أخرى يقوم علماءُ فيزياء الجسيمات المُدربين جيداً بالعمل كاختصاصيين بالفيزياء الطبية، حيث يحرصون على أن يعمل كل شيء حسب ما هو مخطط له.
تعقيم الأدوات والتجهيزات:
يُمكن أن نستخدم تقنية فيزياء الجسيمات لتعقيم الحُقَن والضمادات والمشارط والسماعات بدون إلحاقِ أي ضررٍ بها. ويتمُّ ذلك عن طريق تمرير هذه المعدات الطبيّة عبر سلسلة من مُسرّعات الجسيمات بحيث تتعرض لحِزَم من الإلكترونات أو الأشعة السينية (X-rays). وفي ظرف ثوانٍ تقوم هذه الحِزَم بالقضاء على أية ميكروبات يمكن أن تكون موجودة على سطح هذه المعدات الطبية.
الحوسبة المُوَزَعة و الشبكية (distributed and grid computing):
لا تُشكّل الشبكة العالمية العنكبوتية (World Wide Web) الإنجاز الحوسبي الوحيد الذي نتج عن فيزياء الجسيمات. فقد قام علماءُ فيزياء الجسيمات بتطوير شبكةٍ من الشبكات بغرض تسهيل التعامل مع الكم الكبير من البيانات التي تنتج عن تجاربهم. وتتيح هذه الشبكة للعديد من مستخدميها مشاركة القدرة الحوسبية والسعة التخزينية. ويمتلك مفهومُ الشبكة هذا عدة تطبيقات في المجال الطبي، مثل اختبار الأدوية الجديدة بغرض التوصل لأكثرها فاعلية في محاربة المرض.

المُحاكاة (simulation):
التدريب يؤدي إلى الإتقان، وحين يتعلق الأمر بصحتنا فكلما كان الإتقان أكثر كلما كان ذلك أفضل. لذا يقوم بعض الأطباء واختصاصيو الفيزياء الطبية بتصميم خُطط علاجية مستخدمين نماذج محاكاة كتلك التي تُستخدم في فيزياء الجسيمات لتحديد التفاعلات الكهرومغناطيسية و النووية بين الجسيمات والأنسجة. تقوم البرمجيات (software) المستخدمة في العلاج الشعاعي مثلاً بمساعدة الأطباء على فهم ما الذي سيحدث عندما تمر الجسيمات عبر جسم شخص مريض.

أشباه الموصلات (semiconductors):
تُعتبر أشباه الموصلات السيلكونية المكونَ الأساسيّ للمئات من الكواشف المستخدمة في فيزياء الجسيمات حول العالم. توجد أشباه الموصلات هذه حول نقاط اصطدام الجسيمات، وتقوم بتتبع الجسيمات المشحونة لإنتاج صورة لمسار هذه الجسيمات. يستخدم الأطباء هذه التقنية في عدة أجهزة طبية بما في ذلك أشباه موصلات أشعة الليزر، و هي عبارة عن حِزَم منفصلة و عالية الكثافة من الضوء. وتمتلك هذه الحِزَم دقةً عاليةً جداً، ولذا فهي تستخدم في العمليات الجراحية الدقيقة مثل جراحة العيون.
الطاقم المُدرّب في مجال فيزياء الجسيمات:
يمكن العثور على العديد من فيزيائيي الجسيمات في المستشفيات و العيادات. تمكّن هؤلاء الفيزيائيون من الانخراط في المجال الطبي بعد تدريب مكثف في مجال تشغيل و صيانة المُسرعات. وكنتيجة لفهمهم لحِزَم الجسيمات فإن دورهم يُعتبر قيماً كاختصاصيين يقومون بإدارة أجهزة التصوير الطبي التي تستخدم في اكتشاف الأورام، و تشغيل مُسرعات الحزم التي تستخدم للقضاء على السرطان.
التصوير المقطعي باستخدام الانبعاث البوزيتروني (PET):
تعتبر أجهزة التصوير المقطعي باستخدام الانبعاث البوزيتروني (positron emission tomography) أواختصاراً (PET) من الأدوات التي تتيح للاختصاصيين في المجال الطبي فحص الأعضاء والأنسجة داخل جسم الإنسان. و تنتمي ماسحات PET لتقنيات الكشف التي تم تطويرها في ثمانينيّات القرن الماضي بهدف الكشف عن كلّ فوتون بشكل منفرد في تجارب فيزياء الجسيمات. والأمرُ المثير للغرابة هو أن هذه الماسحات تستخدم المادة المضادة (antimatter) التي يتم إنتاجها داخل الجسم. فعندما يتم حقن مادة خاصة بالتَتَبُّع داخل جسم المريض يحدث تخامدٌ إشعاعيّ باعث للبوزيترونات، وهي الجسيمات المضادة للإلكترونات في عالم المادة المضادة. تفنى هذه البوزيترونات عند التقائها بالإلكترونات المجاورة، فتنبعث رشقات من الفوتونات. يتم كشف هذه الفوتونات وبالتالي تكوينها في صورة ثلاثية الأبعاد.
الرنين المغناطيسي (MRI):
التصوير باستخدام الرنين المغناطيسي (magnetic resonance imaging) هو مفهوم أساسي نشأ في بدايات البحث الفيزيائي. و يعتبر أكثر تطوراً من التصوير التقليدي الذي يفشل أحياناً في اكتشاف الأورام المختبئة داخل الأنسجة الكثيفة. عندما يتمّ تعريض المريض لمجال مغناطيسي قوي داخل جهاز الرنين المغناطيسي تقوم الذرات في جسم المريض بالاصطفاف في اتجاه هذا المجال. يتم عندها تشغيل تيار تردّد راديوي (radio frequency current) بشكل مؤقت، الأمر الذي يدفع البروتونات داخل الذرات للدوران بشكل مستمر حتى تتم إزالة هذا التيار فتعود البروتونات لموقعها (يعود كل بروتون بمعدل مختلف). ويتيح قياس الاختلاف في معدلات عودة البروتونات للعلماء تحديد ما يحدث داخل الأنسجة الحية.
علاج السرطان:
تتمثل إحدى أكثر تقنيات مكافحة السرطان فاعليّة باستخدام تقنية يستعين بها فيزيائيّو الجسيمات لتسريع حزم الجسيمات إلى سرعات عالية تقارب سرعة الضوء. ويفوق عدد مسرعات الجسيمات التي يتم استخدامها حول العالم لتشخيص وعلاج الامراض 17,000 مسرع. ولاستهداف الأنسجة المصابة بالسرطان يقوم الأطباء باستخدام حزمة من الجسيمات المشحونة بدلاً عن المشرط، حيث يقومون بقتل الخلايا الخبيثة عبر تدمير جدائل الحمض النووي (DNA strands) الموجودة بداخل نواة الخلايا الخبيثة بدون التسبب في ضرر الأنسجة السليمة المحيطة بالخلايا الخبيثة المستهدفة.