لماذا لا يتصل الفضائيون بالأرض؟

 فضائيون.

مصدر الصورة : شاتر ستوك Shutterstock 


هيأتنا الأفلام السينمائية والتلفاز لقبولِ احتمال وجود حياةٍ ذكية في أماكن أُخرى من هذا الكون. نقول "بالطبع هناك حياة ذكية في مكانٍ ما. رأيت ذلك الأسبوع الماضي في ستار تريك Star Trek". كلُّنا شاهدنا ذلك، انطلاقاً من الكائنات الخارجية اللطيفة والمُحبَّبة في فيلم ET، وصولاً إلى الكائنات المتوحِّشة ذات المخالب في فيلم Alien. لكن، هل من المحتمل ألا نكون وحيدين في هذا العالم؟ وإذا كانت الحياة الذكية موجودة في مكان ما، لماذا لم تتصل بنا بعد؟

أول شخص عالج هذه المشكلة بطريقة منهجية هو فرانك دريك Frank Drake، الذي وضع معادلة دريك (Drake equation) للتنبؤ بعدد الحضارات الخارجية الموجودة في المجرة. معادلته معقَّدة نوعاً ما، لكن إليك نسخةً مُبسَّطة من فكرته.

أولاً، لنُحصي عدد النجوم في المجرة، التي يبلغ عددها كما قال أحد الأسلاف "مليارات ومليارات"؛ إذاً كم من تلك النجوم لديه كواكب؟ حتى وقتٍ قريب لم نكن نعرف. لكن خلال الأعوام العشرين الماضية حقَّق علماء الفلك تقدمًا ملحوظًا في اكتشاف كواكب حول النجوم، ونعرف الآن أنه لدى العديد من النجوم كواكب تدور حولها.


حيوان بطيء المشية يستطيع العيش في ظروف صعبة جدًا
حيوان بطيء المشية يستطيع العيش في ظروف صعبة جدًا


هل يمكن لمخلوقاتٍ أن تعيش فعلاً على تلك الكواكب؟ فالكثير منها ليس سوى كرات عملاقة من الغاز، أو أنها باردة جدًا أو ساخنة جدًا لدرجةٍ لا تسمح بوجود الماء السائل، الذي يُمثِّل أساس الحياة على الأرض. لكن يمتلك عددٌ قليلٌ منها درجة حرارةٍ مناسبة لذلك، فهذه الكواكب المعتدلة ليست ساخنة جدًا، ولا باردة جدًا، بالنسبة للماء السائل -طبعًا دون الأخذ بعين الاعتبار إمكانية تواجد أشكال غريبة من الحياة التي لا تحتاج الماء.

لندخل الآن إلى بعض المناطق الضبابية، ولنسأل ما هو احتمال تطوّر حياة على كوكب يُمكن أن يكون قابلاً للسكن؟ نحن لا نعرف الجواب، لكن الحياة بدأت على كوكب الأرض بعد مدة قصيرة من تشكُّل نظامنا الشمسي، وثبَّتت نفسها في كل الأماكن المُتاحة مهما كانت عدائية.

 

إذ تزدهر مستعمرات من المخلوقات الغريبة التي تعيش في ظلمة دائمة داخل فتحات أعماق المحيطات، حيث يُنفَث ماء غني بالكبريت من تحت الأرض؛ كما أن البكتيريا المُقاوِمة للإشعاع (Radiation-resistant bacteria) تتشمَّس بسعادة في وقتٍ يكون فيه مستوى الإشعاع كافٍ لقتل الإنسان على الفور، وهناك أيضًا بطيئات المشية (tardigrade) التي تُشبه دبًا ميكروسكوبيًا ثمانيَ الأرجل، وبإمكان هذا الكائن أن يزدهر في النيتروجين السائل أو الكحول المغلي. ولهذا فإن احتمالية تطوّر الحياة على العوالم الصالحة للسكن عاليةٌ جدًا.

أما السُّؤال القائل: "ما هي احتمالية أن تُطوِّر هذه الحياة الذكاء؟" فيبقى مفتوحًا (التعبير العلمي لـ "ليس لدينا أدنى فكرة"). لكن يَعتبر العديد من العلماء أنَّ الحياة الذكية لا مفرَّ منها تقريبًا، وفي هذه الحالة فإن المجرة مليئة بالحضارات الخارجية.


إذا كانت المجرة تزخر بالفضائيين، فأين هم؟ 


السفر بين النجوم محدودٌ بسرعة الضوء، ولهذا قد لا يكون من الغريب أنه لا أحد زارنا. لكن يجب على الأقل أن نتمكن من الكشف عن إشارات راديوية غريبة، سواءً من محاولات الاتصال بنا مباشرة، أو من تلفاز الفضائيين. إذاً، لماذا لم يتصل بنا أصدقاؤنا الفضائيون حتى الآن؟ 

طُرِح هذا السؤال الشهير من قبل الفيزيائي الإيطالي إنريكو فيرمي Enrico Fermi، ولذلك سُمِّي مفارقة فيرمي (Fermi paradox): تقترح كل نقاشاتنا أن الحضارات الخارجية يجب أن تكون شائعة، لكن لم نرَ أي إشارةٍ تُشير إليها.

تنصُّ إحدى الاحتمالات على أن الحياة الذكية قد تكون نادرةً للغاية. رأيي الشخصي (وهو رأي فقط) هو أن الحياة شائعة، لكن الحياة الذكية نادرة -وهو شيء يعتقد معظمنا به بناءً على تجربتنا الخاصة. وفي الوقت الذي تطوّرت فيه الحياة في طرفة عين بعد ولادة النظام الشمسي، إلا أنّ الأمر استغرق مليارات الأعوام قبل أن نظهر نحن المتذاكون على الساحة.

 

الديناصورات
الديناصورات


وعليك التذكر بأن "بقاء الأقوى" لا يعني دائمًا "بقاء الأذكى"؛ فبينما يُمثِّل الذكاء أداة مفيدة للنجاة، إلا أنه يبدو بعيدًا عن كونه ضروريًا، فلولا مُذنَّب شارد لاستمرّت الديناصورات بحُكم العالم.

تقترح إمكانية أخرى أن الحياة الذكية تُدمِّر نفسها بنفسها لا محالة. وحتى وقت قريب انحصرت خياراتنا للتدمير الذاتي الكلي في الأسلحة النووية. لكن نحن على شفا توسيع أسطولنا ليشمل الفيروسات المُعدَّلة جينيًا -تخيّل: اجتماع الإيبولا مع الزكام العادي!

فكِّر أيضًا في الخطر الذي تُمثله الآلات النانوية (nanomachines) -روبوتات ذاتية النسخ وصغيرة مبرمجة لتحويل المادة إلى المزيد من الروبوتات. تخيَّل روبوتًا صغيرًا ليس بأكبر من عرض شعرة إنسان، ومُصمَّمًا لتوفير خدمة مفيدة، ومبرمجًا ليبني نسخة من نفسه وذلك باستخدام مواد من محيطه: الآن أنت تملك آلتين، ويمكن لكِليهما خلق نسخ جديدة ليصبح لديك 4 آلات. لكن ماذا لو خرجت هذه العملية عن السيطرة؟ 

يُمكن لهذه الآلات النانوية أن تستهلك الأرض كلها بسرعة، محولة إياها -ومعها كل من عليها- إلى "هُلام رمادي". يناقش عالم الفلك البريطاني مارتن ريس Martin Rees هذه الاحتمالات الكارثية وأخرى في كتابه "ساعتنا الأخيرة -Our Final Hour".


إذاً، هل تُوفِّي كل زائرينا الفضائيين المحتملين بسبب التدمير الذاتي؟


هل تُوفِّي كل زائرينا الفضائيين المحتملين بسبب التدمير الذاتي؟
هل تُوفِّي كل زائرينا الفضائيين المحتملين بسبب التدمير الذاتي؟


أم أن المجرة قد تحتوي أشكالاً أخرى من الحياة الذكية، لكن شيئًا ما منعهم من الاتصال بنا؟  عند هذه النقطة تحديدًا ندخل عالم الأفكار التأملية. (الترجمة: عندما يقول العلماء "تأملية" فهذا يعني "فكرة مثيرة للاهتمام لكنها على بعد خطوة واحدة من أن تُعتبر محض هراء".)

ومن بين بعض الاحتمالات التأملية نجد الفكرة القائلة بأن مجرتنا قد تكون عبارة عن مكانٍ خطير مليء بالمجسات الآلية المُرسَلة من طرف فضائيين عدائيين للقضاء على أي منافسة، ولذلك بقي الجميع في الخفاء. ووفقًا لذلك فربما ينبغي علينا ألا نضع وصفًا مفصَّلاً لموقع نظامنا الشمسي على متن مجساتنا الفضائية. إنها فكرة سيئة أن نتواصل مع المخلوقات الخارجية في حين يُمكننا تلقي اتصال من الفضائيين الغرباء.

هناك أيضًا اقتراح أغرب من ذلك وهو أن الحضارات المتفوّقة قررت تجنُّب الاتصال مع كائناتٍ أقل سأنًا مثلنا، وبذلك نحن نعيش في حديقة حيوانات كونية، مع وجود علامة "لا تتحدث مع الحيوانات".


المصفوفة "The Matrix"
المصفوفة "The Matrix"

 

اقترح البعض أننا نعيش داخل مُحاكاة حاسوبية عملاقة، أو ما يُعرف بالمصفوفة "The Matrix". جمع عالم الفلك ميلان سيركوفيتش Milan Ćirković لائحة أطول من الاحتمالات (مع مناقشات مشكِّكة). ودون المزيد من البيانات إذاً، ستبقى مفارقة فيرمي دون حل حتى الآن، وهذا سيُجبر العديد من الحلول المقترحة على أن تُصنَّف "تأملية"، والآن أنت تعرف تمامًا ما يعنيه ذلك.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • مفارقة فيرمي (Fermi Paradox): تسعى هذه المفارقة إلى الإجابة عن السؤال المتعلق بمكان وجود حياة خارجية وكائنات فضائية.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات