14 مليار دولار تكلفة جهاز لدخول عصر الاندماج النووي

الآلة الأولى والأضخم من نوعها هي الآن قيد البناء في مركز الأبحاث الفرنسية المتخصص في أبحاث الطاقة النووية كاداراش (Cadarache). وتدعى تلك الآلة "إيتر" ITER وهو الاسم اللاتيني لـ "الطريق"، ومن المتوقع أن تقود العصر الجديد للكهرباء المعتمدة على الاندماج النووي (nuclear fusion)، وهذا ما كان يعمل عليه العلماء والمهندسون لأكثر من أربعين عاماً.

ستولد الآلة استطاعة تبلغ 500 ميغاواط نتيجة لدمج نوعين من الهيدروجين -الديتريوم والتريتيوم- معاً، وهذا المقدار أكبر بعشر مرات مما تحتاجه للعمل.

سيبلغ قطر إيتر عند الانتهاء من البناء 100 قدم وكذلك ارتفاعه ليمثل بذلك سلالة جديدة من أجهزة الاندماج النووي. وفي حال حقق الجهاز الخرج الطاقي المتوقع منه، سيكون الآلة الأولى من نوعها التي تسد الثغرة الكامنة بين أبحاث الاندماج في المختبرات والاستخدام المتاح لطاقة الاندماج في المدن. 

تجاوزت تكلفة بناء الآلة 14 مليار دولار في حزيران 2015. لكن يقول الخبراء بأنها في نهاية المطاف تستحق ذلك، فالاندماج النووي هو العملية التي تمد النجوم -مثل شمسنا- بالطاقة وتوفر عدداً من الميزات مقارنةً مع مصادر الطاقة الحالية إذا تمكنا من حصدها هنا على الأرض. ومن تلك المميزات:

 

  •  يُنتج الاندماج مخلفات غير مشعة يمكن إعادة تدويرها كلياً خلال 100 عام، على النقيض من البقايا النووية السامة التي تُنتجها مفاعلات الانشطار النووي (fission reactors) اليوم.
  • ليس هنالك فرصة لحصول تفاعل خاطئ لأن أي خلل سيوقف عملية الاندماج، مما يعني أنّ مفاعلات الاندماج لا تتعرض لخطر الانصهار النووي.
  • إنها مصدر نظيف للطاقة مقارنةً مع الفحم، والغاز الطبيعي، والنفط الخام.
  • يمكن أن تعمل مفاعلات الاندماج على ماء البحر، مما يوفر مصدر متجدد للطاقة.


 مشكلة الاندماج


تكمن أكبر المشاكل حالياً في أنّ استهلاك الطاقة في آلات الاندماج المستخدمة الآن أكبر مما تُنتجه، وهو تماماً النقيض لما ينشده المرء من محطة طاقة (power plant). 

تنبع المشكلة من البلازما فائقة الحرارة (super-heated plasma) التي تنتجها آلات تدعى بالتوكاماك (tokamaks)، وهي المكان الذي يحدث داخله الاندماج النووي. وفي الأسفل يُمكنك مشاهدة مخطط للبلازما مبينٌ باللون الأرجواني:


أجهزة التوكاماك
أجهزة التوكاماك

 

في الوقت الذي يُمثل فيه الوصول إلى درجات الحرارة تلك عملاً هندسياً بطولياً بحد ذاته، فإن أجهزة التوكاماك لا تستطيع المحافظة على تدفق البلازما لزمن طويل، فأطول وقت تم تسجيله للحفاظ على البلازما هو 6 دقائق و30 ثانية، وهذه ما حققته آلة توكاماك فرنسية في 2003.

هذا السلوك النبضي الناتج عن تشغيل وإطفاء البلازما بشكل متكرر وعلى دفعات قصيرة هو ما حاول العلماء التغلب عليه على مدار عقود، ويعود السبب في ذلك إلى الكلفة الطاقية الكبيرة للنبض حتى يصبح طريقة متاحة للحصول على مكسب صافٍ من الطاقة.

وعوضاً عن ذلك، فإنّ المقاربة المثالية تكمن في بناء آلة يمكن أن تنتج بلازما ذاتية الدعم (self-sustaining plasma)، وهنا يأتي دور إيتر. وفي الأسفل يُمكنك مشاهدة مقطع يوضح شكل الجزء الداخلي من إيتر حيث تُمثل الجسيمات الدائرة الديتريوم والتريتيوم.



ستصل درجة حرارة البلازما داخل إيتر إلى 150 مليون درجة، أو أسخن عشر مرات من نواة شمسنا وهي حرارة كافية لدمج الديتريوم والتريتيوم. وهنالك ناتج ثانوي هام للاندماج وهو الهليوم -نواة الهيليوم بالتحديد. وحالما يتم إنتاجها، تتصادم الذرات مع بعضها وتُطلق طاقة على شكل حرارة مما يُساعد في الحفاظ على البلازما ساخنة دون أي مساعدة من دخل طاقي إضافي وخارجي. 

يقول جوناثان مينارد Jonathan Menard، وهو مدير برنامج منشأة الاندماج الرئيسية في مختبر فيزياء البلازما في جامعة برينستون (PPPL) لمجلة بيزنيس إنسايدر: "بهذه الطريقة ستكون الآلة مكتفية ذاتياً بشكلٍ كامل"، فهذا النوع من الاحتراق الاندماجي مشابه جداً لما يحدث داخل نواة الشمس.

مستقبل الاندماج

شُغل مؤخراً وللمرة الأولى آلة أخرى موجودة في ألمانيا وتدعى "ستيلاريتور" (بالألمانية: Wendelstein 7-X)، ومن المتوقع أن تولد بلازما ذاتية الدعم أيضاً. على أية حال، أشار مينارد إلى أنه من غير المرجح أن تولد هذه الآلة ما يكفي من الطاقة الزائدة لتعمل كمصنع محتمل لطاقة الاندماج النووي، فهذا ما صُمم إيتر لتحقيقه. 

رسم توضيحي لمولد البلازما الرئيسي في ستيلاريتور.
رسم توضيحي لمولد البلازما الرئيسي في ستيلاريتور.

هناك نوع آخر من مفاعلات الاندماج يستخدم الليزر بدلاً من البلازما، مثل منشأة الإشعال الوطنية (National Ignition Facility) الموجودة في كاليفورنيا، ولكن ما زال أمام هذا المجال من الأبحاث طريقاً طويلاً ليقطعه قبل أن يتمكن من منافسة التوكاماك.

يقول مينارد:" لاتزال الأنظمة المعتمدة على الليزر غير فعالة إلى الآن ونعتقد أن أنظمة الاندماج بالبلازما أقرب للحصول على طاقة صافية". 

بدأ بناء إيتر في عام 2007، ومن المتوقع أن ينتهي البناء في 2019 مع إطلاق أول بلازما في 2020. ومن المتوقع أيضاً أن تُنجز الآلة تجارب اندماج ديتريوم-تريتيوم كاملة للحصول على طاقة صافية في 2027.

في الوقت الحالي يستخدم كلٌ من منشآت أبحاث الاندماج حول العالم التوكاماك الخاص به، مثل تجربة الحلقات الكروية الوطنية (National Spherical Torus Experiment) التابعة لمختبر PPPL، والمخصصة لاستكشاف الجوانب المختلفة لكيفية عمل إيتر. يضيف مينارد: "ندرس بشكلٍ خاص مدى جودة احتواء نوى الهليوم أو جسيمات ألفا". 

يوضح الفيديو التالي الحلقة الافتراضية الموجودة داخل منشأة إيتر.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات