التقط تلسكوب هابل الفضائي مجموعة جديدة من الصور لقرص الحطام الواسع والمحيط بنجم فم السمكة (Fomalhaut) القريب منا. يحتوي هذا القرص كواكباً تدور حول النجم، وقد تُقدم لنا دليلاً قوياً على وجود انقطاع كوكبي في النظام.
تفاجأ علماء الفلك بمعرفة أن القرص الحطامي الموجود أوسع مما اعتقدوا في السابق، إذ يمتد على مساحة من الفضاء يتراوح عرضها بين 14 (نصف قطر داخلي للقرص) إلى 20 (نصف قطر خارجي للقرص) مليار ميل تقريبا عن النجم. وتمثلت المفاجأة الاكبر في سماح صور هابل الأخيرة للعلماء بمعرفة أن الكواكب موجودة على طول مسارات قد تكون مدمرة لها في بيئة على شكل حلقة واسعة جدا من الغبار الكوكبي.
يصل بعد الكوكب المسمى فم السمكة ب (Fomalhaut b) في أقرب نقطة له من نجمه إلى 4.6 مليار ميل، وفي أقصى نقطة إلى 27 مليار ميل. وأُعيد حساب مدار هذا الكوكب بالاعتماد على مراقبات هابل الجديدة التي جرت في العام المنصرم 2012. وعبر عن ذلك باول كلاس (Paul Kalas)، من جامعة كاليفورنيا في بيركلي ومعهد SETI في كاليفورنيا بالقول: "هذا الأمر صادمٌ حقا، لم يكن هذا ما توقعناه".
اعتبر فريق فم السمكة الكبيرة بقيادة كلاس هذا الأمر دليلاً ظرفياً، وأنه لا بد من وجود أجسام شبيهة بالكواكب في هذا النظام بحيث تؤثر ثقاليا على كوكب فم السمكة الكبير ب، وتؤدي إلى وضعه في مثل هذا المدار غريب الأطوار وغير المألوف. عرض الفريق هذا الاكتشاف يوم الثلاثاء الماضي خلال الاجتماع 221 للجمعية الأمريكية لعلم الفلك في لونغ بيتش بكاليفورنيا.
ويبرز بين بضعة سيناريوهات موجودة لشرح مدار فم السمكة الكبير ب، الذي يحتاج إلى 2000 سنة ليتم دورة واحدة، فرضيةٌ تقول إن الكواكب الثقيلة وغير المكتشفة حتى الآن تقوم بقذف الكوكب من موقعه القريب من النجم نحو مسار ومدار يُوجد خارج الحزام الغباري المحيط بالنجم.
ويقول الباحث المشارك مارك كلامبين (Mark Clampin)، من مركز غودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا: " تُقذف المشتريات الحارة جراء عملية التشتت، حيث يتجه أحد الكواكب للداخل، في حين يُقذف الآخر للخارج. قد يكون هذا الكوكب هو من تم قذفه نحو الخارج".
رصد تلسكوب هابل أيضا امتلاك الحزام الغباري والجليدي المحيط بنجم فم السمكة الكبير لفجوة ظاهرة على طوله، وقد تكون ناتجة عن نحت أحد الكواكب غير المرصودة لها. ويوضح المشهد المتقن جداً للحزام الغباري، والملتقط من قبل تلسكوب هابل العديد من عدم الانتظام الموجود في الحزام، مما يحثنا كثيرا على البحث عن كواكب أخرى في هذا النظام.
لو كان مدار هذا الكوكب يقع في المستوي نفسه مع الحزام الغباري، فإنه سيتقاطع مع الحزام في العام 2032 تقريباً. وخلال عبور الكوكب للحزام في هذه المرحلة، ستتحطم الأجسام الصخرية والجليدية في الغلاف الجوي للكوكب، مما يخلق ألعاباً نارية كونية كتلك التي رُصدت عندما اصطدم المذنب (Shoemaker-Levy 9 Comet) بكوكب المشتري.
يُمكن مشاهدة معظم هذه الألعاب النارية الكونية الناتجة عن التصادمات عند أطوال موجية تحت حمراء. على أية حال، لو كان الكوكب فم السمكة الكبير ب غير موجود في نفس المستوي مع الحزام الغباري، فإن كل ما سنراه هو الخفوت التدريجي للكوكب أثناء رحلة ابتعاده عن النجم فم السمكة الكبير.
افترض كالاس أن المدار المتطرف لكوكب فم السمكة الكبير ب هو الدليل الرئيسي الذي يُمكن استخدامه لشرح اللمعان الاستثنائي للكوكب في المجال المرئي من الضوء. وقد يكون هذا اللمعان البصري للكوكب ناتج عن حلقة أو غلاف من الغبار المحيط به حيث يقوم هذا الغلاف بعكس ضوء النجم.
سينتج ذلك الغبار عن أقمار الكوكب التي تدور حوله، والتي تعاني من تآكل شديد جراء الحركة الثقالية والتصادمات الحاصلة عندما يدخل الكوكب إلى النظام الكوكبي بعد ألفية من التجمد الشديد خلف الحزام الرئيسي. ويمكننا مشاهدة أحداث مشابهة عند النظر إلى كوكب زحل، الذي يمتلك حزام غباري ضعيف ولكنه كبير جدا وناتج عن تصادم النيازك مع القمر الخارجي فويب.
أخذ الفريق أيضا بعين الاعتبار سيناريو آخر، وهو وجود كوكب قزم ثاني يُعاني من تصادمٍ قوي جدا مع كوكب فم السمكة الكبير ب. ويشرح سيناريو التصادم هذا سبب امتلاك نجم فم السمكة الكبير لحزام خارجي ضيقٍ ومرتبط بكوكب بعيد جداً. لكن في هذه الحالة سيكون الحزام شاب، وعمره أقل من 10000 سنة، ومن الصعب أن يؤدي إلى تصادمات عالية الطاقة في أماكن بعيدة عن النجم في مثل هذا النظام الشاب.
نظام فم السمكة الكبير خاص جدا لأنه وكما يقول العلماء يسمح لنا بإلقاء نظرة على ما حصل في نظامنا الشمسي قبل 4 مليار سنة, وعلى ما يبدو: يجري الآن إعادة رسم الهندسة الكوكبية، ويتطور الحزام الكوكبي، ومن الممكن للكواكب أن تربح أو تخسر أقمارها. سيواصل علماء الفلك رصد فم السمكة الكبير ب على مدار عقود لأنه يُشكل فرصة كبيرة لرصد كوكب يدخل في حزام حطام جليدي يشابه حزام كايبر الموجود في مجموعتنا الشمسية.