ما هي نقاط لاغرانج؟

غاية السوء أننا عالقون هنا على الأرض أسفل هذه الجاذبية الهائلة، فكمية الطاقة اللازمة للهروب إلى الفضاء تجعلنا نبارك عاصفة شديدة. إلا أن للجاذبية طريقةً مضحكةً لرد اعتبارها، فهي تعطي وتأخذ بالمقدار نفسه. فهنالك أماكن معينة في الكون حيث تتعادل قوى الجاذبية، أماكن يمكن لنظام شمسي ذكي وطموح يقوم بمد جسور الحضارة لاستخدامها بالحصول على موطئ قدم في طريق استكشاف الكون.

تعرف هذه الأماكن بنقاط لاغرانج Lagrange Points، أو النقاط اللاغرانجية Lagrangian Points، أو نقاط التحرير، أو نقاط إل L-Points. سميت هذه الأسماء باسم عالم الرياضيات الفرنسي جوزيف لويس لاغرانج Joseph-Louis Lagrange، الذي كتب مقالاً حول معضلة الأجسام الثلاثة "Essay on the Three Body Problem" عام 1772، والذي كان بالفعل امتدادا لرياضيات ليونارد أولر Leonhard Euler. 


ومكتشف نقاط لاغرانج الثلاث الأولى هو أولر ورغم ذلك لم تسمّ باسمه، وبعد ذلك اكتشف لاغرانج النقطتين التاليتين.


نقاط لاغرانج الخمسة في نظام أرض-شمس الحقوق: NOAA
نقاط لاغرانج الخمسة في نظام أرض-شمس الحقوق: NOAA


ولكن ما هي نقاط لاغرانج؟


لدى تفكيرك في التفاعل الجذبوي بين جسمين فائقي الكتلة، كالأرض والشمس، أو الأرض والقمر، أو نجمة الموت والدرعان Alderaan (أجرام من فيلم الخيال العلمي حرب النجوم)، وعملياً استبعد المثال الأخير. كما أسلفت، إذا كان لدينا جسمين فائقي الكتلة، فإن قوى الجاذبية ستتوازن تماماً بينهما في 5 أماكن، وفي كلٍ من هذه الأماكن الخمسة يمكنك وضع قمر صناعي له كتلة صغيرة نسبياً، وتحافظ على موقعه ببذل القليل من الجهد. 


نقاط لاغرانج في نظام شمس-أرض الحقوق: Xander89/Wikimedia Commons
نقاط لاغرانج في نظام شمس-أرض الحقوق: Xander89/Wikimedia Commons


فعلى سبيل المثال، يمكنك وضع تلسكوب فضائي أو مستعمرة مدارية، وعندها ستحتاج القليل من الطاقة أو لا شيء منها للحفاظ على موقعها.

تعد نقطة L1 أكثر نقاط لاغرانج وضوحاً وشهرةً، فهي نقطة التوازن بين قوتي جذب الجسمين، وعلى سبيل المثال، يمكنك وضع قمر صناعي على ارتفاع قليل فوق سطح القمر، ستعمل قوة جذب الأرض على سحبه نحو الأرض، ولكن قوة جذب القمر ستبطل قوة جذب الأرض، ولن يحتاج القمر الصناعي إلى استخدام الكثير من الوقود للحفاظ على موقعه.


يوجد بين الأرض والقمر نقطة L1، ويختلف موقع هذه النقطة بين الشمس والأرض، أو بين الشمس والمشتري، وما إلى ذلك، فهنالك نقطة L1 في كل مكان. 

 

 


تقع نقطة L2 على خط امتداد كتلة الشمس والأرض على الناحية البعيدة من الشمس. وهكذا، فقد حصلنا على النقطة L2 الخاصة بنظام شمس- أرض، وقد تتساءل عند هذه النقطة لماذا لا تقوم الجاذبية المشتركة للجسمين الضخمين بجذب القمر الصناعي الصغير إلى الأرض. 


وهنا من الأهمية بمكان أن نفكر بالمسارات المدارية trajectories، سيكون القمر الصناعي عند النقطة L2 في مدار أعلى ومن المتوقع أن يسقط خلف الأرض، بينما يتحرك ببطء أكثر حول الشمس، ولكن قوة جاذبية الأرض ستقوم بسحبه للأمام، لتساعد على إبقائه في هذا الوضع المستقر.


رسم متحرك يبين العلاقة بين نقاط لاغرانج (باللون الأحمر) لكوكب (باللون الأزرق)، يدور حول نجم (باللون الأصفر)، وقوة الجاذبية في المستوي الذي يضم المدار (سطح رمادي بخطوط بنفسجية تمثل خوط تساوي القوى) الحقوق: (cmglee (CC-SA 3.0
رسم متحرك يبين العلاقة بين نقاط لاغرانج (باللون الأحمر) لكوكب (باللون الأزرق)، يدور حول نجم (باللون الأصفر)، وقوة الجاذبية في المستوي الذي يضم المدار (سطح رمادي بخطوط بنفسجية تمثل خوط تساوي القوى) الحقوق: (cmglee (CC-SA 3.0


سترغب باللعب أكثر بلعبة كيربال سبيس بروجرام Kerbal Space Program لفهم هذا الشيء المعقد. وللأسف، لن يساعدك الوقت المخصص لنو مانز سكاي No Man’s Sky على الإطلاق، إلا بتعليمك أن السائقين المهووسين hyperdrives -السائقون في الخيال العلمي- هم سائقون ذوي سمعة سيئة، و لن يكون لديك ما يكفي من مساحة التخزين.

تقع نقطة L3 مباشرة على الجانب المقابل مباشرة في النظام، ونعيد ثانيةً، عندها تتعادل قوى الجاذبية بين الكتلتين بحيث يحافظ الجسم الثالث على نفس السرعة المدارية، على سبيل المثال، سيبقى القمر الصناعي في النقطة L3 متوارياً تماماً خلف الشمس.

 

ابقَ معنا، فأنا أعلم أن ملايين الأفكار تتوارد إلى ذهنك حالياً، ولكن تابع معي.

مازال لدينا نقطتان، هما L4 و L5، تقع هاتان النقطتان إلى الأمام والخلف من الجسم ذي الكتلة المنخفضة في المدار، يمكنك تشكيل مثلث متساوي الأضلاع بين الكتلتين، والنقطة الثالثة في المثلث هي النقطة L4، وإذا قمت بقلب المثلث رأساً على عقب ستحصل على نقطة L5.

أما الآن، فمن المهم معرفة أن نقاط لاغرانج الثلاثة الأولى غير مستقرة جذبوياً. وأن أي قمر صناعي يتواجد هناك سينحرف في نهاية المطاف عن وضع الاستقرار، لذلك سيحتاج القمر الصناعي إلى نوع من محركات الدفع للحفاظ على موقعه.

تخيل جبلاً مصقولاً مرتفعاً بقمة حادة. ضع كرة بولينج على هذه القمة، عندها لن تحتاج إلى الكثير من الطاقة للحفاظ على موقعها، ولكن الرياح ستهب في نهاية المطاف لتسقطها من مكانها إلى أسفل الجبل، ينطبق مفهوم هذه القمة على النقاط L1، L2 و L3، وهذا هو السبب في أننا لا نرى أي أجسام طبيعية متوضعة في تلك الأماكن.

ولكن النقاط L4 و L5 مستقرة بالفعل، فهي في الوضع المعاكس وتشبه وادٍ عميقٍ ستميل كرة البولينج لتقع نحو أسفله. ونجد الكويكبات في المواقع الطبيعية L4 و L5 الخاصة بالكواكب الكبيرة مثل كوكب المشتري، فهي تمثل كويكبات طروادة Trojan المأسورة في آبار الجاذبية الطبيعية على الرغم من التفاعل الجذبوي بين المشتري والشمس.

تصور فني لكوكب المشتري وبعض كويكبات طروادة بالقرب من الكوكب الغازي العملاق. الحقوق: NASA/JPL-Caltech
تصور فني لكوكب المشتري وبعض كويكبات طروادة بالقرب من الكوكب الغازي العملاق. الحقوق: NASA/JPL-Caltech


إذن بماذا يمكننا استخدام نقاط لاغرانج؟


هنالك كل أنواع تطبيقات استكشاف الفضاء، وفعلياً لدينا عدد قليل من الأقمار الصناعية في مختلف نقاط لاغرانج في أنظمة الشمس-الأرض والأرض-القمر.

وتعد نقطة L1 من نظام الشمس-الأرض مكان عظيم لتركيز تلسكوب شمسي، حيث أنها أقرب قليلاً إلى الشمس، ولكن موقعها سيسمح لها بإرسال البيانات ثانيةً لنا على الأرض.

وأُعد تلسكوب جيمس ويب الفضائي James Webb Space Telescope لوضعه في النقطة L2 من نظام الشمس-الأرض، وتقع على بعد حوالي 1.5 مليون كيلومتر من الأرض، ومن هناك، ستكون كل من الشمس والأرض والقمر واقعة في مكان صغير في السماء، لتترك بقية الكون حراً أمام عمليات الرصد. 

تصور فني لتلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع لوكالة ناسا، والذي سيوفر المزيد من المعلومات حول الكواكب الخارجية التي سبق اكتشافها، وسيكون في النقطة L2 من نظام الشمس-الأرض.
تصور فني لتلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع لوكالة ناسا، والذي سيوفر المزيد من المعلومات حول الكواكب الخارجية التي سبق اكتشافها، وسيكون في النقطة L2 من نظام الشمس-الأرض.


أما نقطة L1 من نظام الأرض-القمر ستكون المكان المثالي لوضع محطة قمرية يُعاد تزويدها بالوقود، وهي مكان يسهل منه الوصول إلى الأرض أو القمر مع حد أدنى من الوقود.

وتتمركز أغلب أفكار الخيال العلمي حول وضع محطة فضائية أسطوانية دوارة وعملاقة O’Neill Cylinder في نقاط L4 و L5. فهي ستكون مستقرة تماماً في المدار، وعملية الوصول إليها سهلة نسبياً، وستكون أكثر الأماكن مثاليةً لبدء استعمار النظام الشمسي.

وبعد كل هذا نستطيع أن نقول شكراً للجاذبية، شكرا للتفاعلات بكل طرقها الغريبة، وخلق هذه الأسس المتينة التي يمكننا استخدامها للوصول لكوكبنا والخروج منه لنصبح حضارةً إنسانيةً تمتد على كامل النظام الشمسي.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الإدارة الوطنية للغلاف الجوي والمحيطات (NOAA): وهي منظمة حكومية أمريكية تعنى بدراسة الغلاف الجوي والمحيطات، وNOAA اختصار لـ National Oceanic and Atmospheric Administration.
  • معهد أبحاث الفضاء في روسيا، و هو تابع لأكاديمية العلوم الروسية. (IKI): معهد أبحاث الفضاء في روسيا، و هو تابع لأكاديمية العلوم الروسية.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات