قانون فيزيائي أساسي يفشل في اجتياز اختبارٍ على المستوى النانوي

طوال قرنٍ من التجارب المكثفة، كان قانون بلانك في انتقال الحرارة بالإشعاع صامدًا، لكنّ تحليلًا جديدًا أثبت فشله على مستوياتٍ أصغر.

معنى ذلك ليس واضحًا تمامًا حتى الآن، لكن ما هو ممكن هو أن تتعقب الاكتشافات الجديدة أماكن فشله. ومن شأن مثل هذا الاكتشاف ألّا يؤثر على فيزياء المستويات الذرية فقط، بل وكذلك سيطال كل شيء ابتداءً من النماذج المناخية وحتى فهمنا للتشكيلات الكوكبية.

وقد وضع باحثون من مركز ويليام وماري في فرجينيا William & Mary in Virginia ومن جامعة ميشيغان University of Michigan القانون الأساسي في ميكانيكا الكم تحت الاختبار مؤخرًا، بعد أن انتابهم القلق حيال ما إذا كانت لهذا القانون القديم القدرة على وصف كيفية انبعاث الإشعاع الحراري من الأجسام على المستوى النانوي.

لم يخفق القانون فحسب، لكنّ النتائج التجريبية كانت أكبر بمئة ضعف من القيم المتوقعة، ما يشير إلى إمكانية الأجسام من المستوى النانوي إصدار الحرارة وامتصاصها بكفاءةٍ أعلى من تلك التي يمكن أن تفسرها النماذج الحالية.

يقول الفيزيائي ممتاز قازيلباش Mumtaz Qazilbash من مركز ويليام & ماري: "هذا هو الحال مع الفيزياء، فمن المهم إجراء قياس شيءٍ ما، لكن المهم أيضًا هو فهم ما يجري".

يُعتبر العالم الفذ ماكس بلانك اسمًا كبيرًا في عالم الفيزياء. وبالطبع من الخطأ نسبة ولادة ميكانيكا الكم لشخصٍ بعينه، لكن لا يمكن إنكار أنّ أعماله لعبت دورًا أساسيًّا في رمي الكرة في هذا الملعب.

عرف البشر منذ العصور القديمة أنّ الأشياء الحارة تتألق مُصدرةً ضوء. ولقد علمنا لمدة أنّ هناك علاقة بين لون هذا الضوء ودرجة حرارته.

ولدراسة ذلك بالتفصيل، قاس فيزيائيو القرن التاسع عشر لون الضوء داخل صندوقٍ أسود مسخن، بمراقبته عبر فتحةٍ صغيرة. لقد قدم "إشعاع الجسم الأسود Black Body Radiation" هذا قياسًا دقيقًا معقولًا لهذه العلاقة. وقد تبيّن أنّ الخروج بمعادلةٍ بسيطة تصف الأطوال الموجية للألوان ودرجة حرارتها ليس أمرًا سهلًا، لذا عالج بلانك الامر من زاويةٍ مختلفة.

كان نهجه قائمًا على معاملة الطريقة التي يُمتَّص بها الضوء ويصدر معاملة اهتزازات النواس، مع وجود كمياتٍ منفصلة من الطاقة التي تلفظها الجملة، ولم يعتقد فعلًا أنّ الأمر كذلك، لكنّه كان تشبيهًا ملائمًا لتمثيل الضوء. وبقدر الغرابة التي بدا عليها الامر بدايةً، عمل النموذج بشكل تام. لقد ولّدت مقاربة هذه "الكمية Quantity" من الطاقة عقودًا من الجدل حول طبيعة الواقع، كما كان السبب وراء صياغة أسس الفيزياء التي نعرفها اليوم.

ويطلعنا قانون بلانك في انتقال الحرارة بالإشعاع على نظريةٍ تصف ترددًا أعظميًا يمكن أن تنبعث عنده الطاقة الحرارية من جسمٍ ما عند درجة حرارة معينة.

أبلى هذا القانون بلاءً حسنًا بالنسبة للأجسام المرئية المفصولة بمسافاتٍ مرئية، لكن ماذا لو قربنا هذه الأجسام من بعضها البعض، وبالتالي لن تبقى المسافة بينها مقدار طول موجةٍ صحيحة للضوء المنبعث؟ ما الذي سيحدث لاهتزازات النواس هذه؟

يعلم فيزيائيون ضليعون في مجال الديناميكا الكهرومغناطيسية تمامًا أنّ أمورًا غريبة تحدث هنا في هذه المنطقة، التي تُسمى بمنطقة الحقل القريب near field. ويعود ذلك لسببٍ وحيد، إذ تصبح العلاقة بين الجوانب الكهربائية والمغناطيسية للحقل الكهرومغناطيسي أكثر تعقيدًا. والكيفية التي يمكن أن يؤثر بها هذا على الطريقة التي تتفاعل بها الأجسام المسخنة كانت محط البحث السابق، والذي أسس لبعضٍ من الفروقات الأساسية الكبيرة في انتقال الحرارة في الحقل القريب مقارنةً بالحقل البعيد الذي رصده بلانك. لكنّ ذلك هو الأمر إن كانت الفجوة (المسافة) تقع ضمن مسافةٍ أصغر من طول موجة الإشعاع الصادر. ماذا عن حجم الأجسام نفسها؟

وجد الباحثون تحديًّا أمامهم، إذ عليهم هندسة أجسامٍ أبعادها أقل من 10 ميكرون، يعادل الميكرون الواحد جزء من مليون من المتر، وهو الطول التقريبي لموجة الضوء تحت الأحمر.

استقر العلماء على غشاءين من نيتريد السيليكون تبلغ سماكته نصف ميكرون فقط، تفصل بينهما مسافةٌ تؤكد أنّهما في الحقل البعيد. تسخين أحدهما وإجراء القياس على الثاني سمح لهم باختبار قانون بلانك بدرجةٍ مقبولة من الدقة.

يقول قازيلباش: "يقول قانون بلانك في الإشعاع وبتطبيق الأفكار التي صاغها على كلا الجسمين: ينبغي أن تحصل على معدلٍ محدد لانتقال الطاقة بينهما، وما شاهدناه تجريبيًّا أنّ هذا المعدل هو أعلى بمئة مرة عمليًا مما يتوقع قانون بلانك إن كانت الأجسام بالغة الصغر".

يشبه قازيلباش ذلك بالعزف على أوتار غيتار في أماكن مختلفة منه، ويقول: "إن نقرت تلك الأوتار في تلك الأماكن، ستتجاوب عند أطوالٍ موجيةٍ معينة بكفاءةٍ أكبر".

هذا التشبيه الجزئي هو طريقة ناجعة لتمثيل هذه الظاهرة، لكنّ فهم تفاصيل الفيزياء الكامنة خلف هذا الاكتشاف قد تكون له آثار كبيرة، ليس على التكنولوجيا النانوية فحسب، بل على مجالاتٍ أكبر بكثير. قد يغير هذا المعدل ذو الكفاءة العالية لانتقال الطاقة قد يغير عمليًا كيفية فهمنا لانتقال الحرارة في الغلاف الجوي، أو في جسمٍ مبردٍ له حجم كوكب. وما زال امتداد هذا الاختلاف مجهولًا، لكنّه قد ينطوي على آثار عميقة.

ويختتم قازيلباش: "أينما كانت هنالك أشعةٌ تلعب دورًا هامًا في الفيزياء والعلوم، كان هذا الاكتشاف هامًا".
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • إشعاع الجسم الأسود (black body radiation): هو نوع من الإشعاع الكهرومغناطيسي الحاصل داخل أو حول جسم موجود في توازن ترموديناميكي مع محيطه، أو أنه الإشعاع الصادر عن جسمٍ أسود موجود عند درجة حرارة متجانسة في كافة أجزائه.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات