ما هي خصوصية النسبية الخاصة؟

أذكر أينشتاين، وسيشعر معظم الناس بالرعب لأنهم يفترضون أنهم في حاجة إلى شهادة في الفيزياء المتقدمة لفهم عمله. لكن وفي الحقيقة، يكمن جمال النسبية الخاصة في بساطتها، مما يجعلها واحدة من أفضل الأسرار التي تم الحفاظ عليها في العلم.

المنطق السليم 


تخيّل أنك تقود سيارة على طول طريق بسرعة تصل إلى 50 ميلاً في الساعة؛ وللمتعة فقط، قررت رمي كرة من السيّارة. إذا رميت الكرة على طول خط مستقيم إلى الأمام وبسرعة تصل إلى 10 أميال في الساعة، فكم سيكون مقدار سرعة حركتها؟ 
 

الآن، أين الكرة؟
الآن، أين الكرة؟

من المحتمل أن يكون الجواب بالنسبة إليك، أنت الموجود داخل السيّارة، هو 10 أميال في الساعة، لكن بالنسبة إلى شخص موجود على الرصيف، ستبدو الكرة متحركة بسرعة تصل إلى 60 ميل في الساعة. 



الآن افترض التالي، بدلاً من قيادة السيّارة بسرعة 50 ميلاً في الساعة، أنت تُحلق على متن مركبة فضائية تتحرك بسرعة 50 ألف ميل في الساعة، وعوضاً عن رمي كرة من النافذة، سمحت لجسيم ضوء بالإفلات والتحرك في اتجاه حركتك نفسه – يُرمز عادةً إلى سرعة الضوء في الفراغ بـ c، وتبلغ نحو 670.76 مليون ميل في الساعة.



كم ستكون سرعة جسيم الضوء الآن؟ 


من المرجح أنك ستعمل على اكتشاف الجواب باستخدام الطريقة نفسها التي اعتمدتها مع حالة الكرة والسيّارة، وستقول إنه بالنسبة إليك في السفينة الفضائية، ستكون سرعة الضوء 670.76  مليون ميل في الساعة، في حين أن هذه السرعة ستكون بالنسبة إلى شخص ساكن (أي ساكن بالنسبة إلى معظم النجوم البعيدة)، ستصير هذه السرعة c+50000 في الساعة. 

هذه هي الأجوبة التي كان ليُعطيها نيوتن، الذي كان واحداً من أعظم علماء التاريخ؛ لكن في هذه الحالة، ستكون أنت ونيوتن مُخطئين. 



 أينشتاين مقابل نيوتن


تأخذ صيغة سرعة الكرة بالنسبة إلى شخص من المارة، والتي تعتمد على المنطق السليم، وهي تلك التي كان يعتمدها نيوتن، الشكل التالي


\(=u+v\)Relative velocity
 

حيث u هي 50 ميلا في الساعة، وv هي 10 أمتار في الساعة. لكنّ هذه الصيغة في الواقع غير صحيحة على الرغم من أنّ عدم دقتها لا تتضح إلا عند السرعات المرتفعة جداً، أما الصيغة التي تُعطي الجواب الصحيح فقد اقترحها أينشتاين وتأخذ الشكل التالي: 
 

\(={u+v \over 1+(u×v)/c^2}\)Relative velocity

 

تُعطي الصيغتان الجواب نفسه تقريباً عندما يكون \(u×v\) صغيراً جداً مقارنةً بـ \(c^2\)، لكن كلما زاد ناتج الضرب بالنسبة إلى مربع سرعة الضوء، تبدأ الإجابتان بالاختلاف أكثر وأكثر. وعندما تصل إحدى السرعات، لنقل u، إلى سرعة الضوء، يحصل شيء غريب. 
 

\(={u+v \over 1+(u×v)/c^2} ={c+v \over 1+(c×v)/c^2}={c+v \over 1+v/c}=c\)Relative velocity
 

بالعودة إلى مثالنا المتعلق بإطلاق جسيم ضوء أمام سفينة فضائية، يعني ذلك أن سرعة الجسيم الضوئي ستكون نفسها بالنسبة إلى شخص موجود في السفينة الفضائية، أو بالنسبة إلى راصد ساكن (stationary observer)، وبالتالي لا تُساهم سرعة الصاروخ بأي شيء على الإطلاق. 

إن حقيقة أن سرعة الضوء تبقى ساكنة مهما كانت السرعة النسبية للمصدر والراصد، تبدو منافية للبديهة تماما، لكنها تعتمد على عدد هائل من الأدلة؛ لكن هناك الكثير من العواقب والنتائج التي تُنافي البديهة بشكلٍ أكبر وهي تلك الجوانب المرتبطة بفهمنا للزمن. 



 إبطاء الزمن


لرؤية العواقب المتعلقة بفهمنا للزمن، نحن في حاجة إلى قياس الزمن باستخدام السرعة، عوضاً عن العكس، قياس السرعة باستخدام الزمن كما هو مألوف. ستتألف ساعتنا من مرآتين وشعاع ضوء. 

إذا كانت المسافة بين المرآتين d، سيكون الزمن اللازم ليتحرك فيه شعاع الضوء من مرآة إلى الأخرى هو \( t= {d \over c}\). الآن دعونا نضع ساعتنا على متن قطار يتحرك بسرعة v، وقد تطوعت آليس للجلوس في هذا القطار، أما بوب فتطوع لرصد الساعة من مكانٍ خارجه. 

أين هي الساعة الآن؟
أين هي الساعة الآن؟


إذن ما الذي ستراه آليس الجالسة في القطار؟ بالنسبة إليها، سيبدو كل شيء موجودا خارج القطار متحركا، لكنّ كل شيء داخله ساكن عدا الشعاع الضوئي، وستكون الأمور جيدة حتى هذه المرحلة. 

لفهم ما يراه بوب، تخيل أنه تم وضع المرآتين بحيث تكون إحداهما موازية للأخرى، وبذلك يُشكل الخط المستقيم الواصل بينهما زاوية قائمة مع أرضية القطار. الآن وبالنسبة إلى آليس، سيظهر شعاع الضوء متحركاً للأعلى والأسفل على طول هذا الخط العمودي؛ لكن بوب وبسبب استمرار القطار في الحركة، سيشاهد الشعاع الضوئي يتجه نحو المرآة الأخرى بمرور الزمن، فكلتا المرآتين يتحرك! 

إذن وعوضاً عن مشاهدته لشعاع الضوء وهو يتحرك عمودياً للأعلى والأسفل، سيرى بوب ذلك الشعاع متحركاً على طول الخط المستقيم القطري، كما في الشكل التالي:

في الجانب الأيسر نُشاهد ما تراه آليس، يمر شعاع الضوء عمودياً من مرآة إلى الأخرى. ويُوضح الجانب الأيمن المشهد الذي يرصده بوب، موقع المرآتين قبل الحركة موضح باللون الأسود وموقعهما بعد الحركة بالأزرق، ويمر الضوء بشكل قطري.
في الجانب الأيسر نُشاهد ما تراه آليس، يمر شعاع الضوء عمودياً من مرآة إلى الأخرى. ويُوضح الجانب الأيمن المشهد الذي يرصده بوب، موقع المرآتين قبل الحركة موضح باللون الأسود وموقعهما بعد الحركة بالأزرق، ويمر الضوء بشكل قطري.


أوه عزيزي بوب لا داعي لأن تشد شعرك، فكل الأمور نسبية. 

يُقرر بوب المسكين إجراء حساباته الخاصة. بسبب ظهور الشعاع الضوئي متحركاً بشكل قطري، قرر أن المسافة التي على الضوء قطعها ليست في الواقع d، بل أطلق عليها D. وأن الزمن اللازم للتحرك بين المرآتين ليس t بل T، لكن سرعة الضوء هي نفسها بالنسبة إلى آليس وبوب (أتذكر ذلك؟)، ولذلك يستمر بوب بدعوتها c. 

الآن ولأن القطار يتحرك بسرعة v ، يكون القطار قد قطع مسافة vT أثناء قطع الضوء للمسافة الكائنة بين المرآتين. لذلك ما دام يستمر بوب برصده، ستتحرك المرآة مسافة vT. 

يُدرك بوب أنه إذا ما قمت بأخذ النقطة التي بدأ منها الشعاع الضوئي (إحدى المرآتين قبل الحركة)، والنقطة التي سيرحل إليها إذا كان القطار ساكناً (المرآة الثانية قبل التحرك)، والنقطة التي انتهى عندها الشعاع الضوئي من وجهة نظر بوب، ستشكل تلك النقاط مثلثاً قائم الزاوية، كما هو واضح في الشكل التالي: 

مثلثاً قائم الزاوية
مثلثاً قائم الزاوية


من حسن الحظ أن بوب يتذكر نظرية فيثاغورس ويستخدمها ليكتشف ما هي



\(D^2=d^2+v^2t^2\)

 

يعرف بوب أيضاً أن \(D=cT \) و\(d=ct \)، وبذلك تصبح المعادلة: \(c^2t^2= c^2t^2+v^2t^2\)، وبإعادة ترتيب هذه الصيغة يحصل على: 



\(T ={ t \over \sqrt{1-v^2/c^2}}\)
 

حسناً، ما الذي يعنيه ذلك؟ شاهد بوب ساعة آليس، وهو يعلم أن الضوء يحتاج إلى t ثانية ليتحرك بين المرآتين. لكن من نقطة رصده الواقعة خارج القطار، يبدو أن ذلك الأمر يتطلب T ثانية. 

تُشاهد آليس الساعة وهي تعمل كما هو متوقع، لكن وبسبب عدم وجود بوب مع آليس على متن القطار، تبدو الساعة الموجودة في القطار وكأنها تجري بشكلٍ أبطأ.

ما يراه بوب هو إحدى نتائج النسبية الخاصة (Special Relativity) المعروف بتمدد الزمن (time dilation) وبالنسبة إليه يظهر أن الزمن يجري في القطار بشكلٍ أبطأ.

الآن، افترض أن آليس أعطته ساعة، وجعلها تعمل بجانب سكة القطار، وقامت آليس برصدها من القطار أثناء مرورها بها. حينها، ستحصل النتيجة نفسها؛ فبالنسبة إلى آليس، تظهر الساعة وكأنها تجري ببطء! بشكل أوضح، يرصد كلٌ من آليس وبوب زمن الشخص الآخر وهو يتباطأ!

كيف تقيس الزمن
كيف تقيس الزمن


حسناً، ما الذي تسبب في كل هذا الجنون؟ هل تختلف قوانين الفيزياء، عندما تتحرك آليس في القطار، عن تلك الخاصة ببوب الموجود خارجه؟ بالتأكيد لا! فهناك شيء ما يحصل عندما ينظر أحدهم من بيئته نحو بيئة الآخر. وبلغة الفيزياء، الفرق بين آليس وبوب يكمن في وجودهما في إطارين مرجعيين قصوريين مختلفين (أو جملتين مرجعيتين قصوريتين). 



عندما نُجري تجربة ما، عادةً ما نأخذ القياسات باستخدام نقاط مرجعية موجودة فوق الطاولة، أو نقطة بداية خط مستقيم لسباق ما مثلاً. يُعرف المكان الذي نُجري فيه تجربتنا بالإطار المرجعي (frame of reference). 

يُعتبر المختبر الساكن مثالاً عما ندعوه بالإطار المرجعي القصوري (inertial frame of reference)، أو اختصارا المرجع القصوري. إذا ما اخترنا نقطة ما ساكنة كمرجع - كما هي الحال مع معظم النجوم البعيدة - بالتالي لا يتسارع المخبر بالنسبة إلى تلك النقطة. 

في الحقيقة، أي إطار مرجعي متحرك بسرعة منتظمة بالنسبة إلى إطار قصوري آخر، يعتبر إطاراً قصورياً بحد ذاته، والأمر مشابه تماماً لحركة بوب في فضاء الأرض، وآليس التي تمر أمامه راكبةً قطاراً متحركاً بسرعة ثابتة. 


نتيجة لما سبق، نجد أن قوانين الفيزياء، بما في ذلك سرعة الضوء في الخلاء، هي نفسها بصرف النظر عن الإطار القصوري التي تُوجد فيها. لذلك وسواء كنت تجلس فوق الأرض، أو في قطار متحرك في الفضاء على متن صاروخ غير متسارع، ستبقى قوانين الفيزياء هي نفسها في كل الأماكن. 

سيكون كل شيء على ما يرام إذا ما عملنا داخل إطار قصوري؛ لكن كل شيء يُمكن أن يحصل إذا ما كنت ترصد تجربة ما من إطار قصوري عندما تحصل هذه التجربة في إطار آخر، كما هي الحال مع آليس وبوب، أو عندما تنظر خارج نافذة صاروخ دوار وتشاهد النجوم وهي تتسارع مارةً بك على الرغم من عدم تأثيرها بأي قوة عليك.

قد يبدو من الصعب جداً تصديق كل ذلك، لكن وعبر إجراء العلماء لتجارب محكمة، أكدوا أن ذلك الشيء العجيب يحصل. كان الأمر صعب التصديق حتى بالنسبة إلى أينشتاين لأن الأمر يُخالف المنطق السليم. 



 حياة الميون القصيرة، والحافلة! 


الميونات (Muons) عبارة عن جسيمات تنشأ عند ارتفاعات كبيرة فوق سطح الأرض من جراء صد الأشعة الكونية (cosmic rays) للغلاف الجوي. يُمكن كشف هذه الجسيمات بأعداد كبيرة عند سطح الأرض، وتصل سرعتها إلى نحو 0.998 مضروبة بسرعة الضوء، لكنها لا تعيش فترة طويلة جداً؛ ففي العادة تتفكك بعد نحو \(2×10^{-6}\) ثانية (0.000002 ثانية).


تنشأ الميونات في مناطق مرتفعة جداً من الغلاف الجوي للأرض
تنشأ الميونات في مناطق مرتفعة جداً من الغلاف الجوي للأرض

عند ضرب سرعتها بعمرها، نجد أنه بإمكان هذه الجسيمات الحركة لمسافة 600 متر قبل أن تتفكك، لكنّها تنتج عند ارتفاعات تصل إلى 6000 متر فوق سطح الأرض! 



إذن، كيف تتمكن تلك الجسيمات من الوصول إلى سطح الأرض؟ يكمن الجواب في تمدد الزمن. ففي جملتنا المرجعية، يتمدد عمر الميون من \(2×10^{-6} \)ثانية ليصل إلى: 

 


seconds\(2×10^{-6} / \sqrt{1- {(0.998×c)^2} \over c^2}=31.7×10^{-6} \)


 

وبهذا الزمن، يُمكن للميون أن يتحرك لمسافة تصل إلى 9500 متر، وهي أكبر بمقدار جيد من تلك اللازمة للوصول إلى سطح الأرض.



 مفارقة التوأم 


إليك قصة قصيرة جداً عن توأم هما بيتر وباول. يأخذ باول رحلة باستخدام سفينة فضائية ذات سرعة عالية جدا، ويُغادر الأرض تاركاً أخاه بيتر هناك. وبمساعدة من تلسكوبه، يُراقب بيتر باول أثناء تحركه في الفضاء؛ وكنتيجة لتمدد الزمن، يرى بيتر أن باول يُعمر بسرعة أبطأ منه. 

لكن، وكما هي الحال تماماً مع آليس وبوب اللذين كان كلٌ منهما يعتقد أن الآخر يجري زمنه بشكلٍ أبطأ، ألا يجب أن يرصد باول أن بيتر يُعمر بشكلٍ أبطأ منه؟ ويعني ذلك أن كلاً منهما يعتقد أن الآخر يُعمر بشكلٍ أبطأ.

الحقيقة أن المسألة ليست متناظرة هنا، فالتوأم الموجود في الوطن هو الوحيد الموجود في إطار قصوري، أما باول فيعاني من تسارع (أي تغير في السرعة) في أثناء مغادرة الصاروخ الأرض، وعودته إليها.


بشكلٍ عام، ستجري الساعات المتسارعة (أو الساعات الموجودة في الحقول الجاذبية) بشكلٍ أبطأ بالنسبة إلى الساعات غير المتسارعة (أو تلك غير الموجودة في حقول ثقالية)؛ ولذلك فإنّ التوأم الذي يشعر بالتسارعات سينمو بشكل أبطأ مما هي الحال مع التوأم الآخر.

إذا ما عمل باول على الحفاظ على سرعة ثابتة وتساوي 80% من سرعة الضوء، فعندما يعود إلى الوطن، سيكون أكبر بنحو 6 سنوات، في حين أن بيتر سيكون قد مرَّ عليه 10 سنوات. بالطبع، من غير المرجح أساساً أن يصل المرء إلى هذه السرعة العالية جداً، لكنها تجعلك تتساءل...



حول المؤلف: 


هارديب أيدن Hardeep Aiden هو متخرج في قسم الرياضيات في إمبريال كوليدج بلندن. وبالإضافة إلى الرياضيات، هو مهتم باللغات واللسانيات، وحالياً يتعلم اليابانية، والفرنسية، ولغة الإشارة البريطانية.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات