ما هي اللانهاية؟

فعليًا، نحمل جميعنا فكرة عن ماهية اللانهاية، إنها صفة للأشياء غير المنتهية، كون لا نهائي، أو قائمة لا نهائية، كمجموعة الأعداد الطبيعية 1، 2، 3، 4، ... لا يهم ما مدى عدك، فأنت لن تصل للنهاية أبدًا، كما أنه من المستحيل أن تصل إلى نهاية الكون حتى لو سافرت بواسطة أسرع مركبة فضائية، وهذا النوع من اللانهايات هو ما سمّاه العالم الرياضي الإغريقي أرسطو (Aristotle) باللانهاية الممكنة: هذه النهاية موجودة فعلًا، لكن من المستحيل أن تصل إليها.

 

صنّف أرسطو نوعاً آخر من اللانهايات يُسمى باللانهاية الفعلية (actual infinity)، إنها تصف الأشياء التي باستطاعتنا قياسها، مثلًا قياس درجة حرارة جسم ما في مكان ووقت معين. لم يسبق لأحد الوصول إلى لانهاية فعلية مطلقًا، ويعتقد أرسطو أن اللانهاية الفعلية غير موجودة في العالم المادي، وحتى هذا اليوم لا يعلم الفيزيائيون مدى صحة اعتقاده.

 

  • استمر بالعد

لنقف عند اللانهايات الممكنة؛ تلك التي تصف الأشياء غير المحدودة، لقد ذكرنا سابقًا مجموعة الأعداد الطبيعية كمثال، لكن الآن تخيل خط مستقيم طويل غير محدود؛ يبدأ هذا الخط من النقطة التي تقع أمامك مباشرة ويمتد إلى مالانهاية، هل اللانهاية التي يمثلها هذا الخط هي نفسها اللانهاية التي تمثلها مجموعة الأعداد الطبيعية؟

استمر بالعد وراقب. حقوق الصورة: كامبريدج
استمر بالعد وراقب. حقوق الصورة: كامبريدج


ربما تعتقد أن اللانهاياتان مختلفتان، فالأعداد الطبيعية منفصلة، وغير مترابطة، بينما يُعتبر الخط متصل باستمرار. بإمكانك وضع الأعداد الطبيعية على الخط المستقيم بمسافة 1 متر بين كل عدد وآخر. ويُعطيك هذا فكرة أنه بشكلٍ ما اللانهاية للخط المستقيم تحمل أكثر من اللانهاية للأعداد الطبيعية وباستطاعتها أن تملأ الفراغات بين الأعداد.

 

يتفق علماء الرياضيات مع هذه الفكرة، ولقد قاموا بتصنيف اللانهاية الممكنة إلى لانهايات معدودة ولانهايات غير معدودة. تُمثل الأعداد الطبيعية لانهاية معدودة، وهذا منطقي لأنه باستطاعتك مواصلة العد إذا كان لديك وقت لانهائي، كما هو الحال بالنسبة لمجموعة لا نهائية من الأشخاص، بإمكانك إدراجهم في قائمة تحمل جميع اسماءهم، وكل اسم يشغل خانته الخاصة ومن ثم عدهم إذا كان لديك وقت لا نهائي أيضًا.

 

بشكل عام نستطيع القول أن أي مجموعة غير محدودة من العناصر تمثل لانهاية معدودة إذا كان باستطاعتك إدراج تلك العناصر في قائمة، وكل عنصر لديه مكان خاص في هذه القائمة وكل مكان في القائمة يتسع لعنصر واحد فقط.

 

ماذا عن الخط المستقيم اللانهائي؟ إنه مكون من عدد من العناصر اللانهائية أيضًا، وفي هذه الحالة تُسمى تلك العناصر نقاطاً على الخط، إذا وضعنا على الخط مسطرة طويلة لانهائية، فإن كل نقطة على الخط يمثلها عدد على المسطرة، النقطة الأولى على الخط تقع على العدد 0، النقطة التي تبعد نصف متر عن البداية تقع على العدد 0.5، وهكذا (المجموعة العددية التي تمثلها المسطرة تسمى مجموعة الأعداد الحقيقية الموجبة) هل يمكنك وضع قائمة لهذه الأعداد لكي ترى إذا كانت تمثل لانهاية معدودة أيضًا؟

حقوق الصورة: كامبريدج
حقوق الصورة: كامبريدج

 

ربما بإمكانك ترتيب هذه الأعداد عن طريق الحجم، لكن ستزيد هذه الطريقة من صعوبة المسألة. وبالتأكيد العدد الأول سيكون 0، لكن ماذا يجب أن يكون العدد الذي يليه؟ ربما 0.1؟ لكن 0.01 أصغر منه ويجب أن يأتي قبل 0.1. لكن ماذا عن 0.001؟ لكل عدد تظن أنه من الممكن أن يحل المرتبة الثانية في القائمة سوف تجد عدد أصغر منه (ببساطة تضيف صفرًا بعد الفاصلة)، فلذلك ترتيب هذه الأعداد على المسطرة بواسطة الحجم غير مجدي.

 

هل من الممكن إيجاد طريقة أخرى لإدراج الأعداد في قائمة؟ الإجابة هي لا يمكن ذلك، وهناك سبب منطقي ومباشر لهذه المسألة وينص على أنه في أي قائمة لأعداد حقيقية موجبة هناك على الأقل عدد واحد مفقود، وبالتالي لا يمكنك كتابة قائمة كاملة أبدًا، وهذا يثبت أن اللانهاية الممثلة عن طريق الخط المستقيم (أو الأعداد الحقيقية الموجبة) هي لانهاية غير معدودة.

 

  • ما هي اللانهاية الأكبر؟

ماذا عن فكرة أن اللانهاية للخط المستقيم أكبر من اللانهاية للأعداد الطبيعية؟ هناك طريقة للمقارنة بين أحجام المجموعات المحدودة، إذا لم تكن ترغب بالعد، وذلك عن طريق مطابقتهم تمامًا.

 

تخيل أن هنالك عدداً من الكراسي وعدد من الأشخاص، إذا كان هناك كرسي لكل شخص ولم يتبقى كراسي إضافية فهذا يعني أن عدد الكراسي مساوي لعدد الأشخاص. إذا تبقت بعض الكراسي فهذا يعني أن عدد الكراسي أكبر من عدد الأشخاص، وإذا كان هناك بعض الأشخاص لا يزالون واقفين فهذا يعني أن عدد الكراسي أقل من عدد الأشخاص.

 

باستطاعتك توسيع نطاق هذه الفكرة على المجموعات اللانهائية، إذا كان باستطاعتك مطابقة عناصر المجموعة (أ) مع عناصر المجموعة (ب) تمامًا، وكل عنصر في (أ) يتطابق مع عنصر واحد فقط في (ب) والعكس، فنستطيع القول أن المجموعتان لديهما الحجم نفسه، أو بصيغة رياضية لديهما نفس "التعددية" (cardinality).

 

لقد رأينا هذا في المثال السابق مع مجموعة الأشخاص اللانهائية، عند إدراجهم في القائمة قمنا بمطابقتهم تمامًا مع الأعداد الطبيعية، كل شخص يقابله عدد طبيعي واحد (على حسب ترتيبه في القائمة) ولكل عدد طبيعي هناك شخص واحد فقط، ولهذا نقول أن مجموعة الأشخاص ومجموعة الأعداد الطبيعية تمثلان نفس نوع اللانهاية: لانهاية معدودة.

 

لنعد مرة أخرى للنقاط على الخط اللانهائي، يبدو أن أية محاولة لإدراجهم في قائمة (ومطابقتهم تمامًا مع الأعداد الطبيعية) تفقد على الأقل نقطة واحدة، ولهذا نقول أن تعددية الخط المستقيم (لانهاية غير معدودة) أكبر من تعددية الأعداد الطبيعية (لانهاية معدودة).

 

  • حقوق الصورة: كامبريدج
    حقوق الصورة: كامبريدج
    لغز المعدود

تبدو اللانهايات غير المعدودة محيّرة وغير معروفة أكثر من اللانهايات المعدودة وبشكل كبير في الرياضيات، لكن لا يعني هذا أن اللانهايات المعدودة مباشِرة، تخيل الأعداد الزوجية على سبيل المثال 2، 4، 6، 8، … وهكذا إلى مالانهاية، لكن ما هي تعددية (“حجم") هذه اللانهاية بالنسبة إلى اللانهاية لكل الأعداد الطبيعية؟ بالطبع سوف تكون نصفها أليس كذلك؟

 

الإجابة هي لا، لقد ذكرنا سابقًا أن المجموعتان اللانهائيتين لديهما نفس التعددية إذا كانت جميع عناصر المجموعتين متطابقة، وفي هذه الحالة نستطيع بسهولة مطابقة كل الأعداد الزوجية مع كل الأعداد الطبيعية:
 

 

إذن تعددية الأعداد الزوجية هي نفسها تعددية الأعداد الطبيعية. إذا كانت هذه النتيجة غريبة بعض الشيء فانظر إلى النتيجة التالية؛ من الممكن إثبات أن الأعداد النسبية (كل الكسور مثل 1/2 أو 5/6) يمكن إدراجها في قائمة، بمعنى أنها من الممكن أن تطابق الأعداد الطبيعية، إذن حتى إذا كان هناك أعداد نسبية أكثر بكثير من الأعداد الطبيعية (هناك عدد لا نهائي من الكسور بين كل عددين طبيعين متتاليين) فإن المجموعتان لديها نفس التعددية.

جورج كانتور. حقوق الصورة: كامبريدج
جورج كانتور. حقوق الصورة: كامبريدج

 

في القرن السابع عشر اكتشف العالم الكبير غاليليو غاليلي حقائق غريبة عن اللانهاية واعتقد أنها غريبة جدًا، لدرجة أنه تراجع عن التفكير فيها بقوله: "لا نستطيع أن نتحدث عن الكميات اللانهائية باعتبار أن واحدة أكبر أو أقل أو مساوية للأخرى"، وبعد أكثر من 200 سنة، درس عالم الرياضيات جورج كانتور هذه الأفكار مرة أخرى، غير مبالي بشدة غرابتها، واكتشف عالم كبير من اللانهايات وكل واحدة أكبر من الأخرى، لانهاية الأعداد الطبيعية ولانهاية الخط المستقيم ليسا إلا نوعان فقط من هذا العالم.

 

كل هذا كان عن اللانهايات الممكنة، تلك التي تصف قوائم لانهائية، ماذا عن اللانهايات الفعلية؟ وهل أي من هذه اللانهايات موجودٌ فعليًا في العالم المادي؟

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات