أزمة الهوية عند الضوء

يعاني الجسيم المشحون المتحرك، كالإلكترونات مثلاً، من قوىً مغناطيسيةً وكهربائية. في أواسط القرن التاسع عشر، كتب عالم الفيزياء الأسكتلندي جيمس كلارك ماكسويل مجموعة من المعادلات التي تُوحد هاتين القوتين في نظرية واحدة، وقادهُ ذلك إلى فهم أمواج الضوء وأمواج الراديو على أنها اهتزازات كهرومغناطيسية تنتشر في الخلاء.



 الضوء كأمواج كهرومغناطيسية


الأمواج الموجودة على سطح بركة عبارة عن سلسلة من القمم والقيعان التي تتحرك على طول موجة جيبية الشكل، ورياضياً كل الأمواج الضوئية متشابهة عدا أنها كهرومغناطيسية، فالاهتزاز الجيبي له مطال الحقل الكهرومغناطيسي.



موجات الضوء. في كل صندوق، مجموع الموجة الأولى والثانية تعطي الموجة الثالثة.
موجات الضوء. في كل صندوق، مجموع الموجة الأولى والثانية تعطي الموجة الثالثة.



عندما تتقابل موجتان لهما الطول الموجي نفسه، فإن الحقل الكهرومغناطيسي الناجم عن ذلك يعتمد على الأطوار النسبية لهما؛ وإذا ما تطابقت قمم الموجتين، نقول إن هناك توافقاً طورياً بين الأمواج، ونتيجة لذلك تُعزز الأمواج بعضها بعضاً كما هي الحال في الجانب الأيسر من الصورة؛ لكن إذا تطابقت قمم موجة ما مع قيعان الموجة الأخرى، نقول إنهما متعاكستان طورياً، وبالتالي تُلغي كلتاهما الأخرى كما هي الحال في الجانب الأيمن من الصورة. 

حاول التالي: قارن بالاستعانة بآلة حاسبة ترسم الخطوط البيانية للتابع \(sin(x) \) والتابع \(sin(x)+(sin(x)\) ومن ثم قارن بين الخطوط البيانية للتوابع \(sin(x)\)، و\(sin(x+pi) \)، و\(sin(x)+sin(x+pi)\) ماذا تشاهد؟ 



الأخاديد الموجودة على قرص السي دي عرضها لا يتعدى الـ 0.5 ميكرومتر ولكن تُشكل حاجز انعراج جيد، وينتج عن ذلك نمط تداخل ملتو.
الأخاديد الموجودة على قرص السي دي عرضها لا يتعدى الـ 0.5 ميكرومتر ولكن تُشكل حاجز انعراج جيد، وينتج عن ذلك نمط تداخل ملتو.



بسبب الصفة الموجية للضوء، فإنه ينحرف عندما يُسلط على زوج من الشقوق القريبة بعضها من بعض، وإذا ما وُضعت شاشة وراء الشقوق، يظهر لدينا نمط مكون من الأهداب المظلمة والمضيئة، ويُمكن حساب الفراغ الكائن بينها بالاعتماد على الطول الموجي للضوء .

تظهر الأهداف المظلمة عند نقاط الشاشة التي يكون الضوء الذي يستقبله كل من الشقين متعاكساً بالطور، وتبتعد هذه النقاط عن الشقين بمسافة:




\((n+{1\over2})\lambda \)

 

حيث n هو عدد صحيح. 

تجربة الشق المزدوج
تجربة الشق المزدوج


 

 الضوء كجسيمات


بحلول بداية القرن التاسع عشر، تم التأسيس وبشكلٍ جيد لفكرة أن الضوء مشابه لموجة. لكن بمجيء الأعوام الأولى من القرن العشرين، أصبح من الواضح أنه يتصرف كجسيم أيضاً؛ ومن بين التجارب الأساسية التي تبرهن على ذلك كانت تجربة المفعول الكهروضوئي (Photoelectric effect) وفيها تُفلت الإلكترونات من سطوح المعدن عندما يُصدم الأخير بالضوء.

يتألف المعدن من عدد ضخم من الذرات المرتبطة بشكلٍ فعال مع مواقع محددة جرّاء وجود قوى كهربائية ناجمة عن كل الذرات الأخرى، ويُمكن للإلكترونات الخارجية لهذه الذرات أن تُفلت منها بسهولة عند تطبيق حقل كهربائي، وبعد ذلك تتحرك في المعدن وتُشكل ما ندعوه بالتيار الكهربائي .(Electric current

عندما يُسلط الضوء على المعدن، يُمكن لبعض الإلكترونات أن تفلت من السطح، ويرتفع عدد الإلكترونات المنطلقة من السطح مع زيادة شدة الضوء، لكن طاقة تلك الإلكترونات لا تزداد؛ أي أنها تعتمد على لون الضوء أو تردده.

شكّل تفسير هذه الخواص من قبل ألبرت أينشتاين في العام 1905 - وهي السنة التي أصدر فيها أيضاً نظرية النسبية - بدايةً للنظرية الكمومية. فوفقاً لأينشتاين، يُمكن النظر إلى شعاع من الضوء على أنه مجموعة من الجسيمات المعروفة بالفوتونات، ويتناسب عدد الفوتونات مع شدة الضوء، وتكون طاقة كل فوتون متناسبة مع تردده.


\(E=hv\)

 

اقتُرحت هذه الصياغة في العام 1900 من قبل عالم الفيزياء الألماني ماكس بلانك، وh هو ثابت يُعرف باسمه، وفي جملة الوحدات الدولية هذا الثابت صغير جداً.


\(h=6.626×10^{-34} js \)



يُقذف الإلكترون من المعدن عندما يصدمه أحد الفوتونات ويقوم بامتصاصه، ولذلك تنتقل طاقة ذلك الفوتون إلى الإلكترون، ويزداد عدد الإلكترونات المُحررة بزيادة شدة الضوء لأنه عندما يكون هناك المزيد من الفوتونات ستكون هناك فرصة أكبر لصدم إلكترون ما.



 ما مدى ثقل الفوتونات


تتحرك الفوتونات بسرعة الضوء، ولذلك عندما تفكر بها على أنها جسيمات يجب أن نستخدم النسبية الخاصة بدلاً من ميكانيك نيوتن؛ ووفقاً لمعادلات أينشتاين فإن طاقة الجسيم ذي السرعة v، والكتلة m عند السكون هي:

 

\(E= {mc^2 \over \sqrt {1-v^2/ c^2}} \)

 

في هذه المعادلة، تُمثل m كتلة الجسيم، وv سرعته وc سرعة الضوء. وبالنسبة إلى جسيم ساكن يُمكننا وضع قيمة السرعة على أنها صفر، وتُصبح معادلة أينشتاين على الشكل التالي: 



\(E=mc^2\)

 

بالنسبة إلى جسيم يتحرك بسرعة الضوء فإن v = c، وبالتالي يُصبح المقام "صفر"، ولذلك يُمكن للجسيم أن يملك طاقة محدودة إذا انعدم البسط، أي m= 0 اختبرت التجارب أن الفوتونات تمتلك كتلة معدومة وكانت دقة الاختبارات مرتفعة جداً، ونعرف أيضاً أن كتلتها أقل من كتلة الإلكترون بـ \(10^{-18}\)

قد لا يكون للفوتونات كتلة، لكن لديها كمية حركة؛ ووفقاً لميكانيك نيوتن فكمية الحركة هي ببساطة سرعة الجسيم مضروبة بكتلته. على أي حال، تُعطى كمية حركة جسيم ما في النسبية الخاصة بالعلاقة: 



\(p= {mv \over \sqrt {1-v^2/ c^2}} \)


 

حاول التالي: تصل كتلة الأرض إلى \(6×10^{24}Kg\)، وتتحرك حول الشمس لمرة واحدة في العام عند بُعد يصل إلى \(1.5×10^{11}\) متر، استخدم الآلة الحاسبة لإجراء مقارنة بين قيمة كمية حركة الأرض وفقاً لميكانيك نيوتن وللنسبية الخاصة، علماً أن سرعة الضوء هي \(3×10^8 ms^{-1}\)؟ ماذا تلاحظ عند المقارنة بين القيمتين؟ 

باستخدام معادلة كمية الحركة النسبية، يُمكننا التعبير عن طاقة الجسيم بدلالة كمية حركته كالتالي: 
 


\(E=c \sqrt {m^2 c^2+p^2} \)

 

وبالنسبة للفوتون تُصبح ببساطة:


\(E=cp\)
 

لكننا رأينا سابقاً أن الطاقة ترتبط بتردد الضوء بالعلاقة: 


\(E=hv\)
 

وعند جمع المعادلتين معاً، نحصل على: 


\(p={hv \over c}\)

 

تُخبرنا هذه النتيجة عن كمية حركة الفوتون ذي التردد \(nu \) 

بالنسبة إلى الأمواج التي تصل سرعتها إلى c، فإن الطول الموجي: 


\(\lambda= {c \over v}\)

 

وبوضع هذه الصيغ معاً، نحصل على: 


\(\lambda={h \over p}\)

 

تُعتبر المعادلة الأخيرة علاقة أساسية في نظرية الكم، وتبين أن هذه المعادلة أساسية جداً، وتُطبق على كل الجسيمات وليس الفوتونات فقط. انظر المقال التالي

حاول التالي: باستخدام تقريب كمية الحركة للأرض على مدارها حول الشمس، احسب طولها الموجي، علما أن قيمة ثابت بلانك هي \(6.626×10^{-34} \). ماذا تلاحظ عند النظر إلى هذه القيمة؟ 


حول المؤلف: البروفسور بيتر لاندشوف Peter Landshoff، محاضر في ميكانيك الكم في جامعة كامبريدج ويُجري أبحاثا في مجال الكواركات.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المفعول الكهروضوئي (photoelectric effect): هو ظاهرة فيزيائية تُرصد في الكثير من المعادن، وتتضمن إصدار الإلكترونات من سطوح تلك المعادن جراء تسليط الضوء عليها، وتُعرف الإلكترونات الصادرة في هذه الحالة بالإلكترونات الضوئية (photoelectrons).

اترك تعليقاً () تعليقات