ما هو الانتقال البعدي الكمومي؟ ولماذا تبقى سرعة الضوء ذلك الحاجز الجبار الذي لا يمكن تحطيمه؟

الفيزيائي: خلافا لاسمه المثير، لا ينطوي "الانتقال البُعدي الكمومي" (quantum teleportation) على اختفاء الأشياء المادية ثم ظهورها فجأة في مكان آخر. إنه، بدلا من ذلك، تقنية لطيفة وذكية لنقل "حالة كمومية" (quantum state) غير معروفة لنظام ما (عادة ما يكون جسيم واحد) إلى نظام آخر أُعد خصيصا. يبدو هذا أكثر جاذبية وأكثر إثارة للإهتمام من الواقع. وقبل حتى أن نصل إلى الانتقال البعدي الكمومي، سوف أصف كيف يُجرى "الانتقال البُعدي الكلاسيكي" (classical teleportation)، ويمكنك أن تحكم ما إذا كانت كلمة "الانتقال البُعدي" (teleport) مناسبة قط. هذا شيء عظيم للحفلات (أو، على الأرجح، لسباقات ماراثون د. هوو التي تقام في منزل والدتك)!

 

الانتقال البعدي الكلاسيكي


  1. أحضر ثلاث قطع نقدية معدنية (سيشار إليها من الآن فصاعداً بـ A وB وC)، ورتبها بحيث تصبح كل من B وC على نفس الوجه إلى الأعلى، (ولكن أي الوجهين سيكون للأعلى يجب أن يكون عشوائيا تماماً).
  2. اقلب القطعة A.
  3. قارن A وB. إذا كانتا مثل بعضهما، فدع C وشأنها. أما إذا كانتا مختلفتين، فاقلب C؟
  4. الوجه الذي كان طرة أو نقاشاً للقطعة A هو الآن وجه C.

 

زمن بداية B وC. إذا كانت A وB متماثلتين، فإن C وA متماثلتين فعلا. إذا كانت A وB مختلفتين، فإن قلب C سيجعل A وC متماثلتين. هذا الأمر يعمل باستقلالية عن تراتيب الطرة والنقش (طالما بدأت كلا القطعتين B وC وهما متشابهتين)، لهذا أنت لست بحاجة حتى إلى معرفة أي الوجهين هو الذي إلى الأعلى
زمن بداية B وC. إذا كانت A وB متماثلتين، فإن C وA متماثلتين فعلا. إذا كانت A وB مختلفتين، فإن قلب C سيجعل A وC متماثلتين. هذا الأمر يعمل باستقلالية عن تراتيب الطرة والنقش (طالما بدأت كلا القطعتين B وC وهما متشابهتين)، لهذا أنت لست بحاجة حتى إلى معرفة أي الوجهين هو الذي إلى الأعلى

المفزع بعمق في هذا الأمر، هو أنه يمكنك إعداده بحيث تنتقل حالة A إلى حالة C، دون أن تعرف أبدا ما هي حالة أي من هاتين القطعتين. في الخطوة الأولى إجعل B وC متماثلتين، ثم بينما أنت ممسك بهما معا، إقلبهما عدة مرات إلى أن لا تعود قادرا على معرفة عدد مرات تقليبك لهما، ثم غطيهما. ستكونان متماثلتين، لكنك لن تعرف أي جانبيهما الذي إلى الأعلى. أفعل شيء مشابها لذلك في الخطوة الثالثة: هات A وB معا، قلبهما عدة مرات، ثم أنظر ما إذا كانتا متماثلتين أو مختلفتين.

أو فقط دع شخصاً آخر يفعل ذلك نيابة عنك.

يأتي "الانتقال البعدي" لأنك تستطيع تحريك C إلى أبعد ما تريد. وما إن تقارن A وB، يمكنك أن تصرخ (أو للنقل البعدي على مسافة بعيدة، الاتصال هاتفياً) بـ "مثل" أو "مختلف"، ويستطيع من لديه القطعة C تركها كما هي أو قلبها رأساً على عقب. الحالة المجهولة للقطعة A نُقلت بُعدياً إلى C. لاحظ أنه إلى أن تخبر صاحب القطعة C بنتيجة قياس التماثل/الاختلاف، فإن حالة القطعة C ليس لها أي علاقة إطلاقاً مع حالة القطعة A. هذا هو القصور الكبير في النقل البعدي والسبب في أن سرعته لا تفوق سرعة الضوء. إذ عليك أن تبلغ عن نتائج القياس، والتبليغ يتم عبر قنوات عادية لا تفوق سرعتها سرعة الضوء. وبدون هذا التبليغ، ستبقى C عشوائية وليس لها أي علاقة بـ A.

 

إن مسألة ما إذا كانت هذه الخدعة مؤهلة لأن تكون لافتة، أو حتى تستحق اسم الشهرة "النقل البعدي"، هي مسألة خيار شخصي. بعد أن قلنا ما سبق، فإن هذا النوع من النقل البعدي يستطيع إرسال الأشياء من مكان إلى آخر على نفس القدر من فاعلية البريد الإلكتروني في فعل ذلك.

 

ليس هذا هو النقل البعدي الكمومي، ليس هذا على الإطلاق
ليس هذا هو النقل البعدي الكمومي، ليس هذا على الإطلاق

 

صلصة الإجابة: ها هي الطريقة. هناك عدة تدابير للنقل البعدي، وصدق أو لا تصدق، هذا هو أبسطها!

الفكرة الأساسية هي مثل خدعة القطع النقدية. فأنت تبدأ بجسيمين متشابكين، B وC. ثم تأتي بالجسيم A المجهول الحالة وتقارنه بالجسيم B (بطريقة ما لا تنطوي على قياس حالة أي منهما مباشرة) ثم يتم الإبلاغ عن نتائج المقارنة، وتتغير C.

 

الـ "كيوبت" (qubit)، هو مثل الـ "بت" (bit) العادي (أو قطعة النقد المعدنية)، فيما عدا أنه بدلا من أن تكون قيمه فقط 0 أو 1 (طرة أو نقشاً)، فإنه من الممكن أن تكون قيمته مركبة من كليهما معاً. أما ما هو المعنى الفيزيائي للقيم 1 أو صفر أو كيف يمكن التلاعب بالكيوبت، فيعتمد على النظام ذي الصلة. قد يكون النظام هو الدوارنات الذاتية (spins) للإلكترون المتلاعب به بواسطة المغناطيس، أو مسارات الفوتون المتلاعب بها بواسطة "شاطرات حزم الأشعة" (beam splitters)، أو دزينة من أمورٍ أُخر. لا يهم حقا.

 

"الترقيم" (notation) هنا مراوغ بعض الشيء، لكن تابعوا معي. ما يلي "\(|\cdot \cdot \cdot \rangle \)" هو ترقيم حالة الثلاث كيوبتات. على سبيل المثال، (\(|101 \rangle \)) هي الحالة A=1 وB=0 وC=1. في ميكانيكا الكم من الممكن أن تكون الأشياء على أكثر من حالة في نفس الوقت. على سبيل المثال، ستبدأ كل من B وC في حالة التشابك (\(\frac{1}{\sqrt2}|00 \rangle + \frac{1}{\sqrt2}|11 \rangle \))، ما يعني أنهما في حالة مركبة بنسبة 50/50 من "كليهما صفرا" و"كليهما واحدا".

 

هذا الـ 2√ موجود، لأنك حين تُجري القياسات فعلا، فإن احتمال العثور على حالة معينة هو تربيع المعامل (coefficient).  وهذا ما يسمى "قاعدة بورن" (Born Rule)، ولا تأبه لها. تلك الـ 2√ هي غالبا فقط فوضى.

 

كيف تنقل حالة A إلى حالة C نقلا بعدياً كمومياً
كيف تنقل حالة A إلى حالة C نقلا بعدياً كمومياً

الحالة الابتدائية لكل الثلاث كيوبتات، "I" في الصورة أعلاه، هي:

\((\alpha|0 \rangle+\beta|1 \rangle)( \frac{1}{\sqrt2}|00 \rangle+ \frac{1}{\sqrt2}|11 \rangle )= \frac{\alpha}{\sqrt2}|000 \rangle+ \frac{\beta}{\sqrt2}|100 \rangle +\frac{\alpha}{\sqrt2}|011 \rangle+\frac{\beta}{\sqrt2}|111 \rangle\)

 

حيث حالة A ،\(\alpha|0 \rangle+\beta|1 \rangle \) ، وهي الحالة التي ستُنقل بعديا، مجهولة (α و β مجهولان). أول ما سيتم فعله هو "بوابة نفي منطقية يُمكن التحكم بها" (Controlled Not Gate) (CNot). بوابة النفي المنطقية العادية تقلب البت، ، ولكن CNot لها "بت تحكم" (control bit) و"بت الهدف" (target bit). إذا كان بت التحكم يساوي 0، فلن يحدث أي شيء، وإذا كان بت التحكم يساوي 1، فعندها سينقلب بت الهدف. في هذه الحالة، A هي بت التحكم وB هي بت الهدف. هذا التفاعل يجعل حالة A وحالة B تتشابكان. بعد CNot  حالة الكيوبتات الثلاثة، "II" في الصورة أعلاه، هي:  

\(\frac{\alpha}{\sqrt2}|000 \rangle+\frac{\beta}{\sqrt2}|110 \rangle+\frac{\alpha}{\sqrt2}|011 \rangle+\frac{\beta}{\sqrt2}|101 \rangle\)

 

لاحظ أنه بعد بوابة CNot لن يعود من الممكن تحليل الكيوبتات إلى عوامل (factored)، على نفس النحو الذي يمكن فيه تحليل I إلى عوامل. هذا واحد من أعراض الأنظمة المتشابكة. يلي ذلك "بوابة هادمارد" (Hadamard Gate)، والتي توجد فقط في الأنظمة الكمومية. يمكن صنع بوابات CNot بأجهزة الحاسوب الاعتيادية، أما بوابات هادمار، فكلها كمومية يا بني.

إليك ما تفعله هذه البوابات: (\(|0 \rangle\rightarrow\frac{1}{\sqrt2}|0 \rangle-\frac{1}{\sqrt2}|1 \rangle \)) و(\(|1 \rangle\rightarrow\frac{1}{\sqrt2}|0 \rangle+\frac{1}{\sqrt2}|1 \rangle \)). هذه الخطوة تخفي الحالة التي بدأت عليها A، بحيث أنه حين يُجرى القياس (في لحظة ما) فأنت لا تقيس A مباشرة. هذا أمر مهم، لأنك إذا قست حالة فإنها تنهار[1]. لذلك، بدلا من تكون لديك (\(\alpha|0 \rangle +\beta|1 \rangle\))، فلن يبقى لديك إلا (\(|0 \rangle\)) فقط أو (\(|1 \rangle\)) فقط، وهي مختلفة عن A. بعد تطبيق بوابة هادمارد على A، ستكون حالة الكيوبتات الثلاثة، وهي "III" في الصورة أعلاه، هي: 

 

\(\frac{\alpha}{2}|000 \rangle -\frac{\alpha}{2}|100 \rangle+\frac{\beta}{2}|010 \rangle+\frac{\beta}{2}|110 \rangle+\frac{\alpha}{2}|011 \rangle-\frac{\alpha}{2}|111 \rangle+\frac{\beta}{2}|001 \rangle+\frac{\beta}{2}|101 \rangle\)

 

ومن الممكن إعادة ترتيب هذا شيئا ما:


\(\frac{1}{2}|00 \rangle(\alpha|0 \rangle+\beta|1 \rangle )+\frac{1}{2}|01 \rangle(\beta|0 \rangle+\alpha|1 \rangle )+\frac{1}{2}|10 \rangle(-\alpha|0 \rangle+\beta|1 \rangle )+\frac{1}{2}|11 \rangle(\beta|0 \rangle-\alpha|1 \rangle )\)

 

الآن، عند قياس A وB، فقد تكون نتائجهما واحدة من أربعة نتائج محتملة، 00 أو 01 أو 10 أو 11. عند إجراء القياس، فإن ما سيتبقى هو كل هذه الحالات المتوافقة مع هذا القياس. على سبيل المثال، إذا كان قياس A يساوي 1، فإن الحالة المتبقية هي \(\frac{1}{\sqrt2}|10 \rangle(-\alpha|0 \rangle+\beta|1 \rangle )+\frac{1}{\sqrt2}|11 \rangle(\beta|0 \rangle-\alpha|1 \rangle )\)، وإذا وجدنا أن B تساوي 0، فإن الحالة المتبقية هي (\(|10 \rangle(-\alpha|0 \rangle+\beta|1 \rangle )\)).

 

كل من هذه النتائج الأربعة ستعني أن C تبقى على واحدة من أربعة حالات


Result state of C
00 \(\alpha|0 \rangle +\beta|1 \rangle \)
01 \(\beta|0 \rangle +\alpha|1 \rangle \)
10 \(-\alpha|0 \rangle +\beta|1 \rangle \)
11 \(\beta|0 \rangle -\alpha|1 \rangle \)

 

إذا أُبلغ الشخص المسؤول عن (C) القائم عليها؟ بالنتائج، فإنه، مهما كان بعيدا، يستطيع إجراء بعض التعديلات الأساسية. على سبيل المثال، إذا كانت النتيجة 00، فإنه سيترك الحالة وشأنها. وإذا كانت النتيجة 01، فإنه سيمرر C عبر بوابة النفي (التي تنتقل من 0 إلى 1). بالنسبة للحالات الأخرى، تستخدم "بوابة الطور" (Phase Gate) (نوع آخر من البوابات المنطقية الكمومية فقط) والتي تأخذ (\(|0 \rangle \rightarrow|0 \rangle \)) و(\(|0 \rangle \rightarrow-|0 \rangle\)).

 

ها هي الشذرة المهمة. مثلما هو حال "النقل البعدي الكلاسيكي" أعلاه، بدون معرفة نتائج قياس AB، فإن الشخص المسؤول عن C (المتحكم بها؟) لا يستطيع تحويل C إلى حالة A الأصلية. وإذا ما قاس C، دون إجراء أي تعديلات، فإنه سيجد أن احتمال الحصول على صفر أو واحد هي بالضبط 50% بدلا من \(| α |^ 2\) و\(| β |^ 2\) التي يجب أن تكون عليها (مرة أخرى، بحكم قاعدة بورن). كل من القياسات الأربعة ممكنة بقدر متساو، وفرصة الحصول على "1" هي مجموع الاحتمالات لكل حالة:

 

\( 0.25 (| β |^ 2+ | α |^ 2+ | β |^ 2+ | -α |^ 2) = 0.25 (1 + 1) = 0.5 \).

(\((| β | ^2+ | α |^ 2 = 1)\))بما ان )

 

قد تظن أن هناك طريقة ما للتلاعب بـ C، دون الحصول على نتائج القياس، التي من شأنها أن تسمح لك بالتغلب على هذا النقص في المعلومات. الإجابة، هي لا. وإدراك السبب في ذلك، هو أشد صعوبة، وهو مغرق في "نظرية المعلومات الكمومية" (quantum information theory)، ولكن الدليل على ذلك "مباشرٌ" إلى حدٍ مقبول. هذا الشرح هو فقط لأولئك الذين يرغبون حقا في البحث في هذه الأشياء منكم، لذلك سوف يكون سريعا.

 

"مصفوفة الكثافة الاحتمالية" (probability density matrix)  لـ C، قبل تلقي أي معلومات، هي \( \begin{bmatrix} \frac{1}{2} & 0 \\[0.3em] 0 & \frac {1}{2} \\[0.3em] \end{bmatrix} \) أو النصف مضروبا بـ "مصفوفة الوحدة" (identity matrix) (هذين النصفين هما الاحتمالات التي نسبتها 50/50 من اللحظة التي مضت). يمكنك معرفة ذلك بـ "تقفي أثر" كل العناصر المجهولة (A وB) وكل ما يمكنك أن تفعله للحالة C، بما في ذلك كل الاشياء التي سبق ذكرها، من أمثال بوابات النفي وبوابات هادمارد وما إلى ذلك، يؤدي إلى تغيرٍ الاحداثيات ( coordinate change) على مصفوفة الكثافة الاحتمالية. ولكن، بما أن الأمر أساسا هو فقط مصفوفة الوحدة، فلن يغير أي من هذه العناصر أي شيء. كل α وكل β الخاصة بالحالة الأصلية لا تظهر أبدا في C (ولا حتى قليلا) قبل التبليغ عن نتائج القياس (00 أو 01 أو 10 أو 11).  

 

لذلك، مرة أخرى، من دون الاتصال العادي، لن يتم نقل أي شيء عن A  إلى C، وإذا كان لديك منفذ فقط إلى فلن تعرف حتى أن القياس قد أُجري.

 

ملاحظات
 


[1]: ليس الأمر كذلك حقا. عندما تتفاعل الأنظمة الكمومية فإنها تتشابك. يبدو هذا من داخل نظام ما وكأنه "انهيار الدالة الموجية" (wave function collapse) الذي يتسبب في مفارقات ومشاكل لا تنتهي، ولكن من خارج الأنظمة المعنية لا تسبب التفاعلات انهيارات، بل فقط التشابك. هناك تدوينة كاملة عن هذه الرحلة الذهنية هنا.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • التابع الموجي (wave function): يصف هذا التابع في ميكانيك الكم الحالة الكمومية لنظامٍ معزول مكون من جسيمٍ او أكثر.
  • الكثافة (Density): هي النسبة الكائنة بين كتلة جسم و حجمه. ففي النظام المتري، يتم قياس الكثافة بواحدة الغرام لكل سنتمتر مربع (أو كيلوغرام في اللتر). وتبلغ كثافة الماء 1 غرام لكل سنتمتر مكعب، والحديد 7.9 غرام لكل سنتمتر مكعب، أما الرصاص 11.3 غرام لكل سنتمتر مكعب.
  • البت الكمومي (الكيوبت) (qubit): هو أصغر وحدة معلومات كمية، وهو الذي يقابل البت في الحواسيب العادية، ويستعمل في حقل الحوسبة الكمية.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات