لماذا توجد ذيولٌ للمذنبات؟

تظهر للمذنبات ذيولٌ فقط عندما تكون قريبةً من أشعة الشّمس، وعندما تكون بعيدةً عن الشمس، تصبح المذنبات أجساماً جليديةً ومظلمة للغاية، ويُعرف الجسم الجليدي بـ "النواة". تتكون النوى من أنواعٍ مختلفةٍ من الثلوج، والقاذورات، والغبار، وكلما تقترب المذنبات من الشمس في رحلاتها عبر النظام الشمسي، فإنها تصبح أدفأ. 


تسخن الثلوج عند بلوغ المذنبات مسافةً تعادل تقريباً نفس المسافة من الشمس إلى كوكب المشتري، وتتبخر مطلقةً الغازات وجزيئات الغبار المدمجة التي تشكل سحابةً أو غلافاً جوياً حول المذنب يُسمى كوما (Coma). مع استمرار اقتراب المذنّبات من الشمس، تنفجر جزيئات الغبار وأجزاءٌ أخرى من حطام غلافها الخارجي (Coma) بعيداً عن الشمس؛ بسبب الضغط من أشعة الشمس، تشكل هذه العملية ذيلَ الغبار. إذا كان هذا الذيل ساطعاً بما فيه الكفاية، فيمكننا أن نراه من الأرض عندما ينعكس ضوء الشمس من جزيئات الغبار.

 

يكون للمذنبات عادةً ذيلٌ ثانٍ أيضاً، وهذا الذيل يُسمى بـ الذيل أو الغاز الأيّوني، ويتشكل عندما تسخن ثلوج النواة وتتحول مباشرةً إلى غازات دون المرور عبر المرحلة السائلة، وهي عملية تُسمى التسامي. يتشكل الذيل الغازي عندما تدفع الجسيمات المشحونة من الشمس، التي تُسمى الرياح الشمسية، جزيئاتِ غاز المذنبات مباشرةً بعيداً عن الشمس. يكون الذيل الغازي مرئياً؛ لأن جزيئاته تتوهّج بعد إثارتها من الإشعاع الشمسي. 


بمجرد أن تبدأ المذنبات في التحرك بعيداً عن الشمس يقلّ نشاطها، وتتلاشى ذيولها، ويختفي الغلاف الخارجي، وتعود المذنبات إلى مجرد نواةٍ جليدية مرةً أخرى، وعندما تعيدهم مداراتهم إلى الشمس في النهاية، يبدأ الغلاف الخارجي و الذيول بالتشكُّل مرة أخرى.


ما مدى كِبَر المذنبات؟


تختلف المذنبات في أحجامها، حيث لُوحِظت أكبرُ نواة والتي كان قطرها حوالي 25 ميلاً، أو 40 كيلومتراً. يمكن للغبار والذيول الأيونية أن تكون هائلة، فالذيل الأيوني للمذنب (Hyakutake) امتد إلى 360 مليون ميل، أو حوالي 580 مليون كيلومتر.

كيف تتكون المذنبات؟


منذ حوالي ½ 4 مليار سنة، بدأت شمسنا تأخذ شكلَ نجمةٍ، وكلما أصبحت الشمس أكثرَ دفئاً، حاصرت سحابةٌ من الجليد والغبار الشمسَ. عندما انتهت السحابة من التشكُّل، بدأت في الدوران. كما أنها تغيّرت ببطء من الشكل الكروي إلى شكلٍ أكثرَ انبساطاً، أشبهَ ما يكون إلى الكعكة المحلاة (doughnut) مع الشمس في الفراغ داخلها. دارت السحابة في الأرجاء كثيراً، والسحابة الدورية أصبحت أكثر انبساطاً وكثافةً. في منطقة السحابة الأكثرِ بُعداً عن الشمس، اتّحد الغبار وجزيئات الثلج معاً وتمسَّك كل منهما بالآخر، وأصبحت هذه الجزيئات أكبر قليلاً على مدار ملايين السنين. في نهاية المطاف، وصل حجم هذه الجزيئات لحجم كرات السّلة ومن ثم لحجم السّيارات والمباني. أخيراً، نمت هذه الجسيمات لتشبه حجم مجمّعات المدينة، وأصبح العديد من هذه الكائنات في الجزء البعيد من النظام الشمسي يعرف باسم المذنبات.

في بعض الحالات، تبقى هذه الجزيئات الكبيرة ملتصقةً معاً، مُشكِّلةً نوى الكواكب العملاقة: المشتري، وزحل، وأورانوس، ونبتون. حدثت عملية مماثلة بالقرب من الشمس لكن احتوت السحابة على كميةٍ صغيرةٍ جداً من الثلج، وبدأت عملية تشكيل الكوكب الداخلية: عطارد، والزهرة، والأرض، والمريخ. عندما التصقت قِطعٌ صغيرةٌ من الغبار معاً، وأصبحت الكواكب الصّخرية الداخلية مع الأجزاء والقطع المتبقية مكونةً ما نسميه الآن بالكويكبات.

ماذا يوجد داخل المذنب؟


تنشأ المذنبات في النظام الشمسي الخارجي. تتجه بعض المذنبات نحو النظام الشمسي الداخلي من منطقة تُسمى حزام كايبر (Kuiper Belt)، الذي يوجد بعد مدار نبتون، هذه المذنبات تدور حول مدار الشمس في أقل من 200 سنة. معظم المذنبات تأتي من المنطقة في الحافة الخارجية البعيدة للنظام الشمسي، وتسمى هذه المنطقة "سحابة أورت "(Oort cloud). لدى المذنّبات التي تتجه نحو الشمس من هنا فتراتٌ مداريةٌ أطول، فقد تستغرق المذنبات من هذه المنطقة أكثر من 30 مليون سنة للدوران حول الشمس لمرةٍ واحدةٍ فقط.

ما هو الفرق بين نواة المذنب و مركزها؟


نواة المذنب هي الجزء الصّلب المُضمَّن في سحابةٍ من الغاز والغبار تسمى بـ الغلاف الخارجي (coma)، ينشأ المصطلح من تصورنا للمذنب كظاهرةٍ رصدية لكرة ضبابية من الضوء مع ذيل، ثم ستكون النواة مركز هذه الظاهرة. حتى عام 1986، عندما حلقت مركبة الفضاء جيوتو (Giotto) فوق مذنب هالي، لم نرَ نواة أي مذنب.


الآن يمكننا أن نقترب من أي مذنب وندرسه بمزيد من التفاصيل، بدايةً من أجزاء النواة إلى باطنها، ونسأل إذا كان هناك "قشرة" للنواة، التي هي الطبقة العليا التي تتم معالجتها عن طريق إزالة المواد الجليدية (devolatilization)، وهل هناك وشاح (mantle)، وهي الطبقة الأكثر كثافة من القشرة. بما أن التصفيف يعني بعض العمليات التي تشمل الحرارة وتغيير المواد؛ يمكننا إذاً بعد ذلك افتراض أن لُبّ المذنب هو مركز الجزء الصلب من النواة. لا نعرف نحن طبيعة القشرة، أو الوشاح، أو اللُبّ للمذنب، أو حتى إذا كانوا موجودين. إننا نخطط في مهمة التأثير العميق (Deep Impact) لمعرفة ما إذا كان التصفيف موجود، وإذا كان كذلك، سنقوم بدراسة القشرة ووشاح المذنب.

كم عدد المذنبات التي توجد هناك؟


لا نعلم كم عدد المذنّبات هناك؛ حيث أن معظمها لم يُشاهد قط. يمكن أن يكون هناك مائة مليار مذنب في سحابة أورت. فمنذ عام 2010، قد اكتشف علماء الفلك حوالي 4000 مذنبٍ في نظامنا الشمسي.

هل يمكن للمذنبات أن تصيب الأرض؟


بشكلٍ عام، يمكن للمذنبات أن تكون مدهشةً إذا تمت رؤيتها من الأرض، فهو مشهد عظيم أن ترى مذنباً في السماء ليلاً. يعتقد العلماء أيضاً أن المذنبات ساهمت بجلب أشياءَ مهمةٍ مثل الماء وغيرها من المواد التي ساعدت الحياة في أن تنشأ وتتطور على الأرض.


في حالاتٍ نادرة للغاية، يمكن أن تُسبّب المذنبات مشاكلَ على الأرض، ويعتقد معظم العلماء أن كويكباً كبيراً جداً أو مذنباً ضرب الأرض قبل حوالي 65 مليون سنة. وأدت التغيرات الناتجة على الأرض إلى انقراض الديناصورات. فيمكن أن تُسبّب الكويكبات الكبيرة جداً، وكذلك المذنبات الكبيرة جداً، ضرراً كبيراً إذا ضرب واحدٌ منها الأرض. ومع ذلك، يعتقد العلماء أنّ الآثار الكبيرة، مثل تلك التي قتلت الديناصورات، حدثت مرة واحدة من ملايين السنين.

هل المذنبات تغير مساراتها؟


المسار الذي تأخذه المذنّبات عندما تدور حول الشمس قد يتغير لعدة أسباب. إذا كانت تمرّ قريبةً بما فيه الكفاية من كوكبٍ ما، فجاذبية هذا الكوكب يمكن أن تغير قليلاً مسار المذنب. فكوكب المشتري، أكبر الكواكب، يبدو الكوكبَ الأكثر احتمالاً لتغيير مسار مذنبٍ ما، وقد أخذت التلسكوبات وأجهزة المركبة الفضائية صوراً لمذنب واحد على الأقل "شوميكر ليفي 9" (Shoemaker-Levy 9) ينفصل ويضرب الغلاف الجوي للمشتري. المذنبات أيضاً تتجه نحو الشمس، وفي بعض الحالات تسقط بداخلها.


على مدى ملايين السنين، تُطرد معظم المذنبات التي تتصادم مع الشمس أو مع كوكبٍ آخر بفعل الجاذبية من النظام الشمسي بواسطة كوكب كبير، أو تفقد الثلوج التي بها وتتفكك أثناء رحلاتها خلال النظام الشمسي الداخلي بالقرب من الشمس.

كيف تعرف الثّقافات السابقة بعودة مذنب؟


في الواقع، لم تكن الحضارات القديمة على علمٍ حتى بالمذنبات لكونها أجسام جليدية في النظام الشمسي؛ لذلك فإن كل مذنب رأوه اعتقدوا أنه شيطان "جديد". لم يكن ذلك حتى أواخر القرن السابع عشر حيث اعتقد علماء الفلك أن بعض المذنبات التي لُوحِظت خلال القرون قد تكون نفس المذنبات التي تُرى مراراً وتكراراً. في الواقع، المذنب "الأول" الذي يُعرف بأنه دوري، وهذا يعني أنه تتم رؤيته بشكل منتظم، هو المذنب هالي؛ فسُمي على اسم إدموند هالي Edmund Halley الذي لاحظ مرور المذنب كل 76 سنة، وكان قادراً على التنبؤ بعودة ذلك المذنب أو لا. للأسف، مات قبل أن يتمكن من رؤية توقعاته تتحقق، لكن المذنب لا يزال يحمل اسمه.

كيف كان قادراً على التنبؤ بعودة هذا المذنب؟


حسناً، كل مذنب لديه مدارٌ مميز جداً، أو مسارٌ بيضاوي حول الشمس، ويمكن تعريف هذا المدار مع مجموعة من الأرقام التي نشير إليها باسم "العناصر المدارية". إنّ مسار المذنبات، والكواكب، ثلاثية الأبعاد في الفضاء، ونحن بحاجة على الأقل إلى 3 أرقامٍ لتوجيه هذا المسار، وعددٍ قليل من الأرقام الأخرى لتحديد الحجم والشكل، وعددٍ آخرَ لتحديد الموقع في المدار. باستخدام هذه العناصر المدارية، يمكننا حساب موقع المذنب في الماضي والمستقبل للتنبؤ بالوقت الذي يمكننا ملاحظته فيه المرة القادمة.


إذا تم العثور على المذنب عن طريق الصدفة، على المرء أن يمعن النظر بما فيه الكفاية لتتبع مساره في السماء، ووضعه ضمن مدار بيضاوي لتحديد العناصر المدارية، ثم مقارنة تلك القيم مع جدول العناصر المدارية لمذنب معروف للتعرف عليه.

إنني أفهم أنه عند اقتراب المذنب من الشّمس، فإن الثّلج في النواة يتحول من الحالة الصلبة (الثلج) إلى الحالة الغازية (بخار)، فماذا يحدث بعد ذلك في فراغ الفضاء؟

سؤال جيد، الماء يتبخر في فراغ الفضاء، وعندما يتعرض لأشعة الشمس أكثرَ ينهار في عملية تُسمى بـ الانحلال الضوئي إلى ذرات الهيدروجين وجزيئات OH. تتلألأ جزيئات OH في وجود أشعة الشمس ويتم الكشف عنها بواسطة مقاييس الطيف الحسّاسة للضوء فوق البنفسجي. في الواقع، يمكننا قياس وفرة المياه في نواة المذنب عن طريق قياس كثافة شرائط الانبعاثات وتطبيق بعض عوامل القياس.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات