هل تخيلت يوماً مدى سوء الإشعاع على كوكب المريخ؟

لقد تزايد استكشاف الإنسان لكوكب المريخ في العقود القليلة المنصرمة، فبالإضافة إلى البعثات الثمانية الفعالة على الكوكب الأحمر وحوله، فهناك سبعة مسبارات روبوتية، وعربات فضائية ومركبات مدارية من المخطط إطلاقها بحلول نهاية العقد الحالي. وبحلول ثلاثينيات القرن الجاري، تخطط العديد من الوكالات الفضائية لإرسال مهام مجهزةٍ بطواقم بشريّة إلى سطح الكوكب أيضاً.


علاوةً على ذلك، هناك العديد من المتطوعين الذين يستعدون لخوض رحلة ذات اتجاه واحد نحو المريخ، وأناس متحمسين لتحويله إلى موطنٍ ثانٍ، وتركز كل هذه المقترحات على المجازفات الغريبة التي ترافق إرسال البشر إلى المريخ. فبالإضافة إلى برودته، وبيئته الجافة، ونقص الهواء، والعواصف الترابية الهائلة، فهناك أيضاً مشكلة إشعاعه.

الأسباب


لا يملك المريخ غلافاً مغناطيسياً (مغنوتسفير) لحمايته كالذي تمتلكه الأرض. حيث يعتقد العلماء أنّه في وقتٍ ما شهد المريخ تيارات الحمل الحراري في لبَه، وولّدت تأثير الدينامو الذي يخلق مجالاً مغناطيسياً كوكبياً. بكل الأحوال، قبل ما يقرب من 4.2 مليار سنة -ونتيجة للتأثير الكبير لجسم كبير أو التبريد السريع في لبّ الكوكب– لم يعد تأثير الدينامو موجوداً.

إظهار الفنانين لعاصفة شمسية تضرب كوكب المريخ وتعرية الأيونات من الغلاف الجوي العلوي للكوكب.
إظهار الفنانين لعاصفة شمسية تضرب كوكب المريخ وتعرية الأيونات من الغلاف الجوي العلوي للكوكب.


نتيجة لذلك وعلى مدار الخمسمئة سنة التالية، جُرد الغلاف الجوي للمريخ بواسطة الرياح الشمسية ببطء. وبين فقدان المجال المغناطيسي والغلاف الجوي، كان سطح المريخ أكثر تعرضاً للإشعاع من الأرض. وبالإضافة إلى التعرض المنتظم للأشعة الكونية والرياح الشمسية، فإنه يتلقى تفجيرات مُميتة في فترات متباعدة يرافقها توهجات شمسية قوية.

التحقيقات


جُهّزت المركبة الفضائية مارس أوديسي Mars Odyssey بمعدات خاصة سميت بتجربة الإشعاع المريخي Martian Radiation Experiment او اختصاراً (MARIE) ، حيث صُممت لقياس ظروف الإشعاع حول المريخ. وبسبب الغلاف الجوي الرقيق للمريخ، فإن الإشعاع المقاس بواسطة مارس أوديسي كان مشابهاً لذلك الموجود على السطح على وجه التقريب.


على مدى نحو ثمانية عشر شهراً، التقط مسبار مارس أوديسي مستويات الإشعاع الجارية حيث وُجد أنّها أعلى بمرتين ونصف مما اختبره علماء الفلك على محطة الفضاء الدولية - 22 ملي راد في اليوم الواحد، والتي ازدادت إلى نحو 8000 ملي راد (8 راد) في السنة. اكتشفت المركبة أيضاً حدثين بروتونيين شمسيين، حيث تبلغ ذروة مستويات الإشعاع 2000 ملي راد في اليوم، بالإضافة إلى أحداث أُخرى يصل فيها الإشعاع إلى 100 ملي راد.

على سبيل المقارنة، يتعرض البشر في الدول المتقدمة (كمعدل) لـ 0.62 راد في السنة، بينما تبين الدراسات أنّ الإنسان يستطيع الصمود تحت جرعة من الإشعاع تصل إلى 200 راد في السنة دون التعرض لضرر دائم، وعليه فإن التعرض مطولاً لمستويات الإشعاع الملتقطة على سطح المريخ تؤدي إلى مختلف المشاكل الصحية من مثل متلازمة الإشعاع الحادة، وزيادة مخاطر السرطان، والضرر الوراثي، وقد تصل إلى الموت.

رسم بياني يوضح كمية الإشعاع الكوني التي يتعرض لها سطح المريخ
رسم بياني يوضح كمية الإشعاع الكوني التي يتعرض لها سطح المريخ


وبالنظر لكون التعرض لأي كمية من الإشعاع قد يحمل معه خطراً ما، فقد قامت ناسا والوكالات الأخرى بفرض سياسة صارمة وهي مبدأ ألارا (As-Low-As-Reasonable-Achievable) او اختصاراً ا ALARA عند التخطيط للبعثات.

الحلول الممكنة


بكل تأكيد، سيحتاج المسكتشفون البشريون للتعامل مع الإشعاع المتزايد على السطح. ما هو أكثر من ذلك، فإن أي محاولة لاستيطان الكوكب الأحمر ستتطلب أيضاً إجراءاتٍ إضافية للتأكد من أن التعرض للإشعاع قد قلّ. وقد اقتُرحت العديد من الحلول القريبة والبعيدة الأمد للتغلب على هذه المشكلة.

كمثال على ذلك، أبقت ناسا على عدة أقمار صناعية لدراسة الشمس والبيئة الفضائية في جميع أنحاء النظام الشمسي ومراقبة الأشعة الكونية المجرية galactic cosmic rays او اختصاراً (GCRs)، آملين بالحصول على فهمٍ أفضل للإشعاع الشمسي والكوني. وما زال العلماء يبحثون أيضاً عن تدريع متطور أفضل لعلماء الفضاء والإلكترونيات من أجل حمايتهم من الإشعاع.

أطلقت ناسا في عام 2014 تحدي الحد من الأشعة المجرية الكونية Reducing Galactic Cosmic Rays Challenge وهي مسابقة قائمة على جائزة تُقدر بـ 12000 دولار للأفكار التي تقترح حلاً للحد من تعرض رواد الفضاء للأشعة الكونية. بعد التحدي الأولي في أبريل/نيسان 2014، وُضع تحدٍّ تابع في يوليو/تموز 2014 بجائزة تُقدر بـ 30000 دولار للأفكار التي تنطوي على حلول تقترح التحصين الفاعل واللافاعل. 



 

عندما يتعلق الأمر بالإقامة طويلة الأمد والاستيطان، فقد طُرحت العديد من الأفكار في الماضي. فمثلاً أوضح كل من ديفد بيكر David Baker و روبرت زوبرن Robert Zubrin في بحثهما المقترح لمهمة مارس دايركت Mars Direct منخفضة الكلفة، إمكانية بناء المساكن على السطح بحيث ستكون محمية بصورة طبيعية من الإشعاع. وقد توسع زوبرن في هذه الفكرة أكثر في كتابه "قضية المريخ: خطة استيطان الكوكب الأحمر ولماذا يجب علينا ذلك، The Case for Mars: The Plan to Settle the Red."


وقد قُدمت مقترحات أيضاً لبناء مستوطنات فوق السطح باستخدام وحدات قابلة للنفخ مغطاة بالسيراميك المصنوع من تربة المريخ. وعلى غرار ما اقترحته ناسا ووكالة الفضاء الأوربية للاستيطان على القمر، فإنّ هذه الخطة ستعتمد بشكل أساسي على الروبوتات باستخدام تقنيات الطباعة الثلاثية الأبعاد التي تسمى بالتكلّس sintering حيث يُحول الرمل إلى مادة مذابة باستخدام الأشعة السينية.

إن MarsOne منظمة غير ربحية مكرسة لاستعمار المريخ في العقود المقبلة، كان لها اقتراحات حول كيفية حماية المستوطنين على سطح المريخ. وقد اقترحت المنظمة لمعالجة قضية الإشعاع بناء تدريع للمركبة الفضائية للبعثة، ولعربات النقل والوحدات الاستيطانية. وفي حالة التوهج الشمسي حيث تكون هذه الحماية غير كافية، اقترحت إنشاء ملجأ يحمي من الإشعاع (في خزان مياه أجوف) داخل مستوطناتهم المريخية.


لكن ربّما ينطوي المقترح الأساسي لتقليل تعرض المريخ للإشعاع المضر على قفزة بداية من لب الكوكب لاستعادة غلافه المغناطيسي. لفعل ذلك يجب علينا صهر اللب الخارجي للكوكب حتى تتمكن من الصعود بتيارات الحمل حول اللب الداخلي مرة أخرى، عندها سيبدأ دوران الكوكب بتوليد تأثير الدينامو وكذلك سيتولد المجال المغناطيسي.

إظهار الفنان لاستيطان المريخ مع معاينة قطع في داخل الأرض
إظهار الفنان لاستيطان المريخ مع معاينة قطع في داخل الأرض


وفقاً لرأي سام فاكتور Sam Factor، طالب دراسات عليا في قسم علم الفلك في جامعة تكساس، هناك طريقتان لفعل ذلك. تنطوي الطريقة الأولى على تفجير قذائف حرارية نووية قرب لبّ الكوكب، بينما تنطوي الطريقة الثانية على تمرير تيار كهربائي عبره، مولداً بذلك مقاومة عند اللبّ تؤدي إلى تسخينه.

بالإضافة إلى ذلك، اقترحت دراسة قدمها باحثون في المعهد الوطني للعلوم الاندماجية (NIFS) في اليابان عام 2008، إمكانية توليد مجال مغناطيسي صناعي حول الأرض. آخذين بعين الاعتبار القياسات المستمرة التي حددت انخفاض الكثافة بنسبة 10% في السنوات الـ 150 الماضية، فقد أيدوا أن سلسلة من الحلقات الفائقة التوصيل المحيطة بالكوكب من الممكن أن تعوض عن الفقدان في المستقبل.


مع بعض التعديلات، يصبح من الممكن جداً تكييف هذه الأنظمة للعمل على المريخ، توليد مجال مغناطيسي صناعي يساعد على حماية سطح الكوكب من بعض الإشعاعات المضرّة التي يستلمها الكوكب بصورة منتظمة. وفي حال حاول المصلحون تكوين غلاف جوي للمريخ، فإن هذا النظام أيضاً سيؤمن حماية الكوكب من الرياح الشمسية.

أخيراً، في عام 2007 دراسة مقدمة من معهد علم المعادن والصخور Institute for Mineralogy and Petrology في سويسرا وكلية علوم الأرض والحياة Faculty of Earth and Life Sciences في جامعة فيرجي Vrije University في أمستردام، نجحت في تمثيل ما يبدو عليه لب المريخ. باستخدام تجويف ألماسي، كان الفريق قادراً على توليد حالة من الضغط على أنظمة الحديد-الكبريت، والحديد-النيكل-الكبريت التي تطابق قلب كوكب المريخ.

 


 

وقد وجدوا أن اللب الداخلي للمريخ في درجات الحرارة المتوقعة ~1500 K, or 1227 °C; 2240 °F لا بدّ أن يكون سائلاً لكن من الممكن حدوث بعض التصلب في اللب الخارجي. هذا مختلف قليلاً عن لب الأرض حيث إن تصلب اللب الداخلي يولد حرارة تحافظ على اللب الخارجي منصهراً، وبالتالي توليد تأثير الدينامو الذي يقوي مجالنا المغناطيسي.


غياب لب صلب داخلي في المريخ يعني أنّه لا بد من وجود مصدر طاقة مختلف للّب السائل الخارجي. وبطبيعة الحال فإن مصدر الطاقة هذا قد فشل، مسبباً تصلب اللب الخارجي، وبالتالي حجز أي تأثير للدينامو. ومع ذلك، فقد أظهرت أبحاثهم أن تبريد الكوكب قد يؤدي إلى تصلب اللب في المستقبل، إما عن طريق المواد الصلبة الغنية بالحديد السابحة باتجاه المركز أو عن طريق كبريتيد الحديد الذي يتبلور في اللب.


وبعبارة أخرى، فقد يتصلب لب المريخ يوماً ما، الذي سيسخن اللب الخارجي ويحوله إلى سائل. بجانب دوران الكوكب نفسه سيؤدي ذلك إلى توليد تأثير الدينامو الذي سيقوي مجدداً المجال المغناطيسي. إذا ما كان هذا صحيحاً، فإن استيطان المريخ والعيش عليه بأمان ستكون مسألة وقت فحسب حتى يتبلور لب الكوكب.


في الوقت الحالي، فإن الإشعاع على سطح المريخ خطير جداً، لذلك أي مهمة سترسل إلى المريخ مستقبلاً يجب أن تأخذ بعين الاعتبار كيفية حماية طاقمها من الإشعاع والتدابير المضادة. وأي إقامة طويلة الأمد هناك –على الأقل للمستقبل المتوقع- لا بد أن تُبنى على السطح، أو أن تُعزز ضد الأشعة الشمسة والكونية.


إظهار بألوان مقاربة للجزء الوسطي لتلال كولومبيا (Columbia Hills) ملتقطة بواسطة الكاميرا البانورامية لمسبار سبيريت الاستكشافي لكوكب المريخ التابع لناسا.
إظهار بألوان مقاربة للجزء الوسطي لتلال كولومبيا (Columbia Hills) ملتقطة بواسطة الكاميرا البانورامية لمسبار سبيريت الاستكشافي لكوكب المريخ التابع لناسا.


ولكنك حتماً تعرف ما يقولون عن كون الضرورة أم الاختراع، أليس كذلك؟ وكما يقول ستيفن هوكينج بأننا نحتاج إلى استيطان عوالم أخرى من أجل الحفاظ على نوعنا، و أناس مثل إيلون مسك Elon Musk وباس لانسدروب Bas Lansdrop يتطلعون لتحقيق ذلك، ونحن على يقين من أننا سنرى حلولاً إبداعية في الأجيال القادمة!

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات