تسعى مفارقة فيرمي (Fermi Paradox) للإجابة عن السؤال المتعلق بمكان وجود الحياة الخارجية أو الكائنات الفضائية. وبالنظر إلى أن الشمس والأرض جزء من نظام كوكبي شاب مقارنةً مع بقية أجزاء الكون -وبالأخذ بعين الاعتبار أن السفر بين النجوم سيكون صعب المنال- تقول النظرية أنه للكشف عن تلك الحياة فلا بدَّ أن تأتي هي لزيارتنا.
وكما تروي القصة، فإن هذه الفكرة خطرت بذهن الفيزيائي الإيطالي أنريكو فيرمي أثناء تناوله طعام الغداء في أحد الأيام عام 1950. إلا أن هذه الفكرة قد أقلقت مضجع الباحثين عن الكائنات الفضائية لعقودٍ بعد ذلك.
جاء في موقع البحث عن الكائنات الفضائية الذكية (SETI) ما يلي: "أدرك فيرمي أن أية حضارة تمتلك تكنولوجيا صاروخية متوسطة، ومقدار جيد من الحوافز القوية قد تستطيع بسرعة استيطان كامل المجرة. وخلال عشرة ملايين عام من الآن، قد يخضع أي نظام نجمي لتلك الإمبراطورية. قد تبدو عشرة ملايين عام زمناً طويلاً، لكنها في الحقيقة قصيرة جداً مقارنةً بعمر المجرة، الذي يصل إلى عشرة مليارات سنة. بالتالي سيكون استيطان مجرة درب التبانة مجرد تمرين سريع".
- وفرة كبيرة من الكواكب
الكون واسع جداً ومعمر، حيث يُقدّر قطر الكون بـ 92 مليار سنة ضوئية، وهو مستمر بالنمو بمعدلات أسرع. كما توضح القياسات المستقلة أن عمر الكون يصل إلى 13.82 مليار سنة. للوهلة الأولى، سيُقدم هذا الأمر للحضارات الخارجية مجالاً زمنياً واسعاً لتنتشر، لكن بعد ذلك سيكون أمامها حاجز المسافة الكونية الذي يتوجب عليها عبوره قبل المُضي بعيداً في الفضاء.
ومع ذلك يُبين عدد الكواكب التي اكتشفناها خارج نظامنا الشمسي أن الحياة قد تكون وفيرة. فقد اقترحت دراسة أُجريت في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2013، بالاعتماد على تلسكوب كبلر الفضائي، أنّ واحداً من بين كل خمسة نجوم مشابهة للشمس لديه كوكب بحجم الأرض يدور حوله داخل المنطقة الصالحة للحياة (وهي المنطقة التي تسمح بوجود الماء السائل فيها).
وجود مثل هذه المنطقة لا يدل بالضرورة على وجود الحياة، إذ يوجد عوامل أخرى يجب أن تُأخذ بالحسبان مثل الغلاف الجوي للكوكب. كما أن الحياة قد تأخذ أشكالاً عديدة انطلاقاً من البكتيريا ووصولاً إلى مركبات الكائنات الفضائية التي تُبحر بين النجوم. قبل بضعة أشهر، نشر علماء كبلر ما يُسمى "منجم الكواكب" (planet bonanza) الذي يضم 715 عالَماً مكتشفاً حديثاً، وتم ذلك بالاعتماد على تقنية جديدة تُعرف بالتحقق باستخدام التعدد.
تقترح النظرية بشكلٍ أساسي أن النجم الذي يظهر وكأنه يمتلك بضعة أجسام تعبر أمام وجهه أو تُمارس قوى مديّة عليه سيكون لديه كواكب ونجوم أخرى تدور حوله. كما تقترح التقنية أن مثل هذه الأنظمة النجمية المتعددة لن تبقى مستقرة بمرور الوقت. ووفقاً لتصريح وكالة ناسا عام 2014، فإنَّ استخدام هذه التقنية سيُسرّع عملية اكتشاف الكواكب الخارجية.
لا يزال فهمنا لبيولوجيا الفضاء (الحياة في الكون) في بدايته. فأحد التحديات التي تواجهنا هو كون هذه الكواكب الخارجية بعيدة جداً، بحيث أنه من المستحيل بالنسبة لنا إرسال مجس للنظر إليها. كما أن هناك صعوبة أخرى تكمن داخل نظامنا الشمسي، فنحن لم نقم باستبعاد كل المناطق التي قد تحتوي الحياة. نحن نعرف من النظر إلى الميكروبات على الأرض أنه بإمكانها النجاة في درجات حرارة وبيئات متطرفة، وهو ما أدى إلى ظهور نظريات تقول بإمكانية إيجاد حياة مشابهة للميكروبية في المريخ، وقمر المشتري الجليدي "يوروبا"، أو ربما فوق أقمار زحل "أنسيلادوس" و"تايتان".
كل ذلك يعني أنه حتى داخل مجرتنا درب التبانة، يجب أن يكون هناك الكثير من الكواكب بحجم الأرض موجودة في المناطق السكنية (habitable zones) التي يُمكنها احتضان الحياة. لكن ما هي احتمالات وجود عوالم كتلك التي تمتلك مراكب فضائية متطورة جداً مثل starfarers عند حدودها.
- الحياة: وفيرة، أم نادرة؟
تُقدر احتمالات وجود حياة ذكية باستخدام معادلة دريك (Drake Equation)، وهي معادلة تسعى لمعرفة عدد الحضارات الموجودة في درب التبانة والتي تحاول التواصل مع بعضها البعض. وباستخدام كلمات (SETI)، تُكتب المعادلة على الشكل التالي:
(N = R∗ • fp • ne • fl • fi • fc • L)
حيث:
(N) هو عدد الحضارات الموجودة في مجرة درب التبانة التي يُمكن كشف إصداراتها الكهرومغناطيسية.
(R∗) هو معدل تشكل النجوم المناسبة لتطور الحياة الذكية.
(fp) هو نسبة تلك النجوم التي تضم أنظمة كوكبية.
(ne) هو عدد الكواكب لكل نظام شمسي، وتحديداً البيئات المناسبة للحياة.
(fl) هي نسبة الكواكب المناسبة في الواقع لظهور الحياة.
(fi) هي نسبة الكواكب الحاملة للحياة والتي تُولد فوقها الحياة الذكية.
(fc) هي نسبة الحضارات التي طوّرت تكنولوجيا يُمكنها إطلاق إشارات قابلة للكشف عن وجودها في الفضاء.
(L) هو طول الزمن الذي قامت خلاله تلك الحضارات بإطلاق الإشارات إلى الفضاء.
لا نعرف أي من الحدود السابقة بدقة محددة وصحيحة، مما يجعل من عملية التنبؤ أمراً صعباً بالنسبة لعلماء بيولوجيا الفضاء والمتصلين الخارجيين أيضاً.
هناك احتمال آخر قد يحبط البحث عن إشارات الراديو، أو المركبات الفضائية الخارجية، وهو: عدم وجود أي حياة في الكون باستثنائنا. وفي الوقت الذي تقترح فيه معادلة دريك ومعادلات أخرى وجود 10 آلاف حضارة تسعى للتواصل في المجرة، تقول دراسة أخرى نُشرت عام 2011 في مجلة ( Proceedings of the National Academy of Sciences) أن الأرض قد تكون كطائرٍ نادر بين الكواكب.
تقول نظرية طورها باحثان من جامعة برينستون هما ديفيد شبيغل (David Spiegel) وإدوين تورنر (Edwin Turner): "يتطلب الأمر حوالي 3.5 مليار سنة على الأقل لتطور حياة ذكية، وهذا يُبيّن لنا كم تحتاج تلك الحياة من الوقت والحظ لتُوجد".
تشمل تفسيرات أخرى لمفارقة فيرمي تجسس الكائنات الفضائية على الأرض، أو تجاهلها للأرض بشكلٍ مطلق، أو زيارتها قبل ظهور الحضارة، أو حتى زيارتها بطريقة لا يُمكننا كشفها.