هل من الممكن تغيير لون الضّوء؟

يهدف فريق بحث جامعة ديلاوير لتغيير لون الضّوء عن طريق تطوير بُنَىْ نانوية جديدة تعملُ مثلَ السّقّاطة (سقاطة الباب)، وذلك عن طريق تجميع طاقة اثنين من فوتونات الضّوء الأحمر في فوتونٍ واحدٍ أزرق، والذي يملك طاقةً أعلى من الفوتون الأحمر. يستطيع مثل هذا التّقدم تحسينَ كفاءةِ الخلايا الشّمسية وصولاً إلى العلاجِ الكيماوي.



تلقّى باحثو جامعة ديلاوير منحةً بقيمةِ مليونِ دولارٍ من مؤسّسة دبليو أم كيك W.M. Keck لاستكشاف فكرةٍ جديدةٍ تستطيع تحسين الخلايا الشمسية والتصوير التشخيصي الطبي وحتى علاجات السرطان، ببساطة، يريدون تغيير لون الضّوء.
إنه ليس محاولةً للعبث بما تراه من نافذتك. لن يكون هناك أيّامٌ أرجوانيةٌ أو ليالٍ مُصْفَرّة. لن يكون هناك تعديلٌ على قوسِ قزح وغروبِ الشمسِ المشتعلِ، هدفهم هو تحويل ألوانِ الضوء ذات الطاقة المنخفضة مثل الأحمر، إلى ألوانٍ ذات طاقةٍ عاليةٍ مثلَ الأزرق أو الأخضر.


قد يعطي تغيير لون الضوء التكنولوجيا الشمسية دَفعةً كبيرةً. تستطيع الخلايا الشمسية التقليدية امتصاص الضوء فقط عند طاقةٍ أعلى من عتبةٍ معينة، فضوء الأشعة تحت الحمراء يعبر من خلال الخلية الشّمسية دون أن يُمتَّص، مما يجعله طاقةً غير مُستَغَلّةٍ بعدْ.


إذا أمكن تحويل الضوء ذي الطاقة المنخفضة إلى ضوءٍ ذي طاقةٍ مرتفعة، ستمتص عندها الخلايا الشمسية أكثر بكثير من الطاقة الحرة والنظيفة والوفيرة للشمس. يتوقع الفريق أنّ هذا النّهج الجديد سيزيد من كفاءةِ الخلايا الشّمسيةِ التجارية بمعدل من 25 إلى 30 في المئة.

يقود فريق البحث ماتيو دوتي Matthew Doty الأستاذ المشارك في علوم وهندسة المواد والمدير المساعد لكلية الصناعة النانوية في كلية للهندسة في جامعة ديلاوير. يساعد دوتي في البحث كلاً من: جوشوا زايد Joshua Zide، وديان سيليرس Diane Sellers ،وكريس كلوكسن Chris Kloxin وجميعهم في قسم علوم وهندسة المواد، وإيملي داي Emily Day، وجون سلاتر John Slater وهما الاثنان في قسم الهندسة الطبية.

قالت نانسي تارجيت Nancy Targett رئيسة جامعة ديلاوير: "تؤكّد هذه المنحةُ المرموقةُ بـ 1 مليون دولار من مؤسسة كيك التّميزَ والابتكار لكلية جامعتنا ديلاوير، ومن الواضحِ أنّ جامعة ديلاوير تنتهج أفكاراً كبيرةً في مجال الطّاقة المتجددة والطّب الحيوي والذي يعود بفائدته على العالم أجمع".

يقول دومينيكو جراس Domenico Grasso عميد جامعة ديلاوير: "إن الخطة الاستراتيجية لجامعة ديلاوير تدفعنا للتفكير بجرأةٍ حيث نسعى نحو حل المشاكل التي تواجه المجتمع". وأضاف قائلاً: "نهنئ فريق البحث في كلية الهندسة على هذه الجائزة الكبرى، ونحن نتطلع إلى نتائجهم". 

تغيير لون الضوء


يقول رئيس المشروع دوتي: "يحتوي شعاع الضّوء الملايينَ والملايين من وحداتٍ مُفردةٍ من الضوء تسمّى الفوتونات، وطاقةُ كلّ فوتونٍ مرتبطةٌ مباشرةً بلون الضوء. يملك فوتون اللون الأحمر طاقةً أقلّ من فوتون اللون الأزرق، لا يمكنك ببساطة تحويل الفوتون الأحمر إلى فوتونٍ أزرق، لكن يمكنك جمع طاقة فوتونين أحمرين أو أكثر لإنتاج فوتونٍ أزرقٍ واحدٍ".

قال دوتي: "تسمى هذه العملية التحويل العلوي للفوتون (photon upconversion)، هذه العملية هي ليست جديدةً ومع ذلك انتهجها الفريق".

يسعى الفريق لتصميم نوعٍ جديدٍ من أشباه النواقل ذي بُنية نانوية تستطيع العمل مثل السّقّاطة. سوف تقوم أشباه النواقل تلك بامتصاص فوتونين أحمرين واحداً تلو الآخر من أجل دفع الإلكترون إلى حالة الإثارة، عندها يصبح قادراً على إصدار فوتون أزرق ذي طاقةٍ عالية. ستكون هذه البُنى النّانوية صغيرةً جداً، تستطيع أن تراها فقط إذا كبّرتها مليون مرة تحت مجهرٍ إلكتروني عالي القوّة.

يقول دوتي: "تخيل أن الإلكترونات في هذه البنية كما لو أنها في حديقة مائية. الفوتون الأحمر الأول لديه طاقةٌ ما تكفي لدفع الإلكترون فقط إلى منتصف السلم خاصة مزلاجة الماء. أما الفوتون الأحمر الثاني يدفع الإلكترون إلى ما تبقّى من السلم حتى الأعلى. بعدها ينزلق الإلكترون إلى الأسفل عبر مزلاجة الماء مطلقاً كامل طاقته في عملية واحدة مترافقة مع إصدار فوتونٍ أزرق. الحيلة هنا هي التأكد من أن الإلكترون لن يسقط إلى أسفل السلم قبل وصول الفوتون الثاني. إن بنية "سقّاطة" أشباه الموصلات هي من أجل أن نتمكن من صيد الإلكترون في منتصف السلم حتى وصول الفوتون الثاني ليدفع به إلى نهاية الطريق".

سيُطوِّر فريق UD بُنى لأشباه نواقلَ جديدةٍ تتضمن طبقاتٍ متعددةٍ من موادٍ مختلفةٍ، مثل زرنيخيد الألمنيوم، وزرنيخيد الغاليوم البزموتي بسماكة بضعة نانومترات. سيتحكم هذا "المشهد المضبوط" بتدفق الإلكترونات إلى حالاتٍ ذات طاقةٍ كامنةٍ متفاوتة، محولةً طاقة الفوتونات الضائعة إلى طاقة مفيدة.

أظهر فريق UD نظرياً أنّ أشباه النواقل قد تصل إلى كفاءة تحويل علوي للفوتونات بنسبة 86%، وهذا ما سيشكل تحسناً كبيراً في الكفاءة بنسبة 36% مما تبديه أفضل المواد حالياً. 

قال دوتي: "ماذا نريد أكثر من ذلك؟ قد يصبح من الممكن تخصيص ميزة امتصاص الضوء المجمع وإصدار الطاقة من قبل هذه البنى واستخدامها بمجموعة متنوعة من التطبيقات، من المصابيح الكهربائية إلى الجراحة الموجّهة بالليزر".


كيف يمكنك حتى أن تبدأ بصناعة بنى صغيرة جداً يمكن أن تُرى فقط بالمجهر الالكتروني؟ استخدم فريق UD تقنية تدعى تنضيد الحزمة الجزيئية (molecular beam epitaxy). وسيتم بناء هذه البنى النانوية عن طريق ترسيب طبقات من ذرات واحدة في وقت واحد، وسيتم اختبار كل بنية جيداً لنرى كيف تمتصّ وتبعث الضوء وسيتم استخدام النتائج لتصميم بُنىً محسنة الأداء. سيطور الباحثون محلولاً يشبه الحليب مليئاً بملايين الجسيمات النانوية الفردية المتطابقة، وكل واحدة تحوي طبقات متعددة من مواد مختلفة.

هذه الطبقات المتعددة لهذه البنية، والتي تشبه القشرة ذات الطبقات المتعددة لحلوى M&M، سوف تقوم بعمل فكرة سقّاطة الفوتون. ومن خلال هذا العمل، يتخيل الفريق أن مستقبل التحويل العلوي للفوتون سوف يكون على شكل "طلاء"، وسيصبح تطبيقه سهلاً على الخلايا الشمسية والنوافذ والمنتجات التجارية الأخرى.

تحسين الفحوصات الطبية والعلاجات


في حين أن التركيز الأوّلي للمشروع ذي الثلاث سنوات سيكون على تحسين جمع الطاقة الشمسية، سوف يستكشف الفريق تطبيقاته الطبية الحيوية أيضاً.

وهناك عددٌ من الاختبارات التشخيصية والعلاجات الطبية، بدءاً من المسح الضوئي CT و PET إلى العلاج الكيميائي بالاعتماد على إطلاق الأصباغ المتألقة بالفلور والأدوية الصيدلانية. بشكل مثالي، مثل هذه الحمولات سوف تصل إلى مواقع الأمراض تماماً وفي وقتها المحدد، ولكن يبقى هذا الشيء صعباً للتحكم به من الناحية العملية.


يهدف فريق جامعة ديلاوير لتطوير جسيم نانوي ذي تحويل علوي، والذي يمكن أن يُثار من قبل الضوء لإطلاق حمولته. الهدف هو تحقيق التحكم بإطلاق العلاجات بالأدوية حتى في أعماق الأنسجة البشرية المريضة مع تقليل الضرر للأنسجة الطبيعية المحيطة عن طريق تقليل قوة الليزر المطلوبة.

قال دوتي: "هذا البحث ذو مخاطرَ عالية وربح كبير، ذو مخاطر عالية لأننا لا نملك حتى الآن بياناتٍ لإثبات صحّة المفهوم، وربحٌ كبير لأن لديه آثاراً محتملةً ضخمةً في مجال الطاقة المتجددة وصولا إلى الطب. إنه لأمر مدهش أن نعتقد أن استخدام مثل هذه التكنولوجيا نفسها قد يمكننا من جمع طاقةٍ شمسيةٍ بشكل أكبرَ وبالتالي المساعدة في علاج السرطان. نحن متحمسون للبدء".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات