العيش خارج الأرض، تحدٍ كبير

العيش خارج الأرض، تحدٍ كبير

 

دُعيتْ سوزانا زانيللو Susana Zanello -خبيرة التكيف البشري للعيش في الفضاء- كضيف أكاديمي في معهد البوليتكنيك في لوزان EPFL. وافقت هذه العالمة الشهيرة في مشاركة آرائها حول بحثها وحول الاستكشاف والرحلات المقبلة إلى المريخ وأكثر من ذلك.

 

تؤثر الرحلات الفضائية على الجسم البشري بطرق عديدة أكثر مما نظن، تتخصص سوزانا زينللو في هذه التأثيرات، وقد تدربت كعالمة أحياء، وتعمل لصالح قسم علوم الحياة الفضائية (Division of Space Life Sciences) أو اختصاراً (DSLS) في هيوستن، في مؤسسة دعم عمل وكالة ناسا.

 

مهمتها هي البحث في التكيف البشري للحياة في الفضاء والتعريف بالمخاطر التي تتضمنها، وتطوير تدابير مضادة للحفاظ على صحة روّاد الفضاء عند ذهابهم في مهمات استكشافية.

ولأربعة شهور، ستكون ضيفة أكاديمية في مختبر الدكتور فيليب رينو للنظم الميكروية رقم 4.

 

∗كيف سيساعدك البقاء في EPFL ضمن بحثك الخاص؟

 

جئت إلى هنا لمعرفة المزيد عن النَّمْنَمْة وجمع بعض الأفكار. نحتاج في الطب الفضائي إلى أجهزة صغيرة الحجم تسمح خلال الرحلة بالتحليل والمراقبة الصحية في الزمن الحقيقي، وذلك لقياس مؤشرات مثل معدل ضربات القلب، وضغط الدم، ومعدل التنفس، ودرجة حرارة رواد الفضاء.

 

بالإضافة إلى ذلك، على الأجهزة توفير إمكانية الإسناد الترافقي للبيانات التي جمّعتها للحصول على الحالة الصحية لكامل الطاقم. هذه نقطة حاسمة لأن لدينا الكثير من القيود في الفضاء: المساحة المتاحة، ووقت الطاقم، ووزن الأشياء التي نأخذها إلى هناك، لذلك فنحن نبحث عن التقنيات الميكروية والنانوية لبناء أجهزة أفضل وأصغر.

 

∗ما هي أهم آثار الرحلة الفضائية على الجسم؟

 

إنه تحدٍ كبير أن تعيش خارج الأرض، عبر التطور تكيفت الحياة لتكون كما هي عليه الآن على هذا الكوكب. واحدة من المخاطر الأساسية في الفضاء الجاذبية الضعيفة أو حتى انعدامها، كنتيجة واضحة جداً لذلك هو حدوث فقد في كثافة المعادن للعظام، فهناك وببساطة لا يوجد داعي لمحاربة قوى الجاذبية –كما نفعل بطبيعة الحال هنا على الأرض-، فبالتالي لا توجد حاجة للهيكل العظمي لتقويتنا.

 

يبدأ جسم الإنسان بالتكيف عن طريق التقليل من كثافة النسيج العظمي ومعالجة الكالسيوم بشكل مختلف، وهذا يؤدي إلى فقدان القوة في عظامك، مما يزيد من مخاطر الكسر عند عودتك للأرض، فضلاً عن تكوّن الحصيّات الكلوية.

 

تُشكّل الأشعة الكونية خطراً جسيماً آخر للاستكشاف الفضائي، حيث يُعتبر المجال المغناطيسي الأرضي واقياً فعالاً للغاية، فيمنع معظم الجزيئات عالية الطاقة من بلوغ سطح كوكبنا.

 

خارج أحزمة فان ألن Van Allen -أو على الكواكب الأخرى أيضاً- فنُقصف باستمرار بالبروتونات الشمسية القوية والأشعة الكونية المجرية، فهناك دليل مثبت حول قدرتها على عبور جسمنا وتداخلها مع حمضنا النووي، لذلك على المدى الطويل كل هذه المخاطر المصاحبة لتشوّهات الـ DNA مثل السرطان يجب أن تدرس بعناية فائقة.

 

∗يركز بحثك أيضاً على التغيرات في رؤية رواد الفضاء.

 

في أوائل الألفية الحالية، بدأنا بمراقبة تدهور الحدة البصرية القريبة لرواد الفضاء بعد قضائهم فترة من الزمن في محطة الفضاء الدولية. بعد إجراء مزيد من الفحوصات لاحظنا تغيّر في أشكال عيونهم دعي بـ "التفلطح الكروي" وسماكة في الجزء الخلفي من العين عند بداية العصب البصري. خضع حوالي 60% من رواد الفضاء للأذية في الرؤية والتي لا يمكن معالجتها في بعض الحالات، لهذه الأسباب الواردة تعتبر ناسا الرحلة خطر صحي كبير على رواد الفضاء.

 

∗ما الذي يسبب أذية الرؤية؟

 

نعتقد أنه يحدث بسبب ارتفاع السوائل داخل الجسم، حيث تميل السوائل على الأرض للنزول باتجاه أرجلنا، بعدها تساعد حركة الأرجل والصمامات في أوردة الساقين على ضخ الدم ليصل إلى القلب، أما في الجاذبية الضعيفة لسنا بحاجة إلى هذا النظام ويتم ضخ السوائل ضمن الجسم باتجاه الرأس، وهذا يؤدي إلى وجه منتفخ نمطي وأرجل كأرجل الدجاج يمتلكها رواد الفضاء، لكن ربما قد يؤدي أيضاً إلى زيادة الضغط داخل الجمجمة، ويفترض العلماء أنه عندما يزداد الضغط في السائل الدماغي الشوكي يتغير الضغط خلف العينين مما يؤثر على حدة البصر.

 

∗في أي اتجاه ستركز البحوث الخاصة بك في المستقبل؟

 

هناك علامات فيزيولوجية للتكيف نستطيع ملاحظتها، وتلك الكامنة عند المستوى الجزيئي أيضاً، حيث يمكن أن تُبدي الجينات سلوكاً مختلفاً في الفضاء، مؤديةً لتغيرات فيزيولوجية معينة.

 

تسعى الدراسات التي أُجريها الآن للإجابة حقاً عن هذه الأسئلة. ولكن أيضاً، هناك الكثير من القيود المفروضة على إجراء التجارب في الفضاء. فعادةً، يبقى رواد الفضاء هناك لحوالي ستة أشهر، والآن اثنين منهم يشاركون في بعثة لمدة سنة واحدة، ولكن عندما نتحدث عن الذهاب لوجهات بعيدة كالمريخ، هذا يعني بعثات أطول بكثير. ولمعرفة ما يمكن أن يحدث في مثل هذه الرحلات، نستطيع إجراء التجارب ليس فقط في محطة الفضاء الدولية لكن أيضاً على نظيراتها الأرضية، وهي منصات محاكاة إلى حد معين لظروف الفضاء.

 

∗ماهي التحديات الرئيسية لرحلة المريخ بدقة؟

 

يقدر لهذه البعثة أن تستغرق 3 سنوات، الخطر الأول نفسي، ولقياسه علينا أن نأخذ في الاعتبار المدة والبعد والعزلة والبقاء مع عدد محدود من الأشخاص، وضغط العمل الكبير، وكونهم ناجحين في العمل أم لا.

 

الآن وبمجرد وصولك إلى المريخ لديك شيء جيد، لديك جاذبية جزئية، فيتم تحفيز العظام على الفور وتقليل معدل فقدان كثافتها. لكن مرة أخرى سيواجه رواد الفضاء مخاطر الإشعاع عالي الطاقة على السطح، ناهيك عن الظروف المناخية القاسية والغبار والحاجة إلى التغذية الجيدة وغيرها.

 

∗ماذا عن الكواكب الاخرى؟

 

بالطبع بدأنا النظر الى الأجسام النائية، مثل قمر المشتري يوروبا، حيث تم العثور على المياه. لكن هذا أبعد بكثير، بالإضافة إلى أنه -صدقوا أو لا تصدقوا- على الرغم من أن المريخ يبدو غير مضياف فإنه لا بأس به ككوكب مضيف بالمقارنة مع الكواكب الأخرى، حجمه ونمط دورانه مماثل للأرض، لذلك طول اليوم عليه 24 ساعة تقريباً، وهذا شيء مهم للبشر لأن الحياة تطورت لتلائم هذه الظروف، فالعيش على كوكب طول يومه 10 ساعات على سبيل المثال من شأنه أن يؤدي للعديد من الآثار السلبية على الجسم البشري.

 

∗ألم نتكيف في ظروف الأرض بشكل كبير بحيث لم يعد بالإمكان العيش في مكان آخر بالفضاء؟

 

تبين التجارب أنه يمكننا التكيف إلى حد ما مع البيئات الجديدة، وبالطبع ستكون المخاطر موجودة دائماً، الشيء الأكثر أهمية هو أن تحدد بدقة شديدة المستويات المقبولة لتلك المخاطر.

 

علاوة على ذلك، فلا يمكننا تجاهل الشراهة البشرية للاكتشاف، حتى مع وجود درجة عالية من المخاطر، وأراهن على أنه سيكون هناك دائماً أشخاص على استعداد لمواجهتها والقيام بالعمل.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات