ما الذي يحفز الصواعق؟

 الصواعق تضرب جبل سان بيترو، بجزيرة كورسيكا الفرنسية المتوسطية. هل من الممكن أن تكون الأشعة الكونية هي محفز البرق؟


يتساءل أحد العلماء: هل يمكن أن تكون الأشعة الكونية هي السبب؟

البرقُ (Lightning) هو التفريغُ الكهربائي الطبيعي، لكن لا يزال العلماء يفكرون في الأسباب المحفزة له. وقد تحدّث ألكسندر جوريفيتش Alexandr Gurevich، عالمُ الفيزياء الروسي الشهير، إلى كاتيا موسكفيتش Katia Moskvitch عن نظريته، التي تُعد شيئاً من خارج هذا العالم.

ما الذي لا نعرفه عن البرق؟ 


المشكلةُ الرئيسية هي أننا لا نعرفُ كيف تحصلُ السحابة الرعدية على الشرارةِ اللازمة لإطلاق الصاعق .(Lightning bolt) و اللغز الأكبرُ هو أنَ المجال الكهربائي في السحب الرعدية ليس كبير جداً. 


وقد أظهرت سنوات من القياسات التجريبية من الطائرات وبالونات الهواء ، أن هذا الحقلُ أصغر بحوالي 10 مراتٍ من المطلوب لإطلاق البرق. وليس من الواضح كيف تولد الصاعقة، ولكن الفكرة هي أنه لا بد وأن هناك شيء ما "يزرع بذورها" أولاً.

ما الذي نعرفه عن كيفية عمل البرق؟


في العام 1749 اكتشف بنجامين فرانكلين Benjamin Franklin أنّ الصاعقةَ هي تفريغٌ كهربائي بين سحابة رعدية و بين الأرض. نعلم أنه من الممكن أن تولّد العواصفُ الرعدية أكثر من 100 مليون فولت من الكهرباء، ولكننا نعرفُ أيضاً أن هذا يُطبّق عبر مساحة ٍكبيرة حقاً، مئات من الأمتار. وبالتالي، فإن المجال الكهربائي الناتج، أو تركيزُ القوة الكهربائية، ليس كبيراً جداً في الواقع.

تشيرُ التقديرات إلى أنّ الأرض تُضرب بأكثر من 100 صاعقة في كل ثانية. فكيف ينبعثُ هذا التيار الكهربائي؟ 


لكي ينتشر البرق من نقطة المنشأ إلى مواقع أخرى، أي الأرض على سبيل المثال، يجب أن يسمحَ الهواء العازل بطبيعته، بأن تتحرك الشحنة الكهربائية بحرية، الجزء السفلي من السحابة الرعدية ذو شحنة سالبة، وفي أثناء تحرك العاصفة، فإنها تتسبب ُفي تجمع الجسيمات ذات الشحنة الموجبة على مستوى الأرض. لذلك، بينما يتم تحفيزُ البرق، يُولّدُ الجزء السفلي من السحابة قناة من الهواء المؤين -أو "مُرشد" البرق- تسمح للتيار الكهربائي بالتدفق بحرية وتنقلُ الشحنة السالبة نحو الجسيمات ذات الشحنة الموجبة، من أمثال الأشجار أو المباني. هذا هو الوقت الذي تحدث عنده الصاعقة. وهذه التيارات ضخمة، فهي ترفع من درجة حرارة الهواء إلى حوالي 27,700 درجة مئوية، أي إلى درجةٍ أسخن من سطح الشمس بنحو أربع مرات.

ما هي النظريات الرئيسيةُ حول ما يُحفّز هذه العملية؟ 


ثمة فرضيةٌ يبحث فيها كثير من العلماء، تقول بأن البرق يبدأ عندما يتأين الهواء نتيجة تصادم جسيمات الجليد في السحب الرعدية. إذ تستطيع جسيمات الجليد فصل ما يكفي من الشحنة الكهربائية لخلق مجال كهربائي كبير فتحفز الصاعقة. وهناك احتمال آخر، وهو ما أعمل عليه، والذي يعرف باسم " هروب انكسار الإلكترونات" (electron runaway breakdown). الفكرة هي أنه ربما كان هناك نوع آخر من التفريغ الكهربائي، أي ظاهرة فيزيائية جديدة تماماً.

تقول نظريتك بأن هذا النوع الآخر من التفريغ الكهربائي تسببه الأشعة الكونية، كيف؟ الأشعة الكونية هي جسيمات عالية الطاقة، معظمها بروتونات، ولّدتها وسَرَّعتها عمليات فيزيائية فلكية نشطة، من أمثال السوبرنوفا (الانفجارات النجمية) وتصادم النجوم. تنتقلُ هذه الأشعة عبر الفضاء وتضرب الغلاف الجوي العلوي للأرض، فتنتج عنها زخات نشطة للغاية من الجسيمات المتأيّنة المتسارعة إلى ما يقارب سرعة الضوء. ويمكننا قياس هذه الجسيمات المتأينة بواسطة كواشف الأشعة الكونية. ولأن الأشعة الكونية تُنتج زخات نشطة للغاية، فإن قدرتها على تحفيز البرق في السحب الرعدية لا تتطلب أن يكون الحقل الكهربائي الأولي للسحابة كبيراً جداً.

إذاً، ما الذي تعتقد أنه سيحدث حين تواجه الأشعة الكونية عاصفة رعدية؟ 


نظريتنا هي أنه إذا ما حدث وانتقلت هذه الجسيمات عالية الطاقة عبر سحابة رعدية، فإنها ستؤيّن الهواء داخل السحابة وتخلق فيها منطقة تمتلئ بكثير من الإلكترونات الحرة، التي تتصادم مع ذرات في الهواء وتُنتج مزيداً من الإلكترونات، وهذا هو هروب الانكسار. في هذه الحالة، يمكن أن يكون التوزيع الأولي للكهرباء في سحابة العاصفة عبر مساحة شاسعة من الفضاء -عدة مئات من الأمتار أو حتى الكيلومترات. والسبب في ذلك هو أنه ما إن يتم تحفيز انهيار الهروب، فإن شلال الجسيمات عالية الطاقة سيغطي مسافات كبيرة بسرعة. والنتيجة هي خلق هذا الكم الضخم من الجسيمات ذات الشحنة السالبة، وهو بالضبط ما يفترض أن يحفز الشرارة التي تُطلق الصاعقة. وهذا هو، من حيث المبدأ، ما يحدث في السحب الرعدية، ولكن لم يتمكن أحد بعد من إثباته بشكل مباشر بواسطة التجارب.

لقد طرحت هذه الفكرة للمرة الأولى منذ عقدين من الزمن، فما هي الأدلة الجديدة المتوافرة لديك الآن؟ لقد أثبتت نتائج الحسابات العددية (numerical calculations) وجود انهيار هروب الالكترونات هذا. ولكن النظرية ترتبط دائماً بنموذج مثالي ما. وفي عاصفة رعدية حقيقية، تختلف الظروف، من أمثال الرياح والحقل الكهربائي، من حيث الزمان والمكان؛ إن إثبات الفرضية تجريبياً أمر صعب لدرجة لا تصدق. لذلك قررنا أن نلقي نظرة على نبضات الراديو التي تُنتَجُ في مستهل الصاعقة. وقد لوحظت هذه من قبل، عند تزامنها مع الأشعة الكونية، ولكنها لم تُفسر أبداً. وقد أردنا أن نثبت أن زخات الجسيمات المؤينة، التي تَنتُج عن اختراق الأشعة الكونية للسحب الرعدية، هي ما يُنتج نبضات الراديو.

كيف يمكنك إثبات ذلك؟ 


استخدمنا جهازاً يقيس موجات الراديو ويظهر الاتجاه الذي جاءت منه، لتسجيل بيانات 3,800 من صواعق السحابة-الأرض في روسيا وكازاخستان. وعندما حللنا هذه البيانات وجدنا أنه، على الرغم من أن نمطها مطابق للنمط الذي تنبأت به نماذج هروب الانكسار، إلا أن النبضات كانت أكبر بكثير من أن تُنتجها الأشعة الكونية العادية.

إذاً، هل من الممكن أن يكون هناك ما يُضخم تأثير الأشعة الكونية؟ 


لقد افترضنا التفسير التالي، نحن نعلم أن كل سحابة عاصفة لديها جسيمات جليد صغيرة مشحونة تسمى "هايدروميتيورز" (ظاهرة جوية مائية، أو ماء جوي) (hydrometeors)، ونعتقد أنها ربما كانت تُضخم النبضات. وقد أكدت حساباتنا ذلك: إذ عندما تتجمع كمية كبيرة من الإلكترونات الحرة -التي نتجت عن عملية هروب الانكسار، التي أطلقتها الأشعة الكونية- بالقرب من هذه الهايدروميتيورز، فإنها تُعزز التيار وإشارات نبضات الراديو المشاهدة.

ما هي التجارب الأخرى التي تجرونها، لإثبات نظرية هروب الانكسار؟


إننا نحاول أيضاً العثور على علاقة ترابطية بين أشعة جاما والأشعة الكونية ونبضات الراديو، لأننا نعتقد أن دفقات أشعة غاما، التي نشاهدها فوق سحب العواصف، ناتجة عن عملية هروب الانكسار. إن أشعة غاما في جوهرها شكل نشط للغاية من الإشعاع الكهرومغناطيسي. وهي عادة ما تكون غير مرئية، ولكن انفجارات أشعة غاما النشطة للغاية، والمعروفة باسم اندفاعات أشعة غاما (gamma ray bursts)، مرئية وساطعة بشكل لا يصدق. وعادة ما تحدث هذه الاندفاعات في الفضاء السحيق، ولكنها رُصدت أيضاً في الغلاف الجوي للأرض كومضات ساطعة جداً تدوم لجزء من الثانية فوق السحب الرعدية القوية.

كيف يتم رصد هذه الومضات الساطعة؟ 


لرؤية إشعاع غاما يجب أن تكون على ارتفاع عال جداً، ومختبرنا، في محطة تيان شان العلمية عالية الارتفاع في كازاخستان (Tien Shan High-Altitude Scientific Station)، يقع على ارتفاع يقارب 4 كيلو مترات فوق مستوى سطح البحر. ولدينا هناك أجهزة استشعار لقياس إشعاع غاما، ومن الواضح جداً أنه حين لا توجد العواصف الرعدية، فلن توجد اندفاعات أشعة غاما. ولكن، وبالتوافق مع نظريتنا، ما إن تبدأ عاصفة رعدية، حتى تظهر هذه الومضات الساطعة داخل غيوم العاصفة -كما أنها ترتبط مع نبضات الراديو التي نسجلها أيضاً.

هل سيساعدنا فهمنا لما يحفز البرق على كشف أي شيء جديد عن الأرض والكون؟


في رأيي، أن انهيار الهروب قد يحدث في الغاز، وقد يحدث في الفضاء، وهذا هو ما نبحث عنه. فقد تحدث عمليات مماثلة على سطح كوكب المشتري، على سبيل المثال. لذلك فإن فهم هروب الانكسار هنا على الأرض، قد يساعدنا على فهم ما يحدث في أماكن أخرى من الكون.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الالكترون (Electron): جسيم مشحون سلبياً، ويُوجد بشكلٍ عام ضمن الطبقات الخارجية للذرات. تبلغ كتلة الالكترون نسبة تصل إلى حوالي 0.0005 من كتلة البروتون.
  • أشعة غاما (gamma ray): هي الأشعة التي تمتلك الطاقة الأعلى، و الأمواج الكهرومغناطيسية ذات الطول الموجي الأقصر. يُعتقد عادةً أنها مكونة من الفوتونات التي تمتلك طاقةً أعلى من 100 الكترون فولط تقريبا. ( يتم اعتبارها "أشعة غاما" عندما يتم استخدامها كصفة). المصدر: ناسا
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

اترك تعليقاً () تعليقات