يدور أقرب جيران الشمس كوكب عطارد في مدار يقع داخل مدار كوكب الأرض، ولذلك فهو يمر بين الأرض والشمس تقريباً كل حوالي 116 يوماً (وهو ما يدعى بالاقتران). وتماماً كما أن كسوف الشمس لا يحدث عند كل مرور للهلال الجديد أمام قرص الشمس، فإن عطارد أيضاً لا يقع على الخط الواصل بين الأرض والشمس من وجهة الراصد الأرضي في كل اقتران. ولا يسقط ظل كوكب عطارد على الأرض إلا حين يتقاطع عطارد مع مستوى دوران الأرض حول الشمس قبل أو بعد بضعة أيام على الأكثر من اقترانه السفلي، أي حين يعبر في إحدى عقدتيه قرب موعد الاقتران السفلي.

يبلغ طول مخروط الظل الذي يُلقيه كوكب عطارد وراءه حوالي 200 ألف كيلومتر فقط. ولكنّ الأرض تكون خلال حالة العبور على مسافة تتراوح بين 80 و100 مليون كيلومتر من عطارد، وبالتالي، فإن الكرة الأرضية تعبر فقط منطقة الظليل (penumbra) لكوكب عطارد، وهي المنطقة التي يُشاهَد منها ما يشبه الكسوف الحلقي، ولكنه ينتج في هذه الحالة عن قرص عطارد الصغير. وبذلك، فإن عطارد يتسبب فقط بكسوف شمسي جزئي يكافئ الكسوف الحلقي الناتج عن القمر بالنسبة للراصد من الأرض.
ورغم ذلك، لا ينبغي لنا مقارنة هذا الحدث مع الكسوف الشمسي الناجم عن عبور قرص القمر أمام الشمس. في حين أن حجم قرص القمر يبدو في سمائنا مماثلاً تقريباً لحجم قرص الشمس، فإن كوكب عطارد لا يبدو للعين المجردة إلا كنجم من النجوم. ولا يظهر قرص عطارد الصغير إلا بواسطة تلسكوبات الفلكيين الهواة. ويظهر قرص عطارد في السماء بقُطر 13 ثانية قوسية على الأكثر. أما قرص الشمس فيبلغ قطره حوالي 1800 ثانية قوسية. وبذلك، فإن عطارد لا يعدو أن يكون مجرد بقعة دائرية دقيقة تظهر على قرص الشمس خلال العبور.
متى يحدث عبور عطارد؟
كما ذكرنا سابقاً، فإن على عطارد أن يمر بالقرب من عقدة العبور (وهي نقطة تقاطع مداره مع مستوى دوران الأرض حول الشمس) حين يكون في الاقتران السفلي (أي بين الأرض والشمس). وعلى عكس عُقَد العبور الخاصة بالقمر التي تُتم دورة كاملة حول الكرة السماوية كل 18 سنة، فإن عُقد العبور الخاصة بعطارد تتحرك بسرعة زاويَّة بطيئة جداً تبلغ 1.2 درجة قوسية في كل قرن من الزمن. وبالتالي، فإن عطارد يمر في عُقد العبور الخاصة به دائماً بأوقات معينة من العام، حيث يمر في العقد النازلة (وهي ناتج تقاطع مدار عطارد مع مدار الأرض من الشمال إلى الجنوب) في التاسع من أيار/مايو تقريباً وفي العقد الصاعدة في الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام.
وفي هذا اليوم بالذات، يتموضع عطارد في منطقة مركزية نسبةً لقرص الشمس. إذا عبر عطارد في الاقتران السفلي قبل هذه اللحظة أو بعدها، فإن قرص عطارد لن يتمكن من العبور أمام قرص الشمس. ولا يُشاهد عطارد أمام قرص الشمس إلا حين يحدث الاقتران السفلي بين السادس والحادي عشر من أيار/مايو أو بين السادس والخامس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر. ولذلك، فإن هذا المجال الزمني الضيق يجعل حالات عبور عطارد من الأحداث النادرة. ولا تظهر الدائرة السوداء لقرص عطارد أمام قرص الشمس إلا مرةً واحدةً كل حوالي سبع سنوات.
تاريخ العبور | بداية العبور | أوج العبور | نهاية العبور |
---|---|---|---|
1970 May 09 | 04h17m33s | 08h16m09.8s | 12h14m37s |
1973 Nov 10 | 07h46m41s | 10h32m14.2s | 13h17m53s |
1986 Nov 13 | 01h42m14s | 04h06m59.3s | 06h31m52s |
1993 Nov 06 | 03h03m34s | 03h56m20.8s | 04h49m28s |
1999 Nov 15 | 21h10m57s | 21h40m47.1s | 22h10m51s |
2003 May 07 | 05h10m21s | 07h52m41.5s | 10h34m21s |
2006 Nov 08 | 19h11m16s | 21h41m00.3s | 00h10m53s |
2016 May 09 | 11h10m11s | 14h57m14.3s | 18h44m03s |
2019 Nov 11 | 12h34m30s | 15h19m32.3s | 18h04m40s |
2032 Nov 13 | 06h39m47s | 08h53m40.3s | 11h07m42s |
2039 Nov 07 | 07h16m11s | 08h46m09.2s | 10h16m24s |
يبين هذا الجدول مواعيد عبور عطارد أمام قرص الشمس كما تم حسابها من قبل A.Barmettler. يتيح برنامج CalSKY فرصة الحصول على تفاصيل حسابية كاملة. ويُظهر الجدول تاريخ العبور بالإضافة إلى لحظة بدايته، ومنتصفه، ونهايته حسب التوقيت العالمي. وبداية العبور هي اللحظة الزمنية التي يلامس فيها قرص عطارد قرص الشمس كما يُرصد من أي نقطة جغرافية على سطح الأرض بعد غروب الشمس. أما نهاية العبور فهي اللحظة التي يخرج فيها قرص عطارد تماماً من أمام قرص الشمس. تصف هذه الأوقات في بعض المصادر الأخرى لحظة بداية العبور أو نهايته كما يشاهد من منتصف سطح الكرة الأرضية المقابل للشمس، والذي لا يُعتبر مفيداً من الناحية العملية. وبذلك، فإن الأرقام المذكورة في الجدول مناسبة للراصدين من جميع أنحاء الكرة الأرضية. ويحدث العبور ضمن هذا الإطار الزمني بالنسبة للراصدين المنفصلين في أماكن مختلفة على الأرض.
رصد الحدث
لرصد عبور كوكب عطارد أمام قرص الشمس يمكن استعمال أي تلسكوب صغير، حيث يتم الرصد إما بشكل مباشر من خلال النظر عبر التلسكوب المجهز بفلتر خاص لرصد الشمس، أو بشكل غير مباشر من خلال إسقاط صورة الشمس بواسطة التلسكوب. ويُعتبر التلسكوب ملائماً لرصد عبور عطارد إذا كان يتيح رؤية الكلف الشمسية بشكل واضح في الأحوال العادية. ويُنصح المهتمون الذين لا يمتلكون الخبرة الكافية بالاستعانة بجمعيات الرصد الفلكي المحلية التي تقوم عادة برصد مثل هذه الأحداث.

ولرصد هذا الحدث بشكل كامل يتوجب اختيار المكان المناسب على سطح الأرض بحيث لا تشرق الشمس أو تغرب خلال فترة حدوث العبور، وخاصة في حالات العبور التي يتوجب فيها أن يقطع عطارد مسافةً كبيرة أمام قرص الشمس.