6 عمالقة غازية تدور حول نجم يشبه الشمس، و2 في المنطقة الصالحة للسكن

صورة فنية لعملاقٍ غازيٍ خارجيٍ يدور حوله قمر أرضي. حقوق الصورة: NASA / Gurra943 on DeviantArt

بقلم: فيل بليت phil plait 

اكتشف علماء الفلك نظاماً متعدد الكواكب مثيراً للغاية يدور حول نجم قريب. يبدو أن كل الكوكب هي عبارة عن كواكب غازية عملاقة، لكن اثنين منها يدوران في المنطقة الصالحة للسكن حيث قد يتواجد الماء السائل!

يجب التوضيح هنا أن العمالقة الغازية ليس لها سطوح، إذ نتيجة لحجم أغلفتها الجوية الهائل تزداد كثافة الهواء كلما نزلنا داخلها، حيث يندمج مشكلاً وشاحاً سائلاً، ومن ثم يُضغَط مشكلاً مادة صلبة في مكان عميق قريب من النواة، ولكن تميل العمالقة الغازية إلى امتلاك أقمار وبعضها بحجم لا بأس به. وذلك ما يجعل هذا النظام مثيراً جداً بالفعل.

تدور الكواكب حول نجم HD 34445، أما النجم نفسه فيبدو مشابهاً للشمس للوهلة الأولى. هو نجم من نوع G0 يتمتع بحرارةٍ وكتلتةٍ أعلى بقليل من تلك الخاصة بالشمس (بالتحديد تبلغ كتلته 1.07 ضعف كتلة الشمس).

ولكنني تفاجأت عندما علمت أنه أكبر مما توقعت، إذ يبلغ قطره نحو 1.38 ضعف قطر الشمس ويبلغ لمعانه ضعفي لمعان الشمس. اعتقدت أن هذه الأرقام ستقارب تلك الخاصة بالشمس إلى درجة أكبر بكثير، ولكنني أدركت سبب ذلك بعد أن عرفت العمر: عمره 8.5 مليار عام، أي ضعف عمر الشمس، ويعني ذلك أنه بدأ يستنفد الوقود في نواته، بدأ بالتوسع البطيء نحو نطاق العمالقة الحمراء.

يقع ذلك النجم على مسافة قريبة منا مقارنة بغيره من النجوم، على بعد 150 سنة ضوئية تقريباً، ما يعني أنه يتميز كذلك بسطوع ظاهري عال نسبياً، حيث تبلغ درجة سطوعه الظاهري الدرجة السابعة الأمر الذي يجعله أكثر خفوتاً من أن نستطيع رؤيته بالعين المجردة، إلا أن تمييزه بالمناظير الثنائية سهل.

يظهر في هذه الصورة نجم HD 34445 (في وسط). حقوق الصورة: SIMBAD / Aladin
يظهر في هذه الصورة نجم HD 34445 (في وسط). حقوق الصورة: SIMBAD / Aladin


يبدو النجم ساطعاً جداً عندما ننظر إليه من خلال تليسكوب كبير، ما يجعله هدفاً جيداً للبحث عن الكواكب. تقدم النجوم الساطعة المزيد من الفوتونات للكاميرا وذلك مفيد عند البحث عن تأثيرات صغيرة.

أُعلِن عن اكتشاف الكوكب الأول HD 34445b عام 2010، حيث اكتشف باستخدام ما يسمى طريقة السرعة الانعكاسية reflex velocity method، والتي أعتقد أن الطريقة الأفضل للتفكير فيها هي ما يلي: تصوروا شخصاً كبيراً يواجه شخصاً أصغر وهما يمسكان بأيدي بعض، ومن ثم يؤرجحان بعضهما دائرياً. سيشكل الشخص الأصغر دائرة كبيرة بينما سيشكل الشخص الأكبر دائرة صغيرة. نستخدم كلمة "انعكاس" هنا لأنه بينما يبتعد أحد الشخصين عنا يقترب الشخص الآخر والعكس بالعكس.

وينطبق الأمر نفسه على النجوم والكواكب، إذ يدور الكوكب حول النجم بسبب جاذبية النجم ولكن الكوكب يمتلك كتلة وجاذبية أيضاً فيستجيب النجم عن طريق الدوران في دائرة أصغر. وفي الحقيقة، فإنهما يدوران حول مركزهما المشترك للجاذبية/الكتلة أو ما يسميه علماء الفلك "المرجح barycenter". لا يمكننا رؤية هذا الكوكب مباشرة لأن النجم ساطع بينما الكوكب خافت كما إن الدائرة التي يشكلها النجم أصغر بكثير من أن تُرى مباشرة.

ولكن بينما يتحرك النجم في دائرة فإنه يقترب منا أحياناً ويبتعد أحياناً أخرى. وعندما يقترب منا ينزاح ضوؤه نحو الطيف الأزرق قليلاً بسبب تأثير دوبلر وينزاح نحو الطيف الأحمر بينما يبتعد. ويمكن قياس ذلك فعلاً مع أنه تأثير صغير. وفي الحقيقة، فقد اكتشفت الكواكب الخارجية الأولى بهذه الطريقة!

بعد أن وُجِد الكوكب الأول حول نجم HD 34445 ركز علماء الفلك على هذا النجم مستخدمين تلسكوبات وأجهزة أكبر وأفضل ليبحثوا عن الكواكب أخرى. أعلن فريق آخر أنه وجد خمسة كواكب إضافية في شهر تشرين الأول/أكتوبر من عام 2017 ليصبح العدد الإجمالي ستة! أجروا 333 عملية رصدٍ خلال 18 عاماً ليحصلوا عليها فهذا بالفعل مشروع طويل الأمد.

بينما تدور الكواكب حول نجم HD 34445 يتحرك النجم استجابة لها. تدل كل إشارة من هذه الإشارات على حركة النجم الناجمة عن كل كوكب (الكوكب السادس غير معروض هنا لأن الإشارة ضعيفة ولأن فترته المدارية طويلة جداً) وتظهر عمليات الرصد الفردية بالرمادي والقياسات المجمعة بالأحمر. حقوق الصورة: Vogt et al
بينما تدور الكواكب حول نجم HD 34445 يتحرك النجم استجابة لها. تدل كل إشارة من هذه الإشارات على حركة النجم الناجمة عن كل كوكب (الكوكب السادس غير معروض هنا لأن الإشارة ضعيفة ولأن فترته المدارية طويلة جداً) وتظهر عمليات الرصد الفردية بالرمادي والقياسات المجمعة بالأحمر. حقوق الصورة: Vogt et al


تبدأ أسماء الكواكب بـ HD 34445 b وتنتهي بـ HD 34445 g تبعاً لترتيب اكتشافها. يستغرق كوكب HD 34445 b فترة تبلغ 1057 يوماً للدوران حول النجم (أي نحو ثلاث سنوات) وتستغرق الكواكب المتبقية 215 يوماً و118 يوماً و49 يوماً و677 يوماً و5700 يوم (يقع الكوكب الأخير على بعد مسافة كبيرة جداً من النجم). وجميع الكواكب كبيرة الحجم: مقارنة مع كتلة المشتري وبالترتيب نفسه يبلغ كل واحد منهم 0.63 و0.17 و0.1 و0.05 و0.12 و0.38 ضعف كتلة كوكبنا الأكبر.

ولأغراض المقارنة، تبلغ كتلة زحل نحو ثلث كتلة المشتري ويبلغ نبتون نحو 1/20 من كتلته. تبلغ كتلة المشتري أكثر من 300 ضعف كتلة الأرض. وبالتالي، تعتبر جميع الكواكب في نظام HD 34445 عمالقة غازية.

يثير هذا الأمر الانتباه فوراً، فمن الواضح أن هذا نظام مختلف جداً عن نظامنا الشمسي! فنحن لا نمتلك إلا أربعة كواكب بهذا الحجم. كما أنّ هذه الكواكب متوزعة حول نجم HD 34445 على مسافات تتراوح بين 40 مليون كيلومتر ومليار كيلومتر. وقد يوجد المزيد على مسافات أبعد ولكن سيصعب كشفها، حيث من الأسهل أن نستخدم طريقة السرعة الانعكاسية للكواكب كبيرة الكتلة الموجودة في مواضع أقرب إلى نجمها.

وأنوّه هنا بأنه قد توجد كذلك كواكب أخرى بحجم الأرض، حيث توجد مسافة كافية لها بين الكواكب الأكبر أو على مسافة أقرب من النجم ولكنني أشير مرة أخرى إلى أن هذه الطريقة تجعل تمييزها صعباً بسبب كتلتها الأصغر. ولكن لا تقلقوا من عدم إيجاد عوالم صالحة للسكن حول HD 34445 حتى الآن، فهنا تصبح الأمور مثيرة بالفعل.

يقع الكوكبان HD 34445b و HD 34445f في المنطقة الصالحة للسكن، أي المنطقة حول النجم حيث قد يتواجد الماء السائل على سطح الكواكب. وبالنسبة لهذا النجم، تقع المنطقة الصالحة للسكن على بعد 200 – 350 مليون كيلومتر من النجم. عندما نقترب أكثر من الطرف الداخلي تفوق درجة الحرارة ما يمكن تحمله (في حالة الكواكب الأرضية أي الصخرية تحصل ظاهرة احتباس حراري جامحة ويحترق الكوكب) وعندما نبتعد أكثر من الطرف الخارجي لا يمكن حتى لأفضل ظاهرة احتباس حراري أن تنقذ الكوكب من التجمد.

يقع كوكب HD 34445b على مسافة 311 كيلومتر ويقع كوكب HD 34445f على مسافة 230 مليون كيلومتر من النجم. 

مخطط لكتلة كوكب خارجي مقابل فترته المدارية مع إظهار أحجام كواكب HD 34445 (النقط الحمراء). يمثل اللون الأخضر منطقة النجم الصالحة للسكن مع اثنين من الكواكب داخلها. يشير الخط الأحمر إلى الحد الذي يمكن اكتشاف الكواكب فوقه فلا يمكن رؤية شيء تحت الخط في البيانات الحالية.  حقوق الصورة: Vogt et al.
مخطط لكتلة كوكب خارجي مقابل فترته المدارية مع إظهار أحجام كواكب HD 34445 (النقط الحمراء). يمثل اللون الأخضر منطقة النجم الصالحة للسكن مع اثنين من الكواكب داخلها. يشير الخط الأحمر إلى الحد الذي يمكن اكتشاف الكواكب فوقه فلا يمكن رؤية شيء تحت الخط في البيانات الحالية. حقوق الصورة: Vogt et al.


ولكن سنذكر مرة أخرى أن هذه الكواكب عمالقة غازية! تبلغ كتلة HD 34445b مئتي ضعف كتلة الأرض ومع أن HD 34445f أصغر إلا أنه لا يزال أثقل من الأرض بنحو 40 ضعفاً، لا يمكن أن تشبه هذه الكواكب أرضنا.

ولكنها قد تمتلك أقماراً، أقماراً خارجية! تمتلك عمالقة نظامنا الشمسي الغازية العديد من الأقمار وبعضها كبير الحجم: فجانيميد Ganymede الذي يدور حول المشتري وتيتان Titan الذي يدور حول زحل يتمتعان بحجم يعادل حجم عطارد تقريباً! ليس من السخيف الاعتقاد بوجود أقمار أكبر منهما، وبالتالي يحتمل أن بعض هذه الأقمار بحجم الأرض وربما مشابهة للأرض.

يبعد تيتان أكثر من مليار كيلومتر عن الشمس وله غلاف جوي أكثف من غلافنا الجوي! لو وجد في مدار أشبه بمدار الأرض حول الشمس لكان من الممكن أن يكون مكاناً جيداً للعيش فيه. هل يمكن أن تدور أقمار صالحة للسكن من هذا النوع حول هذه العوالم الخارجية؟

يقودني هذا الاحتمال للتأمل، نجمها قديم ويتوسع ببطء فيزيد لمعانه بالتدرج مع مرور الوقت. إذا وجدت هذه الأقمار وإذا كانت صالحة للسكن وإذا وجدت الحياة عليها فهي في خطر. أثناء تحول النجم إلى عملاق أحمر حقيقي ستشوى هذه الأقمار بعنف. إنها قصة تكررت مراراً وتكراراً في المجرة وستحصل هنا أيضاً مع شمسنا بعد بضع مليارات الأعوام. ولكن من الأمور المثيرة أن الطقس على الأقمار الأبعد عن HD34445 سيتحول المناخ عليها من الصقيع إلى الاعتدال المريح. هل ستتاح لها فرصة للحياة؟ ربما، ولكن لن يدوم موسمها الدافئ طويلاً، إذ في نهاية المطاف يلفظ النجم طبقاته الخارجية في سلسلة من النوبات العنيفة وأخيراً سيكشف عن نواته متحولاً إلى قزم أبيض يتميز بحرارة شديدة ولكن لا يقدم إلا كمية صغيرة جداً من الدفء بسبب حجمه الصغير. سيتجمد كل شيء في النظام في نهاية المطاف. حسناً، كل ذلك عبارة عن تخمينات. لا نعرف إذا هناك أقمار تدور حول هذه الكواكب وليست لدينا أدنى فكرة في ما إذا كان من الممكن أن نجد قمراً صالحاً للسكن يدور حول عملاق غازي فقط لأنهما يتواجدان في منطقة نجمهما الصالحة للسكن. حيث أستطيع تصور العديد من الأسباب التي قد تجعل ذلك المكان رهيباً من مثل الإشعاع الموجود حول العملاق الغازي نتيجة لحقله المغناطيسي القوي والإجهادات المدية الضخمة المسببة لنشاطٍ زلزليٍ متواصل وما إلى ذلك.

... ولكن الكون شاسع وفى متسع، فلابد أن تحصل حتى الأمور غير المحتملة مرات عديدة. يوحي إيجاد مثال عن مثل هذه العمالقة الغازية حول نجم قريب نسبياً إلى أنها شائعةٌ في المجرة (فلو كانت نادرة، فما هي احتمالية وجودها في نجم لا يبعد عنا إلا عُشر واحد بالمئة من قُطر المجرة؟).

نحن ببساطة لا نعرف في الفترة الحالية. ولكن مجموعة الكواكب الخارجية التي نعرفها تكبر كل يوم تقريباً كما تكبر قدرتنا على استكشافها. لدى الطبيعة قدرة على مفاجأتنا كلما تعمقنا في البحث فيها، وسيتحمس محبو الخيال العلمي فيما لو تبين أن هذه التخمينات صحيحة. دعونا نأمل ذلك.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات