يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
لماذا مسرعات الجسيمات كبيرة جدًا؟

يمكنكم تصوّر مسرّعات الجسيمات على أنها مسار سباقٍ للجسيمات. سيارات السباق لا تنطلق فورًا بسرعة 200 ميلٍ في الساعة، بل يجب أن تتسارع تدريجيًّا بمرور الوقت إما على مسار سباقٍ دائريّ كبير أو طريق مستقيم طويل.

في الفيزياء، هذان النوعان من "المسارات"، هما المسرّعات الدائرية أو المسرعات الخطّية. تكتسب الجسيمات في المسرعات الدائرية الطاقة تدريجيًّا بينما تتسارع داخل هيكل مسرِّع عند موضع معيّن في الحلقة.

على سبيل المثال، تقطع البروتونات في مصادم الهادرونات الكبير 11 ألف دورةٍ كلَّ ثانية لمدة 20 دقيقة قبل أن تبلغ طاقة التصادم.

أثناء الرحلة، تقود المغانط الجسيمات حول منحنيات المسرّع كيلا تخرج عن مسارها، لكن تمامًا كسيارةٍ تخوض طريقًا جبليًّا متعرجًا، فإن طاقة الجسيمات مقيّدة بمنحنيات المسرع، فلو كانت المنعطفاتُ أضيق أو المغانط أضعف مما ينبغي فستخرج الجسيمات عن مسارها في النهاية.



لا تواجهنا هذه المشكلة في المسرّعات الخطّية لكنها تواجه تحدياً من ناحيةٍ مماثلة: في المسرعات الخطّية، الجسيمات ليس لديها إلا طول المسار الذي تقطعه داخل الهياكل المسرّعة لتبلغ طاقتها المنشودة، فحالما تبلغ نهاية المسار لا يمكنها قطع المزيد من المسافة، لذا لو أردنا أن نتعمّق في تباحُث المادة، ورجوعًا إلى نشأة الكون يجب أن نبلغ طاقاتٍ أعلى، ما يعني أننا نحتاج آلاتٍ أقوى.

يقترح أحد الآراء أن نبني مسرعاتٍ أكبر: مسرعات خطّية تبلغ من الطول مئات الأميال أو مسرعات دائرية هائلة تتحلّى بمنعطفاتٍ طويلة سلسة، يمكننا أيضًا أن نستثمر تقنيّاتنا بحيث نطوّر تقنيّات الهياكل المسرّعة لتسرِّع الجسيمات بسرعة وفعالية على مدًى قصير في المسرعات الخطية. يمكننا أيضًا أن نصمّم ونصنع مغانط قوية للغاية، أقوى من أي مغانط حاليّة بحيث يمكنها تحييد الجسيمات ذات الطاقة العالية جداً لتجتاز منعطفات المسرعات الدائرية.

واقعيًّا، الأدوات المستقبلية التي نستخدمها في سبر أصغر وأكبر الجسيمات ستشتمل مزيجاً من التقدّم التقنيّ والهندسة الشاملة لتقربنا أكثر من فهم المجهول.


مصادم الهادرونات الكبير في مختبر المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية CERN، يبلغ محيطه 27 كيلومترًا كاملًا. عالمة الفيزياء ورئيسة المشروع التسارع الذيلي في البلازما plasma wakefield acceleration، واختصارًا (AWAKE)، بمختبر CERN، إيدا غشفيندتنير Edda Gschwendtner، تفسّر لماذا يستخدم العلماء آلاتٍ بهذا الكِبَر.

رؤيتنا بالعين المجرّدة محدودة جدًا. ولنتمّكن من رؤية الجسيمات الصغيرة نستخدم الميكروسكوب، ولنرى الأجسام البعيدة نستخدم التلسكوب. كلّما زادت قوة الأداة، اتّسع مدى رؤيتنا.

مسرّعات الجسيمات هي آلاتٌ تتيح لنا سبر أغوار المكوّنات الأولية للطبيعة، وتطوّر وأصل المادة الموجودة في الكون المرئيّ جمعاء وربما حتى في الكون (غير المرئيّ). كلما اشتدّت قوة المسرع، زادت قدرتنا على رؤية أصغر الجسيمات وأكبرها على حدّ سواء.
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات