هل سنتمكن من تمييز الكائنات الفضائية عندما نراها؟

ماذا لو أن المادة المظلمة في الحقيقة ليست إلا كائناتٍ فضائية؟

طرح عالمٌ في الفيزياء الفلكية هذا الأسبوع تجربةً فكريةً مثيرةً للاهتمام مفادها: لو كانت هناك حياة خارج الأرض ذات حضارة متطورة بشكلٍ كافٍ، فمن المحتمل أن نخلط وجودها مع قوانين الفيزياء. 

بمعنىً آخر، ما نظن كونه تأثير قوى غامضة مثل الطاقة المظلمة والمادة المظلمة في الكون، قد يكون في الواقع ما هو إلا تأثير الذكاء الفائق لكائناتٍ فضائية، أو ربما هو الكائنات الفضائية بذاتها. لنكن واضحين، نحن هنا نفتقر إلى أي دليل، وهذه فرضية لا يمكن اختبار صحتها بسهولة. وفي الحقيقة، لا أحد يقترح بأن الكائنات الفضائية تعمل في قوة الجاذبية للطاقة المظلمة. 


ولكن ما اقترحه كايلب شارف Caleb Scharf (مدير بيولوجيا الفضاء في جامعة كولومبيا) في مقالته الجديدة، من الناحية النظرية على الأقل، هو أنه من الممكن لحضارة كائناتٍ فضائيةٍ أن تصبح متقدمةً جداً بحيث لا يمكن تمييزها عن قوانين الفيزياء. وبالفعل، فإن هنالك بعض من الظواهر الكونية التي من الممكن أن تُفَسَّر بهذه الطريقة، أو على أقل تقدير، لا يمكننا استبعاد احتمالية ذلك.

قبيل أن تشطب كل هذا على أنه جنون، فإن هذه الفكرة في الأساس هي امتدادٌ للقوانين الثلاث لكاتب الخيال العلمي آرثر سي كلارك Arthur C. Clarke: فإن أي تكنولوجيا متقدمة بشكلٍ كافٍ سيصعب تمييزها عن السحر. 


كان كلارك في الدرجة الأولى كاتباً، فيجب علينا أخذ ذلك بعين الاعتبار، ولكن عندما تتخيل إرسال شخصٍ ما عبر الزمن من وقتنا الحاضر إلى العصر الحجري (Stone Age) وهو يقود لوح تزلجه الطائر وبحوزته آيفون متصل بالإنترنت سيبدو لهم هذا كالسحر أيضاً. حتى الطاقة الكهربائية كانت تبدو كالسحر عند اكتشافها لأول مرة، ولكن على الأقل سيستطيع أسلافنا من العصر الحجري تمييزنا كوننا ذوي صلة بهم بطريقةٍ ما. 

التجربة الفكرية لشارف تأخذ الأشياء خطوةً أبعد من ذلك، حيث يسأل في مجلة ناتلس Nautilus: "ماذا لو تطورت الحياة كثيراً لدرجة أنها تبدو ليست سحرية فقط، وإنما تظهر وكأنها الفيزياء؟ على كل حال، إذا كان الكون يحمل حياةً أخرى في مكانٍ ما، وإذا كانت بعض هذه الحياة فاقت الأرض في تطورها في التعقيد والتكنولوجيا، فيجب إذاً أن نأخذ بعين الاعتبار بعض الاحتمالات المتطرفة".


لم يكن شارف هو أول من اقترح أننا يجب أن نبحث عن الكائنات الفضائية بمفهومٍ أبعد من مفهومنا عن الحياة. في حين أن الحياة على الأرض قائمة على أساس الكاربون، تناقش علماء البيولوجيا الفلكية لعدة قرون حول احتمالية وجود حياة "ليست كما نعرفها" في الكون تعتمد على الميثان مثلاً عوضاً عن الكاربون. 


لقد اقتُرح أيضاً بأن الكائنات المتطورة الفضائية ربما قد قامت منذ أمدٍ بعيدٍ بالتخلص من أجسادها الفانية وحولوا أنفسهم إلى نوعٍ من التكنولوجيا التي لا يمكننا تمييزها، بل أن هناك مجموعة من العلماء مقتنعين تماماً بأننا نعيش داخل برنامج محاكاة لكائنات فضائية. كل هذه الادعاءات قد تبدو حمقاء، ولكنها تستطيع تفسير أحد أكبر الأسئلة في العلم، التي تعرف بمفارقة فيرمي (Fermi Paradox): أين جميع الكائنات الفضائية؟


إذاً كيف لهذا كله أن يرتبط بقوانين الفيزياء؟


يشرح شارف، إذا كنا على استعدادٍ أن نقرَّ بأن الكائنات الفضائية قد لا تبدو كما نبدو نحن، ومن الممكن أن يكونوا متطورين لدرجةٍ تفوق مستوى إدراكنا، عندها يجب أيضاً أن نأخذ بعين الاعتبار احتمالية كون الكائنات الفضائية خلف بعض من الظواهر الغريبة الملاحَظة في كوننا.

لنأخذ على سبيل المثال المادة المظلمة، لا تستطيع كل المادة المرئية في الكون، والنجوم والكواكب والغاز الكوني، أن تفسر كمية الجاذبية التي تربط المجرات مع بعضها. لذلك، جاء العلماء بمفهوم المادة المظلمة لتفسير هذا التناقض، وهي عبارة عن مادة غامضة لا تتفاعل مع الأشعة الكهرومغناطيسية، يُعتقد أن المادة المظلمة تشكل حوالي 27% من مجموع الكتلة والطاقة في الكون المكتشَف، ولكن هناك تناقض في مشاهداتنا للظواهر، ولا نزال نحاول إيجاد طريقةٍ لتفسيرها بشكل مناسب ضمن قوانين الفيزياء.

ولكن ماذا لو كان ما نعتبره المادة المظلمة في الحقيقة هو حضارة متطورة لحياةٍ خارج الكرة الأرضية، وقد تعلموا تشفير أنفسهم إلى نوعٍ غريبٍ من الجسيمات دون الذرية وغير المرئية اساساً لباقي الكون؟

كتب شارف: "هل هناك طريقة أفضل للهرب من التقلبات السيئة للمستعرات العظيمة السوبرنوفا (supernova) ورشقات أشعة غاما (gamma-ray) دون الاعتماد على شكل محصن ضد الأشعة الكهرومغناطيسية؟ لربما كان عدم تطابق النماذج والملاحظات الفلكية هو دليل ليس فقط على مادة مظلمة ذاتية التفاعل، وإنما على مادة مظلمة يتم التلاعب بها بشكلٍ مصطنع".


إذا لم تكن هذه الفكرة متماسكة بما يكفي، فإن أفكار شارف حول الطاقة المظلمة أكثر غرابة. الطاقة المظلمة هي القوة الافتراضية المسؤولة عن ازدياد سرعة تمدد الكون، ولكن الكون لم يبدأ بالتمدد بصورة متسارعة إلا قبل حوالي خمسة بلايين عاماً والعلماء ليسوا متأكدين من السبب. 


يقترح شارف بأن الطاقة المظلمة ربما تكون قد خُلقت من قِبل كائناتٍ فضائية متطورة أرادوا بها تجنب ازدياد درجة حرارة الكون المزدحم عن طريق نشر وتفريق الأجسام عن بعضها البعض قليلاً. يكتب شارف ايضاً: "إن احتمالية وجود أي حياة مبكرة في الكون ستكون قد شهدت بالفعل فترة تطورية دامت 8 بلايين عام عندما بدأ الكون بالتمدد بصورة متسارعة". ويضيف: "إنه تمدد، ولكن ربما هناك شيء حول الحياة نفسها يؤثر على الكون، أو ربما قرر أولئك المواطنين المتطورين جداً العبث بتوسع الكون".


لم يتم تحكيم أو مراجعة أي من هذه الأفكار، إنها فقط رأي عالم فلكي واحد يدفع بحدود ما هو ممكن من الناحية النظرية، ولكن في حين أننا لا نستطيع فحص هذه الأفكار إلى الآن، إلا أننا أيضاً لا نستطيع استبعادها. في الحقيقة، هنالك الكثير من الفيزياء لا نزال غير قادرين على فهمه.


نعم، فإن من غير المرجَّح أن يكون تفسير الأشياء الغامضة التي نراها في الكون على أنها كائنات فضائية، ولكن على أقل تقدير، على العلماء أن يتقبلوا إمكانية وجود قوى أخرى في الكون لا نستطيع إلى الآن البدء بتخيلها حتى!

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • مفارقة فيرمي (Fermi Paradox): تسعى هذه المفارقة إلى الإجابة عن السؤال المتعلق بمكان وجود حياة خارجية وكائنات فضائية.
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernova): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات