ماذا سيحصل لو اصطدم ثقب أسود بالأرض؟

باستطاعتنا جميعًا توقُع ما سيحدث عندما يجرف ثقب أسود ضخم نظامنا الشمسي… لن يتبقى هناك الكثير عندما تبدأ قوة الجاذبية الكثيفة بالتهام الكواكب، ومن ثم تمتصّ الشمس بعيدًا. لكن ماذا لو كان هذا الثقب الأسود صغيرًَا؟ فربما هو ناتج من بقايا الانفجار العظيم (big bang)، ويمر بلا ملاحظة خلال المناطق القريبة منا، ولا يملك أي تأثير على فضائنا المحلي. ماذا لو سقط هذا الثقب المتفرد الصغير في مدار الأرض واصطدم بها؟ فكّر علماء الفيزياء النظرية بهذه الحادثة الغريبة مليًا لكي يفهموا كيف يمكن الكشف عن ثقب أسود صغير عندما يحفر خرمًا أنيقًا خلال الأرض...

"الثقب الأسود البدائي" (Primordial black holes)، أو اختصارًا PBHs، هو أحد الفرضيات الناتجة عن الانفجار العظيم، ويُعتقد أن عددًا لا نهائيًا من الثقوب السوداء نشأت عند بداية تشكل الكون بسبب الطاقة الهائلة المتولدة آنذاك.

 

ومع ذلك، فمن غير المتوقع أن تعيش الثقوب السوداء صغيرة الحجم لفترة طويلة، وبما أن الثقوب السوداء نظريًا تشع طاقة، فإنها ستخسر من كتلتها كذلك (استنادًا إلى نظرية إشعاع هوكينغ "Hawking Radiation" للعالم الفيزيائي ستيفن هوكينغ)، وستبدأ هذه الثقوب الصغيرة بالاضمحلال من الوجود بسرعة كبيرة.

قام هوكينغ بتقدير الحجم الأدنى الذي يجب أن يكون عليه أي ثقب أسود لكي يبقى على قيد الحياة حتى يومنا هذا، ونشر هذا في ورقة علمية معروفة جدًا للعالم هوكينغ في عام 1975. يجب أن تكون كتلة الثقوب السوداء البدائية على الأقل \(10^{12}\) كيلوجرام (تساوي 1,000,000,000,000 كج) عند تكونها، وتُعتبر هذه الكتلة صغيرة نسبيًا في المعايير الكونية، إذ تبلغ كتلة الأرض \(6×10^{24}\) كج، إذن نحن نتحدث عن ثقوب سوداء بحجم جبل صغير.

إذن، تخيل هذا الموقف: تدور الأرض (أو أي كوكب آخر) حول الشمس بسعادة. وفي هذه الأثناء يمر ثقب أسود بدائي صغير خلال نظامنا الشمسي، ويعبر من مدار الأرض. ندرك جميعنا تأثير جرم صخري مثل كويكب قريب من الأرض (Near Earth asteroid) على الأرض عندما يصطدم بها، ولكن ماذا سيحدث عندما يصطدم بنا ثقب أسود قريب من الأرض (Near Earth Black Hole

فكّر علماء الفيزياء النظرية من معهد بودكر للفيزياء النووية في روسيا Budker Institute of Nuclear Physics، ومركز البيانات العلمية "إنتيجرال" في سويسرا INTEGRAL Science Data Center، في هذا السؤال منذ فترة، وفي ورقة علمية جديدة حسبوا كيف يمكننا مراقبة هذا الحدث إذا كان لابد من حدوثه (في حال لم نعلم أننا اصطدمنا بشيء قط!).

سبق وأن نوقشت فكرة سقوط ثقوب سوداء بدائية على النجوم أو الكواكب. كما تمت مراجعتها سابقًا في يونفرس تودي universe today، وتُنسب بعض الملاحظات المرصودة للكواكب والنجوم لثقوب سوداء صغيرة محجوزة داخل بئر الجاذبية (gravitational well)، في هذه الأجسام الكونية.

 

ومن الممكن أن يفسِّر هذا درجات الحرارة غير المعتادة في كوكبي زحل والمشتري، فهما أكثر سخونة مما ينبغي، فمن المحتمل أن الحرارة الزائدة تنتج عن طريق تفاعلات مع ثقب أسود بدائي مختبئ داخل الكوكب. أما في حال كون الثقب مختبئًا داخل نجم، فمن المحتمل أن يأخذ الثقب الأسود البدائي طاقته من التفاعلات النووية في نواة النجم، وربما يساعد في تكوين مستعر فائق سابق لأوانه.

 

لكن ماذا لو كان الثقب الأسود البدائي يسير بسرعة كبيرة جدًا واصطدم بالأرض؟ هذا ما سيركز عليه هذا البحث.


سأتوقع حدوث أمر كارثيٍّ مليءٍ بالحيوية عندما يصطدم الثقب الأسود البدائي بالأرض. ففي كل الأحوال هذا ثقب أسود! ولكن نتائج هذه الورقة جاءت مفاجئة بعض الشيء، لكنها جيدة في نفس الوقت. يمكن للباحثين توقع الآثار التي سينتجها التصادم عن طريق حساب مصدر الطاقة الناتجة عن التصادم.

 

سيأتي المصدران الأساسيان للطاقة من اصطدام الثقب الأسود البدائي بالأرض (حركية) والآخر من إشعاع الثقب الأسود نفسه. مع افتراض أن لدينا الاحتمال الأكبر بالاصطدام بثقب أسود مايكروي (أصغر بكثير من ثقب أسود ناتج عن انهيار نجم) والذي نشأ من بداية الكون، سوف يكون صغيرًا للغاية. وبالنظر إلى ثقب هوكينغ الأسود، الذي يبلغ \(10^{12}\) كج كمثال، فسوف يمتلك ثقب بهذا الحجم نصف قطر يساوي \(1.5×10^{-15}\) متر… هذا يعادل تقريبًا حجم البروتون!

من الممكن أن يكون هذا ثقبًا أسودَ صغيرًا، ولكنه يحمل الكثير بعض الشيء. ولكن هل هو قابل للقياس؟ نظريًا، ستقوم الثقوب السوداء البدائية بالحفر داخل المادة كما لو أنها غير موجودة، ولكنها سوف تُبقي علامة هناك.

 

كما يمر الذباب الصغير داخل الأرض بسرعة الصوت، سيُصدر الثقب الإشعاع على شكل إلكترونات وبوزيترونات، وسيساوي مجموع الطاقة التي أنشأها الثقب الأسود البدائي تقريبًا الطاقة التي تنتج عن تفجير طن من مادة تي أن تي TNT، لكن هذه الطاقة هي الإجمالية التي يضعها الثقب الأسود على طول مساره من خلال قطر الأرض، وليست الطاقة التي تنتج عن التصادم. لذلك لا تتوقع حدوث انفجار مهيب، سنكون محظوظين إذا تمكنّا من رؤية شرارة عند اصطدامه بالأرض.


إنّ أي أمل للكشف عن مثل هذا التأثير للثقب الأسود الصغير ضئيل جدًأ، كما أن الموجات الزلزالية المتولدة ستكون ضئيلة أيضًا. في الواقع، الدليل الوحيد على مرور ثقب أسود بهذا الحجم خلال الكوكب قد يأتي من أضرار الإشعاع على طول النفق المجهري الذي يمتد من جانب واحد من الأرض إلى الطرف الآخر.

 

كما ذكر بوضوح الفريق الروسي /السويسري: "سيخلق ذلك أنبوبًا طويلًا من المواد التالفة النشطة إشعاعيًا بشكل كبير، والتي سوف تبقى لمدة معروفة من الزمن الجيولوجي." - كريبلوفيتش Khriplovich، بوميرانسكي Pomeransky، بروديت Produit، وروبان Ruban من ورقة: "هل يمكن لأحد اكتشاف مرور ثقب أسود صغير من خلال الأرض؟" (Can one detect passage of small black hole through the Earth؟

كما يركز هذا البحث على الثقب الأسود البدائي الصغير، سيكون من المثير للاهتمام التحقيق في الآثار المترتبة عن اصطدام ثقب أسود أكبر - ربما يكون واحدًا مساويًا لكتلة الأرض، ونصف قطره ككرة الغولف...؟

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • إشعاع هوكينغ (Hawking radiation): نظرية اُقترحت للمرة الأولى من قبل الفيزيائي البريطاني ستيفن هوكينغ. تنص هذه النظرية على أنه نتيجةً لاجتماع مزيج من الخواص الكوانتية مع الثقالية، يُمكن للثقوب السوداء، عند ظروف معينة، أن تُصدر إشعاعاً. المصدر: ناسا
  • الثقب الاسود (Black hole): جسمٌ جاذبيته قوية إلى درجة لا يمكن معها حتى للضوء الإفلات منه.

اترك تعليقاً () تعليقات